مزمل عليم (موزارت)
● لا أُريـد الكتابة عن شخصية دكتورة بخيتة أمين إسماعيل بصورة المقال الوثائقي فسيرتها الذاتية تتعطر بها كل المواقع الإسفيرية؛ وليست كتابتي عنها بمثابة التلميع لها بل العكس تماماً أنا من أتشرف بأن يزدان مقالي بهذا الاسم الشامخ ليس في السودان وحسب بل في كل أرجـاء الوطن العربي؛ لذلك حديثي عنها اليوم وعن تجربتها من باب المنظور المختلف وليس التناول المعتاد عن شخصيتها المعروفة لدى الجميع بالتحديد الأجيال القديمة وعلى ما أعتقد أن جيل (فيس بوك وتيك توك) لم ينال شرف معرفة مثل هذه الشخصيات التي أثْرت الساحة الثقافية والاجتماعية في السودان والشرق الأوسط ووصلت حتى مرافئ العالمية .
” لمن لا يعرف بخيتة أمين “
● كما قلت سابقاً هذا الجيل لا يعرف أعلامه ورموزه ولربما من باب التذكير والتعريف بالجواهر الخالدة هذه نبذة بسيطة عن الصحفية المرموقة بخيتة أمين أول صحفية سودانية تعمل في إذاعة عالمية كهيئة الإذاعة البريطانية في القسم العربي (BBC) وهي من الرعيل الأول من جيل النساء السودانيات المثقفات والمتعلمات حاصلة على البكالوريوس من جامعة الخرطوم والماجستير من جامعة ريدينج البريطانية والعودة مجدداً للخرطوم لتحضير رسالة الدكتوراة بطلب خاص من الرئيس الأسبق جعفر نميري؛ لديها العديد من الإصدارت والكتب عن قضايا المرأة السودانية كما لها سيل جارف من المقالات الصحفية المعنونة تحت الإسم الشهير (جرة قلم).
” عدم التقليدية وكسر المألوف “
● لم تكن بخيتة أمين عالمة نووية أو خبيرة في الأسلحة البيولوجية أو حتى طبيبة بارعة أو مهندسة ذائعة الصيت كما يلهث كُل من في عصرنا الحالي وراء هذه الاختصاصات ولكنها كانت أفضل من كل ذلك فقد حققت التفوق في مجال الإعلام الاجتماعي والثقافي مسخرة كل قدراتها الثقافية والعلمية من أجل نشر التوعية والثقافة بين فتيات جيلها والمشاركة في فتح أفاق جديدة لتعليم وتفوق المرأة في السودان؛ وعن طريق دراستها في بريطانيا استطاعت أن تنقل تجربة العرب والنساء في بريطانيا الى كل البيوت في الشرق الأوسط عبر عمودها (حياة إمرأة في بلاد الإنجليز) والتي كانت ترسله بما يعرف بـ(رسالة لندن) إلي صحيفة ” الصحافة ” في ذلك الوقت وكانت تجربة مثيرة للاهتمام قد وجدت إشادات واسعة في تلك الفترة من صحفية مُلهمة ومتميزة كبخيتة أمين؛ وقد تقلدت بسبب هذا التميز العديد من المناصب الإعلامية لا يسع المجال لحصرها ولكن تبقى تجربتها في هيئة الإذاعة البريطانية هي العلامة الفارقة بكل تأكيد .
” أمــال وتضحـيات “
● كانت تستعد بخيتة أمين لتحضير رسالة الدكتوراة في بريطانيا ولكن بطلب خاص من الرئيس جعفر نميري طالبها بتحضيرها في السودان في جامعة الخرطوم والاستفادة من خبرات بخيتة أمين في دولة عظمى كبريطانيا في مجال الإعلام السوداني وكانت أن استجابت بكل حب وترحاب هذه الدعوة مطالبة فقط بعمل مجلة للأطفال تدعى (مريود) موجهة للطفل السوداني بصورة خاصة والعربي بصورة أعم .. وكان معها في تلك المجلة الفنان شرحبيل أحمد بالإضافة لعصام حسون وعوض أحمد .. فنقطة تضحيتها بترك رسالة الدكتوراة في بريطانيا والعودة إلى السودان استجابة لطلب الرئيس نميري يُكرس نظرية حب الوطن وجعله فوق كل شيء؛ كانت تأمل بخيتة أمين في خلق أرضية ثقافية متنوعة في السودان ينهل منها الجميع ليسير الجميع في دربها التي سارت به وحققت النجاحات؛ فنحن الآن في زمن لا يحب الأخ نجاح أخيه ناهيك عن صديقه أو قريبه ..
” ما بين الزمن الجميل وتراجيديا الزمن الحالي “
● سمعت حواراً في إحدى القنوات للقاء سابق لبخيتة أمين ذكرت فيه أن بعد عودتها إلى السودان لتحضير الدكتوراة واشرافها على مجلة (مريود) حصل بعض الخلاف بين فلسفة المجلة وخط الحكومة في تلك الأيام مما أدى إلى إيقاف نشاط الصحفية بخيتة وحظر نشاطها الصحفي داخل السودان؛ ومع هذه الظروف الصعبة كانت الصحفية الشابة بأمس الحوجة لمواصلة الطريق نحو القمة عن طريق تحضير رسالة الدكتوراة ولكن مع الظروف السيئة بعد حظر نشاطها الصحفي وقلة الحيلة المادية كانت أمام أختبار من نوع آخر؛ ولكن كما قلنا أن الزمن الجميل يحمل في طياته كل الجمال فقد تصدى لهذه المشكلة أشخاص ذكرتهم في البرنامج لدعمها لمواصلة رحلة التفرد والإبداع؛ لنستخلص أن النجاح ليس فردياً في معظم الأحوال ولولا وجود مجاديف للقارب في البحر لما تحرك خطوة واحدة نحو الأمام .. وإذا رجعنا بمخيلتنا مجدداً إلى عهدنا الحالي عصر الحسد والحقد والأمراض النفسية والاغتيالات المعنوية في عالم مليء بالظلام والشر ولا يعترف الا بلغة الأرقام والمال والمجون المبطن بأبشع الصفات والتصرفات التي قد لا تخطر حتى للشيطان نفسه ولكن تبقى شخصيات كبخيتة أمين هي نقطة الأمل والضوء في بحر الظلام الواسع ومعول هدم لأي بنيان فكري مُفـسد ..
” تواضع شخصي جميل وقيمة عالية “
● في كل اللقاءات الصحفية لبخيتة أمين سواء عبر الصحف أو حتى قنوات التلفاز لا تستطيع أن تُقيِّد نفسك من متعة متابعة شخصيتها المتواضعة لأمرأة سودانية نهلت كل هذا العلم الغزير والانسجام الذي ينتاب المتابع لبخيتة وكأنها شخصية مألوفة لديك وكأنها الوالدة والخالة أو الأخت الكبرى التي ترشدك بكل معاني الحب والخوف عليك وإنارة الطريق نحو النجاح والفلاح؛ فهذا التواصل السايكولوجي الذي يتأثر به حتى المذيعين أمام ملكة الصحافة بلا منازع بخيتة أمين؛ فلا تمتلك أمامها سوى الإنصات والتمتع بــ(بجواهر الكَلِم) والبساطة اللغوية وقيمة الأخلاق وغزارة المعلومات المنتشرة في كل عبارة تنطق بها .
” مسك الختام “
● رغم الأوسمة التي نالتها والإنجازات التي حققتها (بخيتة أمين) إبنة مدينة أم درمان العريقة ينتابني إحساس بأن المجتمع وحتى الحكومات المتعاقبة قد قصرت في حق بخيتة أمين إسماعيل التي سعت بكل السُبل لتوصيل رسالتها العميقة لمجتمعها السوداني ولفتيات جيلها وكل الأجيال القادمة ؛ فقصة حياتها يجب أن تُدرس في كل المناهج الدراسية بمختلف المراحل فــ(القصة المُلهمة) هي الحافز الدائم والشعلة المُتقدة التي ترسم ملامح أجيال المستقبل ..
” جَرَّةُ قَلَمٍ “
تواشـيح لى مكان مُـبهم
تحلق في سماهُ الروح
تفتش زول سـكن
نبض الحنايا سنين
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة