حسن عبد الرضي الشيخ

في كل زمانٍ ومكان، تظهر طفيليات السياسة من جديد؛ تتلون كالحرباء، تلعق أحذية المتغلب، وتُصفّق بلا خجلٍ للباطل إن كان له سلطانٌ وسوط. واليوم، في سودان الجراح والحرب والانقسام، تعلو أصوات “طابور الخديعة” من إعلاميي الحرب، والفلول، والبلابسة، يزيّفون الواقع كما يتنفسون، ويكذبون بلا وجل، ويروّجون لفريةٍ قديمةٍ لم تعد تنطلي إلا على السذّج: أن قوى الحرية والتغيير هي التي بدأت الحرب! يا للسذاجة! وماذا تستفيد قوى الحرية والتغيير من إشعال الحرب، وقد تمّ التوقيع على الاتفاق الإطاري حتى من قِبل البرهان وحميدتي؟

ثم ما هذا الانقلاب الفجّ على الحقائق؟ أليس هؤلاء أنفسهم من ملأوا الآفاق ضجيجًا، مهللين ومكبّرين للحسم العسكري الذي لم ولن يأتي؟ ألم يكونوا أبواقًا للدمار والخراب، وهم يُمنّون أنفسهم بالنصر تحت دبابات البرهان وجحافل الكيزان؟ فلمّا خاب فألهم، وانقلبت معادلة الحرب، وصار السلام قابَ قوسين أو أدنى، خرجوا علينا من جحورهم يدّعون أن حكومة “بورتوكيزان” كما سماها الشارع السوداني ساخرًا تسعى للسلام، وكأنّما لم يكن الدم المسفوك من صُنعهم.

السلام الآن يُفرض عليهم فرضًا، لا طوعًا ولا قناعةً؛ يُفرض بإرادة المجتمع الدولي، وبضغط الرأي العام، وبوعي الشعب السوداني الذي خبر كذبهم، وذاق نار نفاقهم. فماذا أنتم قائلون يا “طابور خديعة الإعلام والسياسة”؟ وماذا أنتم فاعلون إذا انقشعت السُّحُب وظهر قوس النصر الحقيقي للسلام؟

هنا ينهض “مثل الباذنجان” من بطون كتب التاريخ ليُعرّيكم:

قال الأمير بشير الشهابي: نفسي تشتهي أكلة باذنجان.
فأطنب خادمه في مديحه.
ثم قال الأمير: لكني تأذّيت منه قبل أيام.
فانقلب الخادم عليه شتمًا وذمًّا!
فسأله الأمير متعجبًا: كيف تمدح وتذم؟
فأجابه: أنا خادم الأمير، لا خادم الباذنجان!

وهكذا أنتم، خُدّام السُلطة لا الحقيقة، تُصفّقون لما يقول الحاكم، وإن قال ضدّه صفقتم أكثر. فمتى كانت لكم مواقف؟ متى وقفتم مع الشعب لا مع البندقية؟ متى نطقتم بكلمة حق؟! ألا تذكرون كيف كان التصفيق الحادّ للزعيم حين قال: أمرتُ الأسطول بالتحرّك، ثم عاد التصفيق أشدّ حين قال: أمرته بالعودة؟! أليست هذه ثقافتكم؟ ثقافة التصفيق للفعل وضده؟!

يا “باذنجانيّي” الإعلام، يا منافقي اللحظة، أنتم داء الوطن، وأنتم أوّل من يقفز من السفينة إذا بدأت بالغرق. لم تبنوا وطنًا، ولن تُفيدوا حاكمًا. أنتم طابور الخديعة، جوقة النفاق، تفسدون الحاكم قبل أن تُضلّلوا الرعية.

ولكنّ السلام آتٍ لا محالة، عنادًا لكم، وبالرغم منكم، وبسواعد الشرفاء الذين لم تتلوّث أياديهم بصفقات الدم. السلام قادم، فاستعدّوا يا “باذنجانيين”… هذه المرّة لا مقاعد لكم، ولا كراسٍ تثبّتونها بالأكاذيب.

السودان يتغيّر… وما عاد لكم مكان.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.