من تحت الأنقاض إلى شاشة الحقيقة: “النجاة من الموت منحتني مسؤولية أن أعيش وأروي الحكاية”

من قلب حرب الإبادة على غزة، كانت سلمى محمد الصحفية الفلسطينية ومقدمة البرامج في مؤسسة آخر قصة شاهدة على الألم، قبل أن تصبح جزءًا منه. نجت من تحت أنقاض منزلها الذي انهار فوقها وأسرتها، لتبدأ بعدها رحلة قاسية من العلاج والصبر والإصرار على الحياة. في هذا الحوار، تروي سلمى لـ«التغيير»، تفاصيل لحظات الرعب، وأصعب أيام النزوح والعلاج، وتشارك رؤيتها حول الإعلام في زمن الحرب، ورسالتها إلى العالم بعد النجاة.

■ بدايةً، كيف تعرّفين نفسك اليوم بعيدًا عن صفة “الناجية من الحرب”؟

أنا سلمى محمد، صحفية فلسطينية، ومعدة ومقدمة برامج في مؤسسة آخر قصة. تربيت في بيت إعلامي، فكنت إعلامية بالفطرة، حيث أن والدي أيضًا صحفي. لا أذكر أني كنت أشاهد الرسوم المتحركة بقدر ما كنت أتابع نشرات الأخبار.

■ ما الذي دفعكِ لاختيار العمل في الإعلام داخل غزة رغم كل المخاطر؟

الإعلام بالنسبة لي لم يكن مجرد مهنة، بل كان هوية ونشأة. عشت في بيئة تؤمن بأن الكلمة قادرة على التغيير، وأن على الصحفي أن يكون عين الناس وصوتهم مهما كانت التحديات.

■ خذينا إلى تلك اللحظة التي أصبتِ فيها… ماذا تتذكرين منها؟

نزحت مع أسرتي إلى منزل صديق والدي جنوب قطاع غزة. في إحدى ليالي الحرب، كنت بين الصحوة والنوم حين رأيت ضوءًا أحمر، وقبل أن أختبئ عند أمي سقط المنزل علينا. انهار المبنى المكون من ثلاثة طوابق بالكامل، ووجدت نفسي تحت الأنقاض مع أسرتي، واستشهد حينها نحو ثلاثين شخصًا.

■ كيف كانت تجربتك وأنتِ تنتقلين من توثيق الألم إلى أن تصبحي جزءًا منه؟

كانت تجربة قاسية جدًا، خاصة أن إصابتي كانت في قدمي وكنت على وشك فقدانها. لم يكن في المستشفى مكان لي، نزفت على الأرض لساعات طويلة، وشاهدت مشاهد لا تُنسى من الألم والمعاناة.

■ رحلة علاجك من غزة إلى مصر كانت مليئة بالتحديات، ما أصعب ما واجهتِه خلالها؟

أصعب ما واجهته هو الوقت. تأخرت عمليتي شهرين بسبب الزحام الهائل في المستشفيات، رغم أنها كانت عاجلة. كانت فترة مؤلمة جدًا، لم أذق فيها طعم النوم لأشهر.

■ من أين استمددتِ القوة لتكملي بعد كل ما مررتِ به؟

الفلسطيني بالفطرة يعيد بناء نفسه بعد كل جرح، لأنه لا يملك خيارًا آخر سوى الصمود. نحن نتعلم أن نقف من جديد رغم الألم، لأن الحياة تستمر رغم كل شيء.

■ كيف تنظرين إلى دور الإعلام في نقل معاناة غزة؟ وهل تشعرين أن العالم أنصفكم؟

الإعلام كان له دور مهم في إحياء قضيتنا من جديد، رغم أن الثمن كان فادحًا. يؤلمني أن تحيا القضية على دماء هذا العدد الكبير من الشهداء والدمار الذي خلفته الحرب.

■ كإعلامية عاشت الحرب، كيف تنظرين إلى ما يجري في السودان؟ وهل التغطية الإعلامية هناك منصفة؟

كإنسانة عاشت الحرب، أعرف تمامًا معنى الكلمة. يؤلمني ما يحدث في السودان، وأشعر أن التغطية الإعلامية هناك لا تزال محدودة، فالشعب السوداني يستحق مساحة أكبر من الاهتمام والعرض الإعلامي.

■ ما الرسالة التي تودين إيصالها اليوم للعالم من خلال قصتك؟

أن الصحفي الفلسطيني ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو إنسان يتألم ويقاسي، لكنه مجبر أن ينهض من جديد. رسالتي أن نرى الإنسان خلف كل قصة، لا الأرقام فقط.

■ بعد كل ما مرّ، ماذا تعني لكِ الحياة الآن؟

الحياة اليوم تعني لي فرصة ومسؤولية. نجاتي من الموت منحتني طاقة جديدة لأواصل، لدي أحلام وطموحات كثيرة، وسأحاول تحقيقها ما دمت على قيد الحياة، رغم صعوبة ظروف الفلسطينيين في الداخل والخارج.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.