جدل واسع حول امتحانات الشهادة الثانوية السودانية : هل تعكس التمييز الاجتماعي؟
قبل حوالي أربعة أسابيع من بدء امتحانات الشهادة الثانوية السودانية، قُتل معلم خلال قصف متبادل بين الأطراف المتحاربة في السودان، بينما كان يحاول تنظيم عملية إجلاء عدد من طلابه الراسبين الذين علقوا في مناطق النزاع بجنوب الخرطوم.
وقد أثار هذا الحادث مخاوف كبيرة بشأن سلامة الطلاب الذين من المتوقع أن يجتازوا الامتحانات في الثامن والعشرين من ديسمبر. أثار المراقبون أسئلة حول مدى عدالة تلك الامتحانات، حيث تُشير التقديرات إلى أن حوالي 400 ألف طالب من بين 600 ألف لن يستطيعوا تقديم الامتحانات نتيجة للحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023، التي أدت إلى تدهور الأوضاع التعليمية لملايين الطلاب.
بينما أكدت وزارة التربية والتعليم السودانية أنها اتخذت جميع التدابير الضرورية لضمان نجاح الامتحانات، اعتبرت مجالس محلية في مناطق الصراع أن إجراء الامتحانات دون تمكين جميع الطلاب من المشاركة يعد نوعاً من التمييز الذي يهدد تماسك البلاد.
وأفادت تقارير أيضًا بأن العديد من الطلاب الذين حاولوا المشاركة في الامتحانات في مناطق آمنة تعرضوا للاعتقال بموجب قانون “الوجوه الغريبة”. من جانبها، أرت اللجنة المعنية بالمعلمين في السودان أن إجراء الامتحانات بدون الالتزام بشروط الشمول والعدالة قد يؤدي إلى تفكيك البلاد وتهديد تماسك نسيجها الاجتماعي. جدل كبير تفاوتت الآراء بشأن صحة وعدالة تنظيم الامتحانات في الظروف الراهنة. أكدت اللجنة العليا لإدارة الامتحانات الخاصة بوزارة التربية والتعليم في بورتسودان، الانتهاء من جميع الترتيبات والاستعدادات اللازمة لتنظيم الامتحانات.
أفاد وكيل الوزارة أحمد الخليفة عمر بأن الوزارة تشعر بالطمأنينة بالكامل، وأشار إلى إنشاء مراكز طوارئ في بعض المدن لاستقبال الطلاب الذين لم يتمكنوا من التسجيل نتيجة ظروف الحرب. وأكد أن هذه المراكز جاهزة لاستقبال الطلاب المتأخرين حتى قبل يوم واحد من موعد الامتحانات ليتيح لهم الفرصة للمشاركة في الامتحان. وأضاف أن الوزارة قد وافقت على السماح للطلاب الذين لم يتمكنوا من حضور هذا الامتحان بالجلوس له في الموعد القادم في مارس من عام 2025، أي بعد ثلاثة أشهر من الامتحان الحالي.
لكن لجنة المعلمين السودانيين، أصدرت تحذيراً بشأن هذه الخطوة، حيث ذكرت في بيان لها: “إن طلاب دارفور كافة الذين لم يغادروا ولاياتهم، بالإضافة إلى طلاب ولاية الجزيرة وأغلب طلاب ولاية الخرطوم، لن يستطيعوا أداء امتحانات الشهادة إلا من خلال الانتقال إلى ولايات تسيطر عليها القوات المسلحة، وهو ما يمثل رحلة مليئة بالمخاطر”. وأضاف البيان: “تواصل التعليم دون الالتزام بشروط الشمولية والعدالة يسهم في تفتيت البلاد وتدمير نسيجها الاجتماعي”. وفقًا للبيان، فإن التمسك بإجراء الامتحانات في الظروف الحالية يعتبر التعليم كأحد “أسلحة الحرب، وأداة لمعاقبة الطلاب وأولياء أمورهم على البقاء في ولاياتهم”.
طالبت اللجنة بتوفير الظروف الملائمة لتمكين جميع الطلاب من الجلوس للامتحانات من خلال إعلان وقف إطلاق النار خلال فترة الامتحانات، والالتزام بمبدأ الانصاف والشمول. قال المتحدث الرسمي باسم لجنة المعلمين سامي الباقر لموقع “سكاي نيوز عربية”: “السبيل الوحيد لضمان سلامة الطلاب وتحقيق العدالة هو إعلان وقف لإطلاق النار خلال فترة الامتحانات.. أرى أن الوضع الأمني في ظل استمرار الحرب غير مستقر”.
وألقى الباقر باللوم على الحكومة الحالية في أي مخاطر قد تتعرض لها الطلاب أو المعلمين المشرفين على الامتحانات. مخاوف على سلامة الممتحنين تتوسع المواجهات حالياً لتشمل حوالي 70% من أراضي البلاد، بما في ذلك المناطق التي كانت تاريخياً تُعتبر من المراكز الرئيسية في امتحانات الشهادة الثانوية، مثل العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وإقليم دارفور. وتظهر البيانات أن حصة هذه المناطق من إجمالي الطلبة الذين يجلسون للامتحانات في السنوات السابقة كانت تتجاوز 60% من مجموع الجالسين سنوياً. تتعرض مناطق أخرى في النيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق وكردفان لأوضاع أمنية حرجة، مما يصعب إقامة الامتحانات هناك بشكل كبير. من بين 18 ولاية في السودان، تستمر الدراسة حاليا بشكل شبه منتظم فقط في 5 ولايات وهي الشمالية، ونهر النيل، والبحر الأحمر، والقضارف، وكسلا.
ومع ذلك، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة هجمات على عدة مدن في تلك الولايات، خاصة في عطبرة، ومروي، وشندي، مما يثير القلق بشأن سلامة الطلاب الممتحنين. عقبات أمنية ولوجيستية في ظل عقبات أمنية ولوجستية معقدة، يواجه مئات الآلاف من الطلاب تحديات كبيرة في الوصول إلى المناطق المخصصة لإجراء الامتحانات، حيث يبعد بعضها عن أماكن سكنهم لأكثر من ألف كيلومتر، وتحيط بها مناطق قتال عنيفة ونقاط تفتيش.
وقد أبلغت التقارير عن ممارسات عنصرية خطيرة تتعرض لها الأشخاص المارين عبر تلك المناطق. خلال الأسابيع الأخيرة، تم القبض على مجموعة من الطلاب الذين بذلوا جهوداً للوصول إلى مراكز الامتحانات بعد قطعهم مئات الكيلومترات، وقد صدرت أحكام بالإعدام على بعضهم بينما حكم على آخرين بالسجن. تحدثت التقارير عن اعتقال الطالب عمر عبدالهادي والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات في إحدى المحاكم في الولاية الشمالية، بعد أن تم توقيفه عندما كان عائداً من غرب كردفان للتسجيل في الامتحانات.
قال شقيق عبدالهادي على صفحته في فيسبوك إن أخاه تم اعتقاله في أكتوبر بتهمة الانتماء إلى أحد أطراف القتال، وتم فتح بلاغات وتوجيه تهم له بموجب مواد التمرد على الدولة. وأوضح قائلاً: “لا علاقة لأخي البالغ من العمر 19 عامًا بأي جهة… طلبوا منا مستندات رسمية وأرسلناها إلى المحكمة، وكلها تثبت عدم وجود علاقة له بأي طرف، لكن في النهاية حكموا عليه بالسجن 5 سنوات”. في هذا السياق، قامت مجالس تربوية في دارفور برفض نقل الطلاب الذين يجرون الامتحانات خارج الولاية، وذلك تمسكًا منها بحق الطلاب في أداء الامتحانات في مناطقهم بالرغم من الظروف الأمنية والاقتصادية الحالية.
قال المجلس التعليمي في جنوب دارفور: “لا يمكن التلاعب بمستقبل الطلاب وتعليمهم من أجل الألاعيب السياسية، مما يحرم شريحة كبيرة من أبناء السودان من حقهم في التعليم”.
المصدر: صحيفة الراكوبة