اخبار السودان

جنرالات النكسة في متاهتهم السودانية , اخبار السودان

صلاح جلال

(١)

الجنرال فى متاهته رواية للروائي ج. قارسيا ماركيز التى تصور فيها الجنرال أن الحرب والخوف والموت والجوع والمرض ستنتصر على إرادة الأمل والحب والجمال ، لقد نصحنا حكيم الأمة بعد ثورة ديسمبر المجيدة السيد الصادق المهدى عليه الرضوان  ، بأن لا نستفز قيادات القوات المسلحة ، وعلينا مسايستهم بالتُقية حتى نكمل الإنتقال الهش إلى مبتغاه بإنتخابات حرة ونزيهة تأسس لنظام دستورى يخرجهم من السياسة والإقتصاد ، ووضعهم أمام مسئولياتهم المهنية كقوات مسلحة قومية التكوين والقيادة موحدة تمتلك آليات العنف بلاشريك ، رحم  الله  الحقانى لقد كان كزرقاء اليمامة لسماحته وحكمته  وعمقه وسعته ، لأنه لم يحضر زمن إنقلاب المشهد  الذى فيه أصبحت قيادة القوات المسلحة وجنرالاتها هي التى تستفز القوى المدنية  عند شروق صباح  كل يوم وما سنحت لها فرصة أمام مكبرات الصوت لإزدراء مكونات القوى المدنية من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدنى وتكوينات قوى الثورة، ليؤكدوا وصايتهم على الفضاء المدنى ويطالبوه بالخضوع المذل لرغباتهم  فى السلطة والإقتصاد ، والإصطفاف أمام أبوابهم  لإنتظار العطايا والهبات (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق) من كيكة السلطة التى يتوهمون إحتكارها.

(٢)

لقد صار  الجنرالات الفاشلين فى واجباتهم الدستورية لحماية البلاد وشعبها وصيانه عِرضه وحقن دمه وممتلكاته والحفاظ على مقدراته ، جنرالات النكسة بإمتياز (عجوبة الخربت سوبا)، الذين دمروا عاصمة البلاد القومية وخرجوا منها خروج السهم من الرمية إلى ضفاف البحر الأحمر كعاصمة بديلة تاركين خلفهم شعب محتار هل يستسلم لمن يسيطر على الأرض أو يقاومه ويقوم  بدور من فشلوا فى واجب  حمايتهم من قوات مسلحة وأجهزة أمنية مُحترفه  تلك التى أٌخرجت  بالقوة من كل مقراتها الرئيسية فى  القيادة العامة وقيادة الأسلحة الإستراتيجية فى العاصمة ولم يبقى تحت سيطرتهم غير  سلاح المهندسين والإشارة وقاعدة وادى سيدنا ، كما تم السيطرة على المؤسسات السيادية من القصر الجمهورى والمطار الرئيسى والوزارات المدنية وإبعادهم بالقوة عنها.

كما تركوا حدود البلاد مرغمين مع  كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجزء كبير من حدودنا مع دولة جنوب السودان،  وتركوا مواطنى أغلب الأقاليم خارج حكمهم   ، ولايات دارفور الخمسة بالإضافة لأغلب محليات غرب كردفان وجنوبها وشمالها ومعظم العاصمة القومية عدا محلية كررى ، كل ولاية الجزيرة وعاصمتها مدنى عدا محلية واحده (المناقل ) ومناوشات على تخوم ولايتى القضارف وسنار وجزء مقدر من ولاية النيل الأبيض بما يقدر بمساحة ٦٠% من البلاد و٣٥ مليون نسمة  وفقاً  لآخر إحصاء سكانى.

(٣)

رغم هذا المشهد المزلزل والفضيحة المجلجلة لم يترك جنرالات النكسة فرصة أمام ميكرفون للإساءة للقوى المدنية وجريمتها لديهم رفضها الإصطفاف معهم فى حربهم العبثية  والمطالبة بالوقف الفورى لها من خلال حل متفاوض عليه يحقق وقف إطلاق النار  ويفتح الممرات الأمنه لتوصيل المساعدات الإنسانية والشروع فى ترتيبات أمنية توقف كل مظاهر الحرب وتنتهى لعملية سياسية تسلم فيها السلطة للمدنيين ويعود الجيش للثكنات ويخرج من السياسة والإقتصاد  ، لما كانت طموحات الجنرالات للحكم والثروة لم تنقطع صبو جام غضبهم على القوى المدنية وهم يمنون أنفسهم بكسب المعركة بقطع الوعود المهدرة بإستعادة السيطرة وطرد العدو فى حرب تجاوز مداها العام الكامل والشعب ينتظر التحرير والجنرالات مشغولين فى متاهتهم بتقسيم سلطة لحم “القرنتى” الذى لايزال من رأسه إلى ذنبه داخل الماء مجهول المكان ، ولحمه يقسم عبر مكبرات الصوت للمتطلعين لشهوة السلطة والثروة والجاه ولعق أحذية العسكر وهم يتحلقون حول  الجنرالات تحلق بخلاء الجاحظ حول قِدر المرق الذى يمسك كل واحد منهم بطرف خيط لحمه داخله (مجموعات  عبدو مشتاق)، لقد أطل علينا الفريق البرهان فى العيد من  إحد  قرى القضارف يتوعد بإستمرار الحرب وهزيمة العدو   وملاحقة المدنيين وحرمانهم من السلطة وتقديمهم للمحاكمات ، وأنه سيؤسس حكم بعد عمر مديد من الحرب للموالين من المدنيين  والمحاربين والمستنفرين ويجلس بنفسه على قيادة غرفة السيطرة والتحكم ورأس السيادة فيه وزعم الفرزدق أن سيقتل مَربَعًا    أبشر بطول سلامة يا مَربَع ، في ذات السياق يخرج شريكه الفريق ياسر العطا محرر أمدرمان حارة حارة وزنقة زنقة وعمارة عمارة  تحرير بالإبره ، ليعزف على ذات النغمة ويعلن حرمان قوى الثورة والقوى المدنية من ميراث السلطة ويعلن ضرورة ملاحقتهم بالخيانة العظمى وإعتقالهم ووضعهم فى السجون وتستجيب مخابرات القوات المسلحة المختطفة لصالح الحزب المحلول بشن حملة إعتقالات واسعة فى مواقع سيطرتها فى الدمازين وسنار والقضارف والولايات الشمالية ، حتى الفريق الكباشى الذى رحبنا  بتصريحاته السابقة إنقلب عليها فى معايدته بمدينة كوستى مؤكداً على (بلبسته) ودعمه للمجهود الحربى ولاذكر للسلام فى خطابه ، لقد أمعن جنرالات النكسة السير فى عمق الخية والمتاهة، وتركوا واجباتهم الدستورية منشغلين بغنائم السلطة توزيع من لا يملك لمن لايستحق ، يستحوذ عليهم حلم السيطرة على السلطة وقطع الطريق على كل من يطالب بخروجهم منها من المدنيين.

(٤)

لقد كنا نقول أن قيادة الدعم السريع تحمل خطاب سياسى جانح للسلم فى كل المناسبات السابقة، كانت تؤكد على إستعدادها لقبول التفاوض والجلوس للحلول  لوقف العدائيات وفتح الممرات الآمنة لتوصيل الإغاثات ، ولكن خطاب الفريق حميدتى الأخير للمعايدة تلبسته عدوى زملاؤه جنرالات القوات المسلحة (داء البلبسة) فقد أعلن فى خطابه بمناسبة العيد أمس أنه قد لبس الدرع كاملة لمزيد من الحرب والقتال بطول البلاد وعرضها، حتى هزيمة آخر جندى فى القوات المسلحة ، مما يعتبر رِدة عن خطابات قائد الدعم السريع السابقة التى تقدم السلام والتفاوض على التصعيد الحربى ، هذه الحرب اللعينة مع تطورها الجديد  بدخول المسيرات لدى طرفيها مرشحة أن لا تترك مكان آمن فى البلاد بعد هجوم المسيرات فى الشمالية والفاو والقضارف وغداً فى معسكرات كسلا والدمازين ومطار بورتسودان رئة العاصمة البديلة حيث لاينفع الندم ، كل فرصة سلام مهدرة اليوم لن تعود بذات شروطها غداً ، فرص السلام كالبحر الجارى لن تشرب من ذات المياه مرتين.

(٥)

السؤال المركزى من هذه الشواهد والمتابعة  هل سيترك الفريق البرهان وزملاؤه  من الجنرالات السلطة للمدنيين تطوعاً وبالتفاوض كما وعد وفق بيان ٤ يوليو ٢٠٢٢ ، ويلتزمون الخروج من السلطة والإقتصاد والتفرغ للعسكرية المهنية أم أن البيان  مناورة لكسب الوقت ؟؟  وكذلك السؤال لجهة الدعم السريع بعد هذه الحرب الضروس والتضحيات الجسام التى تكبدتها قواتهم

هل سيوافقون على الخروج من مولد السلطة والثروة بلا حمص (أصبعاً ملحوس) ، ويعودوا إلى ثكناتهم لإنتظار الترتيبات الأمنية؟؟؟ يقول الباحثون أن الأسئلة الصحيحة نصف الطريق للحلول الصحيحة ، لنعرف نوايا الجنرالات  لتستعد القوى المدنية وقوى الثورة  لمعركتهم الحقيقية والفاصلة..

(٦)

إستمعنا لفيديو مسجل فى الوسائط وحِكمة ديكتاتور سابق قائلاً  من يترك الحكم لغيره سلمياً وتطوعاً  غبى  القائل المخلوع عمر البشير لأمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة كما ذكر الشيخ حمد بن جبر رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق فى مقابلة تلفزيونية مبذولة على اليوتيوب  ، والناصح هو  القائد السابق للجنرالين وصانعهم تحت ناظريه الفريق البرهان والفريق حميدتى ، هذا القول يؤكد معرفة الله لطبيعة  بعض خلقه فى السلطة ، فأنزل القرآن بكلمة ( ينزع المُلك ) لم يقل الله يسلم أو يزيح أو يتفاوض  ذكر الله أن الملك ينزع نزعاً  مثل خروج الروح والخالق أعلم بطبيعة خلقه  فى أمر يخلوا من المثالية ،  لذلك نقول لمن ينتظرون أن يسلم الفريق البرهان وزملاؤه السلطة للمدنيين بالتسوية السياسية  و دون تجهيز وسائل النزع سينتظرون طويلاً  عودة جودو   لصمويل بيكيت ، جودو الذى لن يعود.

من يريدون الحكم المدنى عليهم بتدبير أسباب نزع السلطة نزعاً  بشحذ الهمم وبإرادة شعبية عاتية غالبة القدرة عدالة العوج لتحدي الصعاب  ، واسباب النصر من مظاهرات وإضرابات وضغوط داخلية وخارجية كبيرة ليست من بينها (المداهنة أو التسوية ) علينا أن نعلم أن خروج الجيش من السياسة والإقتصاد  فى السودان هدف دونه خرت القتاد وهو مطلوب عصى تحيط به تحديات  وتصطف حوله إرادة مراوغة تعشق الشمولية وتكره المدنية وحكم الشعب ، إخراج العسكر ليست نزهة بل واجب شاق يحتاج لإستعداد وتصميم ونضال وحركة جماهيرية واعية بمهامها النضالية ،وكيفية تصعيد أدواتها للمواجهة.

(٧)

السلطة المصنوعة بالعطايا التى يتطلع لها جنرالات النكسة فى متاهتهم لتقنين حكم الملايش ووكلاء التسلط من المدنيين الذين إستبدت بهم الاشواق للسلطة والثروة بمسياتهم المخاتلة ، ليست فى مقدورها الصمود أمام الرفض الشعبى ، وليست بمقدورها تقديم حلول لقضايا وأزمات الواقع الموضوعية ، من إعادة تعمير وعودة الحياة المدنية لطبيعتها ، ولن تجد السلطة المصنوعة من الموالين للعسكر  المتجاوزة للقوى المدنية و  صناعة قوى   مدنية مزيفة متحكم فيها   لن تجد أى تأييد وقبول وطنى وإقليمى أو دولى وتعاون مع دول العالم ومؤسسات التمويل العالمية ، وستعيش فى عزلة تيسر على قوى ثورة ديسمبر المجيدة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدنى ولجان مقاومة مهمة الخروج السلمى عليها فى الموجة الثورية الثانية وهزيمتها وإستعادة المبادرة الثورية والإنتقال المدنى الديمقراطى وتأسيس سلطة الشعب من القاعدة للقمة ، من خلال تغيير جذرى كامل فى بنية الدولة ، يقتلع جذور الأزمات التاريخية ويقطع مع الماضى ، ويؤسس لسودان عريض ديمقراطى يقوم على الوحدة والديمقراطية والسلام والمواطنة المتساوية القانونية والإجتماعية.

ختامة

لقد خبرنا خلال أربعة أعوام الماضية كل أحابيل ومناورات  جنرالات النكسة  فى متاهتهم للحفاظ على السلطة ، والإصرار على عدم الخروج من السياسة والإقتصاد،  يساعدهم تيار من المدنيين الموالين لحكم العسكر ربائب الشموليات السابقة، لن يفلح سعيهم ولن يرهبوا القوة المدنية التى يحدث تاريخها الطويل عن انها لا تتهيب المعارك والاستعدادها لتقديم المزيد من التضحيات من خلال النضال السلمى المجرب حتى يتحقق الهدف الرئيسى بحكم مدنى كامل الدسم لا مكان فيه لجنرال فى السياسة أو الإقتصاد وليتفرغوا لمهامهم المدنية الإحترافية وفق الدستور والقانون.

 الفجر المرق ما بتمنعو الدبَّابه

 الصبح إن شرق ما أظن تعيقو سحابه   

 راجين النَّبيح يرعب أسود الغابه

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *