اخبار السودان

ثورة ديسمبر المجيدة شعلة في طريق السلام والحرية

 

ثورة ديسمبر المجيدة شعلة في طريق السلام والحرية؛

فتحي محمد عبده

13 ديسمبر 2024

 

تمر علينا في هذه الأيام واحدة من أعظم ذكرياتنا، ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، التي جسدت أروع معاني التضحية والإصرار على الحرية والكرامة الإنسانية والسلام. إنها ثورة الشعب السوداني ضد الظلم والاستبداد، الثورة التي أظهرت شجاعة لا نظير لها وإيمانًا راسخًا بالتغيير. هذه الذكرى ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي لحظة حية نابضة في وجدان كل سوداني حر، ومحطة تستحق أن نتوقف عندها بكل فخر وإجلال كأبناء وبنات ديسمبر.

 

إحياء ذكرى الثورة: فعل نضالي ومسؤولية مستمرة:

 

تمر علينا هذه الذكرى وشعبنا ورفاقنا الثوار يرزحون تحت وطأة حرب دموية ذاقوا فيها كل صنوف القتل والتنكيل، وأصبحوا مشردين بين نازحين داخليًا ولاجئين في أصقاع الأرض. الحرب التي أشعلها أعداء الثورة بهدف وأدها، ولذلك فإن إحياء ذكرى ثورة ديسمبر يجب ألا يكون مجرد واجب تاريخي، بل هو فعل نضالي يعيد للذاكرة الوطنية أمجاد التضحية التي سطرها الشهداء بدمائهم الزكية. لقد أذهل شباب وشابات السودان العالم بقدرتهم على قيادة ثورة سلمية ضد أعتى الأنظمة الدكتاتورية، مؤكدين أن إرادة الشعوب لا تُقهر مهما اشتدت آلة القمع والقتل.

وعلينا أن نعمل على أن يكون إحياء هذه الذكرى برسائل ووعي يعززان قيم الثورة ومبادئها، وذلك من خلال التمسك بأهدافها وشعاراتها التي وحدت الملايين تحت راية واحدة: “حرية، سلام، وعدالة”. فهذه الشعارات ليست مجرد كلمات، بل هي نبض الثورة وروحها التي تستمر في مقاومة كل أشكال القهر والتسلط.

 

 

التضحيات والشهداء: دروس لا تُنسى:

 

إن أعظم ما ميز ثورة ديسمبر هو حجم التضحيات التي قُدمت من أجل الحرية. لقد واجه الثوار رصاص القمع بصدور عارية، وارتقى شهداء في كل مدن السودان، حاملين راية النضال لأجل مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية. أولئك الشهداء الذين وهبوا حياتهم للوطن هم مصدر إلهام لا ينضب، وذكراهم ستظل شعلة تضيء الطريق نحو تحقيق الأهداف التي استشهدوا من أجلها.

إن تضحيات الشهداء وجميع الثوار تفرض علينا مسؤولية أخلاقية وتاريخية تلزمنا بالمضي قدمًا في العمل والنضال حتى تتحقق كل أهداف الثورة. شهداؤنا مصدر إلهام دائم لنا، لا بد أن تظل أسماؤهم خالدة في الذاكرة الجماعية، وأن نحرص على أن يكون الوفاء لهم أفعالًا ملموسة تتجسد في بناء وطن يليق بهم وبأحلامهم وأحلام جيل لا يعرف الانكسار.

 

ضرورة وحدة القوى الديمقراطية:

 

لقد برهنت ثورة ديسمبر المجيدة على أن وحدة القوى المدنية الديمقراطية كانت العامل الحاسم في إسقاط نظام الحركة الإسلامية البائد. عندما توحدت الإرادة الشعبية، انهارت كل محاولات النظام للبقاء في السلطة بقوة الحديد والنار، هذه الوحدة كانت السلاح الأقوى في وجه الدكتاتورية، وهي السلاح نفسه الذي يجب أن نعتمد عليه لهزيمة الثورة المضادة وإعادتها إلى حيث تستحق: أسفل قاع مذبلة التاريخ.

جميعنا يعلم أن التحديات التي تواجه السودان اليوم، بما فيها حرب الخامس عشر من أبريل الإجرامية التي اندلعت بهدف عرقلة مسار الثورة ونتيجة لتعنت قوى الثورة المضادة وإصرارها على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستعادة السلطة والجاه غير آبهة بحياة السودانيين والسودانيات، تفرض على القوى الديمقراطية إعادة ترتيب صفوفها واستعادة وحدتها حول أهداف الثورة. فلا مجال للتراجع أمام هذه القوى الظلامية المجرمة التي تسعى لإجهاض أحلام السودانيين في الحرية والسلام والعدالة.

 

الثورة مستمرة رغم المؤامرات:

 

رغم كل ما واجهته الثورة من انتكاسات وتآمر بداية من عرقلة الحكومة الانتقالية ومن ثم الانقلاب عليها في اكتوبر وانتهاء بهذه الحرب التي أشعلتها قوى الثورة المضادة لتعطيل مسيرتها والقضاء عليها وعلى قواها الحية، إلا أن جذوة النضال لا تزال مشتعلة. لقد أثبت السودانيون مرارًا وتكرارًا أن الثورة ليست لحظة عابرة، بل هي مسار طويل يتطلب الصبر والعمل الجماعي.

إن الحرب التي فرضت على الشعب السوداني لم تكن سوى محاولة يائسة من قوى الردة لاستعادة سلطتها المفقودة. لكن إرادة الشعب أقوى من كل المؤامرات، وقدرته على الصمود والمقاومة ستظل الحصن المنيع في وجه أعداء الثورة.

 

ختامًا: الثورة فكرة وشعلة لا تنطفئ:

 

ذكرى ثورة ديسمبر هي محطة لتجديد العهد مع الشهداء ومع الوطن. إنها فرصة للتأكيد على أن النضال مستمر حتى يتحقق الحلم السوداني بوطن تسوده الحرية والسلام والعدالة.

على كل حر أن يحمل شعلة الثورة، وأن يواصل السير على درب انتزاع حريتنا وكرامتنا، رغم صعوبات هذا الطريق. لأننا، وكما علمتنا ثورة ديسمبر، قادرون على هزيمة الظلم وبناء وطن أفضل، وطن يليق بتضحيات الشهداء ونضال شعبنا الأبي وأحلام الأجيال القادمة.

 

فالوحش يقتل ثائرا، والأرض تنبت ألف ثائر.

يا كبرياء الجرح! لو متنا لحاربت المقابر.

فملاحم الدم في ترابك ما لها فينا أواخر.

حتى يعود القمح للفلاح يرقص في البيادر،

ويغرد العصفور حين يشاء في عرس الأزاهر،

والشمس تشرق كل يوم في المواعيد البواكر.

“محمود درويش”

 

“حرية، سلام، وعدالة… والثورة خيار الشعب”.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *