اخبار السودان

ثورة ديسمبر عميقة الجذور رغم الحرب

ثورة ديسمبر عميقة الجذور رغم الحرب

تاج السر عثمان بابو

1

كانت وما زالت ثورة ديسمبر عميقة الجذور رغم تكالب الأعداء في الداخل والمحاور الإقليمية والخارجية عليها.. بداية بانقلاب اللجنة الأمنية ومجزرة فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد للحرب اللعينة..

بهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال الذي نشر في الصحف الورقية والإلكترونية بتاريخ 5 مايو 2019 بعنوان “لابديل غير الحكم المدني” إبان الموجة العاتية للثورة والاعتصام في محيط القيادة العامة الذي يعكس الجذور العميقة للثورة التي لن تذر وها رياح الحرب اللعينة الجارية الان..

2

طبيعة الصراع الدائر الآن تتبلور في حكم مدني ديمقراطي انتقالي أو القبول بالانقلاب العسكري والتعامل معه كأمر واقع.

انقلاب القصر الذي قامت به اللجنة الأمنية لنظام المخلوع البشير، يظل انقلاباً، مهما أضفنا له عناصر مدنية قل أو كثر عددها. ومعلوم أن هناك قوى داخلية وإقليمية ودولية تعمل على استمرار المجلس العسكري، مع تغيير شكلي يبقي على مصالحها، وتعمل على عرقلة الانتقال لحكم مدني ديمقراطي، الذي بنجاحه سيكون نموذجاً في المنطقتين العربية والأفريقية، ينتشر عدواه في المنطقة، وهذا ما تخشاه القوى الظلامية في المنطقة.

لم يجد الانقلاب العسكري أي تجاوب أو دعم، رغم الجهد الذي بذلته دول “مصر السعودية الإمارات” في استمرار مجلس الانقلاب مثل ما فعل الرئيس المصري السيسي الذي عمل على مد مهلة الاتحاد الافريقي من 15 يوم بعدها يتم تعليق عضوية السودان في الاتحاد إلى 3 شهور، تم تخفيضها أخيراً إلى شهرين، وكذلك دعم السعودية والإمارات للنظام العسكري بمبلغ 3 مليار دولار لضمان استمرار النظام وبقاء القوات السودانية في اليمن، وغير ذلك من ضغوط القوى الإقليمية والدولية لضمان استمرار المجلس العسكري في السلطة، وإشراك قوى “الهبوط الناعم” في النظام، بالتالي، يتم تحويل طبيعة الثورة من تغيير جذري للنظام السابق إلى مصالحة بإشراك القوى التي كانت دائرة في فلك المؤتمر الوطني، يتم فيها إعادة إنتاج النظام الفاسد الذي فرط في السيادة الوطنية.

كان رد الجماهير في موقع الاعتصام وشعاراتها “لا نريد الدعم من السعودية حتى لو أكلنا فول وفلافل”، ومظاهرات الجماهير أمام السفارة المصرية “يا السيسي ده السودان، انت حدودك أسوان”، إضافة للشعارات في ميدان الاعتصام “حلايب وشلاتين والفشقة سودانية”، وكذلك شعارات سحب القوات السودانية من اليمن، وعدم التورط في حرب لا ناقة فيها لشعب السودان ولا جمل، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إضافة للشعارات التي تعبر عن الإصرار لهزيمة الانقلاب العسكري، مثل شعار “مدنية.. مدنية أو ثورة أبدية”.

لا شك أن ذلك عبر عن أن الثورة السودانية هي ثورة السيادة الوطنية، وعدم التفريط في أي شبر من أراضي الوطن، ورفض استمرار الحلقة الشريرة التي عانت منها البلاد لأكثر من 63 عاماً، التي كانت نصيب الانقلابات العسكرية منها 52 عاماً، كانت حصيلتها تدمير وتخلف البلاد الذي وصل قمته في الثلاثين عاماً في انقلاب الإسلامويين الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، حتى جاءتهم الطامة الكبرى في ثورة ديسمبر 2018 التى هزت أركانهم، وما زالت المعركة مستمرة لاقتلاع النظام الفاسد وبقاياه من جذوره، وهذا شرط مهم لاستدامة الديمقراطية والخروج من الحلقة الشريرة.

كل ذلك يشير إلى أن قضايا شعب السودان الثورة الديمقراطية في المركز والهامش التي طرحتها الجماهير بعد الاستقلال وثورة أكتوبر 1964، ما زالت باقية في انتظار الحل، وهي قضايا التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة ووقف الحرب وحل كل الظلامات والمآسي التي عمقها النظام الإسلاموي الفاشي، برجوع النازحين إلى أراضيهم، ومحاسبة الذين شاركوا في جرائم الإبادة الجماعية، وإعادة تأهيل تلك المناطق بتوفير خدمات التعليم والصحة، والعناية البيطرية، ووصول الإغاثة، والتعويض عن الخسائر، بالتالي مهم تضمين قضايا أبناء الهامش في ميثاق “الحرية والتغيير”، وإشراك رموزهم في التفاوض وفي السلطات السيادية والتشريعية والتنفيذية.

واضح أن هناك دوائر محلية وإقليمية ترغب في “الهبوط الناعم” الذي يحدث تغييرات شكلية، ويجهض الثورة ويفرغها من محتواها، مما يعيد إنتاج الأزمة بشكل أعمق من السابق، وذلك باستمرار مجلس الانقلاب العسكري الذي هو امتداد للنظام السابق، ولن يسلم السلطة للقوى المدنية حتى بعد عامين، ويظل يراوغ ويناور في المفاوضات التي ما كانت يجب أن تطول بهذا الشكل، في حين أنها كانت حول تسليم السلطة للقوى المدنية ممثلة في قوى “الحرية والتغيير”، مع الأخذ في الاعتبار مشاركة أبناء الهامش والقوى الجديدة التي لم تشارك في النظام السابق، ووقعت على ميثاق قوى “الحرية والتغيير” متأخرة، إضافة لهجوم المجلس العسكرى على قوى “الحرية التغيير” باعتبارها لا تمثل شعب السودان، وهجوم الإسلامويين الفاسدين عليها، بالحديث الذي تجاوزه الزمن عن أنهم “شيوعيون وعلمانيون. وأنهم ضد الشريعة.. إلخ”، والاعتراض على الفترة الانتقالية بأربع سنوات علماً بأنهم حكموا لمدة ثلاثين عاماً باسم الشريعة، وكانت النتيجة خراب ودمار وفساد غير مسبوق، إضافة إلى تهديد المجلس بفض الاعتصام.. إلخ.

هناك من يتحدث عن خطر انقلاب قادم، في حين أن الخطر المباشر هو انقلاب المجلس العسكري الراهن، الذي باستمراره سوف يكون وبالاً على البلاد، وهناك من يتحدث عن إنجازات حققها المجلس، وعليه يجب الاعتراف به وتقاسم السلطة معه سواء أكان ذلك من قوى “الهبوط الناعم”، أو الإسلامويون وغيرهم من الأحزاب التي شاركت في حكومات النظام السابق.

لكن الواقع يقول إنه حتى الآن مازالت رموز النظام السابق موجودة في الوزارات والخارجية والإعلام والقضاء والنائب العام وفي البنوك والشركات. إلخ، إضافة لعدم هيكلة جهاز الأمن وتصفية كل مؤسساته وشركاته وعقاراته وسجونه وتسليم كل أسلحته وعتاده الحربي للجيش، بحيث يكون تابعاً لوزارة الداخلية، يختص بجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وإلغاء قانون الأمن، وكل القوانين المقيدة للحريات، وتصفية مليشيات الإسلامويين وتسليم أسلحتها للجيش، وعدم استيعابها في الجيش، ومحاكمة كل الفاسدين الذي نهبوا ثروات البلاد وأصولها. ورفض تدخل الدولة في النقابات بعد قرار التجميد، وأن تكون الجمعيات العمومية التي تنتخب لجانها التمهيدية هي التي تتابع شؤونها حتى إلغاء قانون نقابة المنشأة وقيام نقابة الفئة، وإصدار قانون ديمقراطي للنقابات يكفل ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.

ومن آثار استمرار النظام السابق كما جاء في الصحف، قيام السلطة القضائية بالتحقيق مع 70 قاضياً دعموا الثورة وشاركوا في موكب القضاء وطالبوا باستقلال القضاء!!.

لقد أصبحت الثورة عميقة من حيث اتساع قواها والحشود الكبيرة القادمة من الأقاليم لميدان الاعتصام، ومشاركة قوى جديدة مثل: الموظفين في البنوك والمحاسبين، والعاملين في شركات الكهرباء، وإضراب البوليس، ومواكب القضاء… إلخ، مما يشير إلى أن الجماهير ترفض المماطلة في التفاوض، وتسير قدماً نحو إسقاط انقلاب المجلس العسكري، وقيام الحكم المدني الانتقالي الديمقراطي، بما في ذلك المواصلة في الاعتصام حتى النصر، كما في شعار “سقطت ما سقطت صابنها”، والتحضير للإضراب السياسي العام لاسقاط النظام.

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *