ثورة ديسمبر باقية ومستمرة
هلال وظلال
عبد المنعم هلال
ـ في مثل هذا اليوم اندلعت الثورة السودانية المنادية بالحرية والسلام والعدالة ففي ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م وحتى ١٢ ابريل ٢٠١٩م قرابة الأربعة شهور خرج الشعب السوداني في مظاهرات شبه يومية ختمت بأكبر اعتصام في التاريخ من حيث التجمعات البشرية .
ثورة ديسمبر المجيدة التي اشتعلت شرارتها من أزقة السودان وأحيائه الفقيرة لم تكن مرتبطة بأشخاص أو أحزاب بعينها بل كانت صرخة حق في وجه الظلم والطغيان وهتافاً مدوياً من أجل الحرية والسلام والعدالة. هذه الثورة لم تكن مجرد حدث عابر في تاريخ السودان بل هي حلم جماعي يسعى نحو بناء وطن حر يحكمه أبناؤه دون قمع أو استبداد لقد كانت الثورة صرخة شبابية عارمة وحلماً جماعياً نحو سودان حر وديمقراطي يحكمه أبناؤه بوعي وعدل.
إن الثورة ليست حكراً على قوى الحرية والتغيير (قحت) أو غيرها من التحالفات السياسية وليست رهينة باسم حمدوك أو أي شخصية قيادية بل هي ثورة شعب بأكمله ثورة شبابه الذين حلموا وما زالوا يحلمون بوطن تسوده الكرامة والديمقراطية.
لقد حاول أعداء الثورة من عسكر وكيزان التآمر لإخماد جذوتها عبر الانقلابات والغدر والتحايل السياسي لكن صوت الشعب أقوى من كل المؤامرات وإرادته عصية على الانكسار. الرد الواضح لكل هؤلاء المتربصين هو لا للعسكر لا للكيزان.
منذ بداياتها تعرضت الثورة للعديد من المؤمرات من جانب العسكر أو من بعض السياسيين وذلك ببث روح اليأس في نفوس الثوار ورغم كل ذلك ظل الشعب صامداً متمسكاً بشعاراته الرافضة لأي عودة للعسكر أو الكيزان الذين دمروا السودان لعقود.
منذ أن اندلعت ثورة ديسمبر المجيدة وهي تواجه حرباً شعواء ومحاولات مستمرة لطمس معالمها والنيل من مكتسباتها وعلى رأس هذه المحاولات يأتي الهجوم الممنهج على قوى الحرية والتغيير (قحت) واغتيال شخصية قياداتها إضافة إلى الاستهداف المتواصل لرئيس الوزراء الأسبق عبدالله حمدوك وهذا الهجوم لم يكن مجرد انتقاد سياسي بل هو امتداد لحملة أوسع تهدف إلى تقويض قيم الثورة نفسها وعلى رأسها الحكم المدني الذي يمثل جوهر مطالب السودانيين.
لم يكن من السهل على قوى الحرية والتغيير وحكومة عبدالله حمدوك قيادة مرحلة انتقالية في ظل تركة ثقيلة من الفساد الاقتصادي والصراع السياسي والتحديات الأمنية.
نجح حمدوك في أن يكون رمزاً للحكم المدني وسط تعقيدات داخلية وخارجية ومثلت قحت بمكوناتها المختلفة صوت الثورة الذي حاول أن يعبّر عن تطلعات الشارع السوداني لكن عندما اقترب موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة لشخصية مدنية وفق الوثيقة الدستورية بدأ واضحاً أن بعض القوى المناهضة للمدنية لم تستطع تقبل هذه الحقيقة وكان الانقلاب العسكري الذي وقع في أكتوبر 2021م تتويجاً لمحاولات عرقلة مسار التحول الديمقراطي والانقلاب على روح ثورة ديسمبر.
الهجوم المتكرر على قحت وحمدوك لم يكن مجرد اختلاف في الرأي أو تقييم للأداء بل كان محاولة ممنهجة لاغتيال الشخصيات السياسية التي ارتبطت بالثورة وتشويه صورة الثورة وتصوير قيادات قحت على أنهم فاشلون أو مفرطون في حقوق الثورة يهدف لضرب ثقة الشارع فيهم.
طالت حمدوك حملات إعلامية وسياسية ضخمة واتهمته بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية رغم الظروف المعقدة التي واجهها من تركة النظام السابق وإن هذه الحملات ليست هجوماً على أشخاص بعينهم فحسب بل هي محاولة لضرب الثورة نفسها وإحباط القوى التي تؤمن بالمدنية والديمقراطية.
ثورة ديسمبر أكبر من الأشخاص وليست مرتبطة بشخص أو حزب أو تنظيم سياسي.
ثورة ديسمبر ولدت من رحم الشارع السوداني الذي خرج بمئات الآلاف في كل مدن السودان وهو يهتف للحرية والسلام والعدالة.
ستظل الثورة مستمرة طالما ظلت جذوتها متقدة في صدور الشباب السوداني الذي أسقط نظاماً ظل جاثماً على صدر البلاد لثلاثة عقود.
نعم ، ربما أخطأت قحت في بعض المواقف السياسية وربما لم تكن حكومة حمدوك قادرة على تلبية جميع تطلعات الشارع لكن هذا لا ينفي أن الانقضاض عليهما هو انقضاض على الثورة المدنية وعلى الحلم السوداني بدولة ديمقراطية عادلة.
ثورة ديسمبر باقية مهما حاولوا ضربها عبر اغتيال شخصياتها القيادية ومهما تمادوا في حملات التضليل والهجوم الإعلامي فإن التاريخ أثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر.
ثورة ديسمبر المجيدة ليست حدثاً عابراً بل هي مرحلة تاريخية ستظل تلهم الأجيال القادمة.
التحول المدني والديمقراطي حتمية لا يمكن تجاوزها مهما حاولوا الالتفاف عليه.
وفي النهاية نقول أن ثورة ديسمبر باقية ومستمرة وستظل جذوتها مشتعلة في قلوب السودانيين سواء بوجود قحت وحمدوك أو بدونهما فالمدنية والديمقراطية ليست خياراً يطرح على الطاولة بل هي قدر السودان ومستقبله الذي سيصل إليه بوعي شعبه وتضحيات أبنائه.
إن شاء الله بعد توقف هذه الحرب العبثية اللعينة لن يعود السودان إلى عهد الطغيان العسكري أو الاستبداد الديني الذي دمر البلاد لعقود والشعب السوداني الذي قدم الشهداء والجرحى والمفقودين لن يقبل بأقل من حكم مدني كامل يحقق تطلعاته المشروعة.
الثورة مستمرة والشوارع باقية تضج بالهتافات حتى يتحقق الحلم والشعب السوداني لم ولن يستسلم ولن يقبل بأن تسرق تضحياته.
ثورة ديسمبر ليست مجرد ذكرى إنها نبض حي في قلوب السودانيين ووعد لا يخلفونه لأنفسهم ولأجيالهم القادمة.
فلنمضِ معاً بلا خوف أو تردد نحو سودان جديد مدني وديمقراطي يعيش فيه الجميع بحرية وسلام وعدالة.
المجد للشهداء … والحرية للوطن.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة