جامعات السودان ثكنات في حرب الجنرالين
قوبلت الدعوات التي أطلقتها منظمتا “يونيسف” و”إنقاذ الطفولة” للسلطات السودانية والمجتمع الدولي، من أجل توفير الموارد اللازمة لمواصلة التعليم، بإقفال الآذان، ما حال دون عودة أطفال السودان إلى مدارسهم، وتركهم لأقدارهم، وإلى كمّ هائل من المخاطر التي تتهدد حياتهم ومستقبلهم. فالسلطتان العسكريتان المتقاتلتان لم يعنهما النداء، والمجتمع الدولي لم يجد نفسه مسؤولاً عن مصيرهم.
لكن تأثيرات الحرب على أمن وسلامة الأطفال تتعداهم إلى من هم في عمر الشباب، ونعني بهم طلاب الجامعات السودانية الذين لم يكن حالهم أفضل من حال إخوتهم الصغار، فالمباني الجامعية، بما فيها المستشفيات الأكاديمية، تحولت إلى ثكنات أو مواقع عسكرية، أو في أحسن الأحوال إلى ملاجئ للنازحين الذين استقروا فيها، مع ما يرافق ذلك من عبث بوثائقها ومحتوياتها.
وذكرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي السودانية أنه “منذ تفجّر الاشتباكات (بين الجيش وقوات الدعم السريع) طاول التخريب كل مؤسسات التعليم العالي بولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى”، وأضافت أن تداعيات القتال أثرت على 104 من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة، والمراكز البحثية، والصندوق القومي لرعاية الطلاب. كما تضررت الوزارة باشتعال النار في عدد من طوابقها، واحتراق عدد كبير من المكاتب، وأن الأضرار “شملت البنى التحتية في الجامعات من معامل وورش ومكتبات وقاعات ومكاتب إدارية حرقاً ونهباً وتكسيراً” وتحدثت عن “استهداف ممنهج لممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات”.
وتواترت أنباء عن نية الحكومة تعطيل العام الدراسي 20232024، في ظل عدم صرف رواتب المعلمين والأساتذة، وتحول المدارس إلى دور إيواء للنازحين الفارين من نيران الحرب.
وانطلقت أعمال عسكرية من المباني التي شغلها مسلحون، فقطعت الطرق، وعطلت المواصلات، واستحال الوصول من وإلى مباني الكليات. كانت هذه هي البداية، ثم تبعها النزوح، إذ غادر الملايين أماكن إقامتهم الأصلية، واتجهوا نحو مناطق أكثر أمناً، وابتعدت بالتالي عن أماكن الدراسة في المعاهد والكليات.
وخلافاً لما كان عليه الوضع لدى انتشار وباء كورونا، لم تنفع في هذه الأوضاع السائدة الدراسة عن بُعد، أو ما يماثلها من حلول، فقد كان التخلخل المجتمعي من القوة بمكان بحيث تعذّر معه أي من أشكال التعويض الدراسي، والطلاب والأساتذة على حد سواء طاولهم التشتت والابتعاد عن المدن التي تضم مؤسسات التعليم العالي، سواء الخاصة أو الرسمية، كونها باتت مناطق نزاع وتوتر.
مغادرة المقعد الدراسي في ظروف كالتي يجتازها السودان يعني قذف نحو 600 ألف طالب في مختلف الكليات إلى ظروف لا ترحم، فالمؤكد أن الوثائق الجامعية فقدت في عشرات الجامعات والمعاهد، وإعادة تكوينها يبدو شبه متعذر، وقد يصعب تعويضه في حال عودة الهدوء إلى البلاد.
والجانب الموازي أن معظم مؤسسات التعليم العالي لم تتمكن من إنهاء العام الجامعي 20222023، فقبل موعد الامتحانات أعلنت وزارة التعليم العالي إقفال الجامعات إلى أجل غير مسمى، ولم يحصل الأساتذة على أجورهم، ما دفع الآلاف منهم إلى مغادرة البلاد للعثور على فرصة عمل، ومن لم يجد فرصة في الخارج بحث عن عمل لتأمين قوت عائلته.
(زهير هواري ـ باحث وأكاديمي)ـ العربي الجديد
المصدر: صحيفة الراكوبة