«جيش واحد، شعب واحد»… فرية كبرى لتغطية جريمة كبرى!
حسن عبد الرضي الشيخ
في الزمن الذي تشتعل فيه الخرطوم تحت نيران آثار الحرب والانقسامات والخيانات، لا يزال بعض البسطاء من أهلنا يرددون عن خوف أو حسن نية الشعار الزائف: “جيش واحد، شعب واحد”!
شعارٌ أُريدَ به باطل، فصار كالمخدر الجماهيري، يُسكن الآلام لكنه لا يشفي الجراح، يُخدر الوعي ولا يفتح العيون على الحقيقة المُرّة: أن هذا الجيش لم يدافع عن الشعب حين دقّت عليه أبواب الجحيم.
فمن يردد هذه الفرية ولماذا؟
يرددها البسطاء لأنهم يخشون أن يُوسموا بالخيانة أو يُتهموا زورًا بالتعاون مع “العدو” أيًّا كان هذا العدو حتى وإن كان هو من يقتلهم ويقصفهم ويشرّدهم.
ويرددها العسكر لأنهم يخشون من تهمة التمرد على “الشرعية”، أي شرعية الكيزان التي تعشش في دواخلهم.
ويصرّ عليها الفلول والكيزان لأنهم يعرفون جيدًا أن تماسك الجيش خلف شعارات زائفة هو آخر أوراقهم للبقاء، فيخدعون بها الرأي العام ليبقوا ممسكين بخيوط اللعبة.
والسؤال الصادم: أين كان هذا الجيش عندما اجتاح الدعم السريع العاصمة؟
أين كان عندما ذُبحت الأسر، وانتهكت الحُرمات، وسُرقت البيوت، وانهارت الدولة؟
هل دافع الجيش عن المدنيين؟
أم أنه اختبأ خلف المتاريس، أو اكتفى بالقصف العشوائي الذي زاد الكارثة كارثتين؟
وهل تحررت المدن بعد انسحاب الدعم السريع منها؟
الإجابة: لا! ولا كرامة.
لقد استُبدل الاحتلال بالنهب، والمليشيا النظامية بالمليشيا الرسمية.
من انسحب ترك خلفه رمادًا، ومن دخل بعده أشعل نارًا جديدة.
في كثير من المناطق، بات المواطن بين سندان العسكر ومطرقة الحركات؛ فلا أمن تحقق، ولا كرامة رُدّت، ولا حقوق عادت!
لكن ماذا لو انتصر الجيش وطرد الدعم من دارفور؟
نقولها بوضوح: لن تتحرر دارفور!
لأن القضية أعمق من معركة عسكرية، إنها معركة عدالة وحقوق وسلطة منحازة.
إذا انتصر الجيش وهذا افتراض أقرب إلى المستحيل في ظل تآكله من الداخل فسيعيد دارفور إلى قبضة المركز الفاسد، وإلى سلطة الخرطوم (بورتسودان) المتغطرسة، التي لا ترى في الأقاليم سوى “ثكنات” و”موارد”، لا بشرًا يستحقون الحياة والعدالة.
الخاتمة: الفرية الكبرى ليست في الشعار فحسب، بل في مَن يروّج له وهو يعلم أنه كذبة مكشوفة.
البرهان وكتيبته الكيزانية، يكذبون كما يتنفسون لا لأنهم يحترفون الكذب، بل لأنهم يعرفون أن الحقيقة تفضحهم وتُسقطهم.
فلا “جيش واحد”، ولا “شعب واحد”، ما دام الجيش لا يحمي الشعب بل يستخدمه دروعًا بشرية، وما دامت الدولة في قبضة عصابة تُغذي الحرب وتعيش على جثث الأبرياء.
نريد جيشًا وطنيًا بحق، لا جيشًا شعاريًا زائفًا.
نريد وحدة حقيقية بين الشعب ومؤسساته، لا خديعة تُقال لتجميل وجه السلطة القبيح.
وحتى يتحقق ذلك، لا بد أن نصرخ عاليًا:
“جيش واحد، شعب واحد”… كذبة بحجم وطن يُذبح!
المصدر: صحيفة التغيير