حسن عبد الرضي الشيخ
يُعد كتاب “التحدي الذي يواجه العرب” واحدًا من أبرز الكتابات الفكرية والسياسية للأستاذ محمود محمد طه، المفكر السوداني الذي سعى إلى تقديم رؤية عميقة ومتحررة للنهوض بالأمة العربية، خاصة في ظل التحديات الجذرية التي واجهتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
كُتب هذا الكتاب في ظل واقع عربي مأزوم سياسيًا وفكريًا واجتماعيًا، كان أبرز معالمه هزيمة ١٩٦٧ التي هزّت الثقة في الأنظمة القومية والثورية، وتفكك المجتمعات العربية داخليًا بسبب الاستبداد وغياب الحريات، وعجز المشروع القومي عن تحقيق الوحدة والعدالة والنهضة، إلى جانب الصراع العربي الإسرائيلي الذي عرّى هشاشة البنية الفكرية والسياسية العربية.
في ظل هذه الظروف، جاء طرح الأستاذ محمود محمد طه بمثابة تنبيه وتحذير، لكنه في جوهره كان يحمل دعوة للتجديد والتحرر.
لو أخذ العرب بنصيحة الأستاذ، لحققوا تحولًا جذريًا في الفكر الديني والسياسي، بتجاوز الجمود والانغلاق، وفهم الدين كدعوة للحرية والتطور. ولتحرر الإنسان العربي من قيد التقاليد المتحجرة والاستبداد السياسي، ولتم بناء أنظمة تقوم على العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والمساواة بين الرجل والمرأة. ولتم تجاوز الصراع بين “العلمانية” و”الدين” بطرح الإسلام كرسالة حرية وسلام وتسامح، لا كأداة سلطة.
ولو تحقق ذلك، لربما كان للعرب اليوم وضع مغاير تمامًا، يتمثل في ريادة فكرية وإنسانية، لا مجرد تبعية اقتصادية أو سياسية.
إن إعادة قراءة “التحدي الذي يواجه العرب” في هذا العصر تكشف لنا أن الكثير من تحديات الأمس لا تزال قائمة، بل تفاقمت، وأن الحلول التي اقترحها الأستاذ محمود كانت متقدمة على زمنها، وتزداد راهنيتها اليوم.
كما أن الفكر الديني في العالم العربي لا يزال بحاجة إلى ثورة إصلاحية جذرية تعيد له روحه الإنسانية.
إذن، فإعادة قراءة الكتاب ليست مجرد تمرين فكري، بل دعوة ملحة لاستئناف مشروع نهضة عربي حقيقي.
السودان يمتلك خصوصية فكرية وروحية وثقافية فريدة، وقد كان الأستاذ محمود محمد طه أبرز المفكرين الذين سعوا لصياغة نموذج سوداني متفرد. وانطلاقًا من كتابه، يمكن أن نعمل على إقامة نظام سياسي ديمقراطي عادل، يفصل بين الدين والدولة، دون أن ينكر القيم الروحية. وبناء دولة مدنية تعددية تحترم الحقوق الفردية، وتحتفي بالتنوع الثقافي واللغوي والديني. ونشر فكر الحرية الفردية كأساس لأي نهوض حقيقي، انطلاقًا من معنى قوله: “الحرية الفردية هي حجر الزاوية في الإسلام.” وتحرير التعليم والإعلام من هيمنة الفكر التقليدي، وبث روح النقد والإبداع. وتحويل السودان إلى نموذج إنساني عالمي، كما نحلم به، يُجسد فيه الإنسان كقيمة عليا، ويُمارس فيه الدين كتحرر لا كقيد.
وفي خاتمة القول، فإن كتاب “التحدي الذي يواجه العرب” ليس فقط نقدًا للواقع العربي، بل هو أيضًا رؤية متكاملة للتحرر والنهضة، انطلقت من السودان ويمكن أن تعود إليه كنموذج يُحتذى. إننا اليوم بحاجة إلى شجاعة فكرية وصدق أخلاقي لنستعيد هذا المشروع، ونجعل من السودان، بحق، جنة الأرض التي تمثل قدوة للعالم.
المصدر: صحيفة الراكوبة