منعم سليمان
على أنقاض وطنٍ يتلوّى جوعًا، وتحت رماد مدنٍ التهمتها نيران أطماع الجنرالات، تمضي سلطة الخراب في بورتسودان في تعميق جراح السودان، مراكمةً فوقها طبقاتٍ جديدة من الذلّ والفقر والتمزق.
لم يبدأ الخراب في 15 أبريل 2023، بل بدأ منذ أن خان البرهان عهد الثورة وهو خائن فطرة وانحاز للكيزان، معلنًا انقلابًا غادرًا على الحكومة المدنية، مدفوعًا بهوس سلطةٍ مغطّاةٍ برداء الدين .. نفس ذلك الدين!
أرادوا أن يستعيدوا الماضي بدبابة، ففشلوا. ثم أرادوه بالحرب، ففشلوا مرةً أخرى. لا الدبابات أعادت مجدهم المزعوم، ولا الخراب الذي اجتاح البلاد فرض هيبتهم.
وحين ضاق بهم الخناق، فرّوا من الخرطوم، حاملين خيبتهم إلى ساحل البحر الأحمر، وهناك أسّسوا ما لا يشبه الدولة ، سلطة هجينة هي: خليطٌ من عسكر هم كيزان، وكيزان هم عسكر، مع ثلة مرتزقة، وتُجّار حروب، وسرّاق المال العام والخاص، وفلولٌ نهابون، ولصوصٌ يرتدون عباءة الاقتصاد!
على يد هذه السلطة الفاسدة، تآكلت مؤسسات الدولة، وسُحقت الطبقة العاملة، وزُجَّ بملايين الأفواه إلى نيران الجوع. وفي ظل هذا المشهد المرعب، تصرخ الأرقام في وجوهنا بلا رحمة: الدولار يلامس حاجز 3000 جنيه في السوق الموازي، وسط شللٍ تام للإنتاج بكافة صوره، في مؤشّر على تدهور غير مسبوق، هو دون الحضيض والقاع!
هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل لعنات يومية تطارد فقراء البلاد، الذين فقدوا صحّتهم، وتعليم أبنائهم، وصار الرغيف كالقمر: بعيد المنال، تراه ولا تبلغه. أما الدواء حتى في حدوده “البنادولية” البدائية قد أصبح من خرافات الزمن الجميل!
أصبح السودانيون داخل بلادهم طبقتين: طبقة لصوصٍ وتجار حروب، وطبقة صفوف البليلة العدسية!
في قلب هذا الجحيم، يتربّع جبريل إبراهيم، وزير مالية سلطة اللصوص، كرمزٍ ساطع للفساد، والفشل؛ مرتزقٌ بلا مشروع، ولصٌّ بلا حسّ، ووزيرٌ لا صلة له بالوزارة. يتحدث عن الاقتصاد كما يتحدث الغريب بلغةٍ لا يفهمها؛ يخلط كرامة الشعب بـ “كرامة” الحرب، ويسابق الزمن في نهب الأموال ويُمعن في السطو على ما تبقّى من رمق الوطن.
السرقة ونهب المال العام بات لديه مهارةً يومية، وأصبحت امتدادًا لوظيفته؛ لم تسلم من قبضته حتى فتات المعونات المُخصّصة للواقفين على صفوف البليلة!
وأما البرهان، ذلك الناقصُ لكل مكرمة، والعاري من كل فضيلة، فما يزال كعادته يُدمن الكذب، ويتحدّث بلسانٍ باردٍ كقاتلٍ متسلسلٍ محترف: يخون وطنه، ويمزّق أوصاله، ويُقدّم مفاتيحه على موائد الغير، ثم لا يطرف له جفن وهو يلوك كلمة “السيادة”!
يتحدّث عن اللحمة الوطنية، ولحم بطون شعبه قد تآكل بالمسغبة، حدّ أن شارك بعضهم البهائم وجبة “الأمباز”!
فيا لعارِ جيشٍ قتل شعبه، وجوّعه، ودمّر بلاده، ثم رفع راية الكذب فوق أنقاضها!
ويا لويل من ظنّوا أن جوع كرامتهم يُطفئ كرامة هذا الشعب، فيرضى بعودتهم من جديد.
المصدر: صحيفة الراكوبة