
تشهد الساحة السودانية منذ مطلع عام 2025 نقاشًا واسعًا حول مزاعم التلوث الكيميائي والإشعاعي في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، وسط تضارب واضح في المواقف الرسمية، وتصاعد تقارير محلية ودولية تنبه إلى احتمالية وقوع أضرار صحية وبيئية خطيرة.
التغيير ـــ وكالات
و أصدر المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بيانًا أكدت فيه الأمينة العامة الدكتورة منى علي محمد، أن ولاية الخرطوم تعرضت لتلوث كيميائي نتيجة قصف قوات الدعم السريع لمناطق صناعية. وأوضحت أن وجود المواد الكيميائية في كثير من المنتجات يجعلها قابلة للتسرب والتسبب في أضرار متفاوتة، مشددة على ضرورة تكثيف حملات التوعية على المستويات كافة لمواجهة هذه المخاطر.
في المقابل، أصدرت وزارة الصحة الاتحادية بيانًا نفت فيه بشكل قاطع وجود أي تلوث كيميائي أو إشعاعي بالعاصمة. وأشارت إلى أن القياسات الميدانية والفحوصات العلمية التي أجرتها الجهات الوطنية المختصة، باستخدام أجهزة معتمدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لم تسجل أي مستويات خطرة.
وقطعت الوزارة بأن الوضع العام لا يشكل تهديدًا على الصحة العامة، ووصفت الأنباء المتداولة بأنها “ادعاءات غير مثبتة علميًا”.
وعلى أرض الواقع، تداول السكان صورًا وتقارير تثير المقلق: في شمال دارفور، فقد سُجلت جثث محترقة وخزانات مياه تغير لونها إلى الوردي، وربط السكان هذه الظواهر بهجمات جوية يُحتمل احتواؤها مواد سامة. وفي شرق الخرطوم، أشار أهالي المنطقة إلى إصابات مرتبطة بتسرب مادة الكلور من أحد المخازن، رغم أن تحقيقًا مشتركًا بين جهاز المخابرات ووزارة الصحة أقر بانعدام أي تهديد بيئي أو صحي.
إوشهدت منطقة جبل موية بوسط السودان (قرب سنار) ظهور أمراض غريبة، مع نفوق أعداد كبيرة من القوارض.
واعتبر مختصون أن ذلك مؤشر محتمل على وجود مواد سامة أو تغيرات بيئية خطيرة.
وتأتي ولاية الجزيرة كأحدث بؤرة للقلق البيئي، حيث شهدت ظاهرة نفوق كميات كبيرة من الفئران في أرجاء المشروع الزراعي.
واستجابت السلطات عبر إعلان والي الجزيرة تشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة مدير وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية، تضم ممثلين من وزارة الصحة، وجامعة الجزيرة، والهيئة القومية للبحوث الزراعية، لرصد أسباب الظاهرة وتأثيراتها على الإنسان والبيئة. بينما أشار سكان إلى أن السبب قد يكون ناتجًا عن استعمال مبيدات سامة أو مخلفات الحرب، أو حتى تلوث في التربة.
المستوى الدولي
أما على المستوى الدولي، فقد أعلنت الولايات المتحدة في مايو 2025 عن امتلاكها “أدلة حقيقية” على استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال النزاع المستمر، ودفعت هذه التلميحات بتوصيات بضرورة إجراء تحقيق مستقل، خشية أن يؤدي الإنكار إلى كارثة إنسانية متسعة النطاق.
ويؤكد القانون الدولي، وفق بروتوكول جنيف 1925 واتفاقية 1993، أن استخدام الأسلحة الكيميائية محظور تمامًا. ويشير خبراء إلى أن استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين يُعد جريمة ضد الإنسانية (المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، وربما يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية في حال كانت النية تدمير مجموعة قومية أو دينية (المادة 6). وقد حذّر المستشار القانوني الأممي السابق إسماعيل مضوي من أن أي طرف يلجأ إلى استخدام “الكيماوي” يعرّض نفسه مباشرة للمساءلة الدولية، ويحوّل النزاع إلى قضية أمن عالمي.
وبين هذا التباين في الأدلة الرسمية، ومؤشرات الحوادث البيئية مثل ظاهرة نفوق الفئران في الجزيرة، تنامت الدعوت لتحقيق دولي محايد يكشف الحقيقة ويضمن حماية المدنيين والبيئة.
المصدر: صحيفة التغيير