(ثوب زينب) .. ثمن الخيانة !
علي أحمد
التآمر كاسمه، والماضي لا يخذل أحداً، وعبد الفتاح البرهان، الذي أغلق ميناء البلاد الرئيسي (بورتسودان) لإفشال الحكومة المدنية الانتقالية، في أول سلوك كلبي افتراسي يقوم به قائد عسكري تجاه شعبه في كل التاريخ، هاهو يدفع الآن ثمن تآمره القديم، والرعاع، الذين دفع لهم الأموال مقابل أن يغلقوا له الميناء، هم أنفسهم من يغلقون في وجهه اليوم الأبواب ويضيقون عليه المجال الحيوي الذي أغلقه كاملاً في السابق لمطامع شخصية دنيئة وخسيسة. ونفس قطاع الطرق والموانيء، الذين كان يفتح لهم أبواب قصره ويقدمهم كفاعلين سياسيين لتخريب الحياة السياسية وقطع الإنتقال، هم من يرقصون بالعصى على كرامته المهدرة داخل استديوهات التلفزيون، فأي مبرر لتصدر لصوص وقطاع طرق للمشهد السياسي في فترات الانتقال السياسي؟ وأي مبرر لبروز اسم كاسم”شيبة ضرار” إلا في نشرات البوليس ومشاجرات “النشالين” في الأسواق لولا تآمر البرهان وخسة وخيانة رفيقه الآخر كباشي؟!
وحتى لا يستغل أي جاهل أو خفيف عقل مكتوبي هذا لأغراض شخصية أو سياسية، أو يُفهم خطأً جهلاً أو تربصاً، فانني أتحدث هنا عن اللصوص وقطاع الطرق الذين أستأجرهم برهان وكباشيه لإغلاق الميناء، ولا أتحدث عن قومياتهم أو قبائلهم أو مكوناتهم الاجتماعية، والجريمة لا جنس لها، بل إنني أحذر قومياتهم وأهل الشرق عامة بأن لا يسمحوا لقضيتهم العادلة بان يتصدرها ويُعبر عنها هؤلاء اللصوص، وأن يأخذوا العظة والعبرة من دارفور، والتي لم يُميِّع ويُضيَع قضيتها العادلة سوى سماح أهلها بأن يمثل قضيتهم أوباش من نفس العينة، فما الفرق بين شيبة ضرار ومناوي؟ بل ربما “شيبة” يتفوق عليه في هذا الصدد، أقله أن أهل المدينة يعرفون تاريخه، وانه كان “نشالاً” في الأسواق عندما كان العمر غضاً واليد أكثر خفة. ولكن من يعرف مناوي في دارفور، هل هناك من يعرفه في نيالا أو الفاشر أو زالنجي أو الضعين أو الجنينة؟ هل يوجد شخص في هذا العالم ليس له أصدقاء طفولة أو زملاء دراسة أولية أو “دافوري” أو أصدقاء عمل؟ ليس لمناوي أحد ولا أحد يعلم عنه شيء، وليس هناك ثمة معلومة عنه سوى معلومة واحدة مصدرها هو شخصياً، وهي أنه كان مدرساً بمدرسة ابتدائية ما، دون ذكر اسم المدرسة ومكانها. وهذه المعلومة نفسها يجب أن يتحلى الناس بالكثير من الشك أمامها، فرواياته أغلبها إن لم يكن كلها أكاذيب!
لستُ من الذين يُخدعون بهوجة السوشيال الميديا، ولست من قطيعها، فأنا أكتب لحسابي الخاص وبرؤيتي الخاصة وفقاً لقناعاتي، أبذل فيما أكتب جهداً كبيراً حتى لا تكون مطابقة لرغباتي الشخصية، أو لما يطلبه القراء والمشاهدون والمستمعون، وما استقر في قلبي وعقلي من أحدث تلفزيون بورتسودان، ومن قراءة ومتابعات ومعلومات موثوقة، أن الأمر لا علاقة بالهوية الثقافية أو الزي البجاوي أو خلافه. ومنذ متى كان تلفزيون أمدرمان أو إذاعتها قوميتان تمثل كل أهل السودان، ومنذ متى كان لـ (البجا) عموماً (هدندوة ، أمرأر، بني عامر، حباب، حلنقة، بشاريين..الخ) ولا أقصد ثلة البجا قطاع الطرق، الذين اصطفاهم البرهان وكباشيه وأسس لهم مجلساً لإكمال مخططه التآمري، أقول منذ متى وجد (البجا) التقدير الثقافي بل السياسي والإنساني حتى يغضبوا لفقدانه الآن؟ فـ”البجا” لم يكونوا سوى مواد خام للسخرية والاحتقار والتنكيت البذيء على شاشات التلفزيون، تقوم بها فرق هزلية حقيرة وسخيفة، من شاكلة: ” تيراب، همبريب، وعطسة، ودعاش، وفضيل وسخيل .. الخ، الفرق التي تأسست في عهد الإنقاذ وتم الصرف عليها، لدورها المكمل لمشروع (الانقاذ) القائم على فرض الآيدلوجيا الإسلامية التي هي بالضرورة عربية، واستتفاه واحتقار وإذلال المجموعات الثقافية المختلفة الأخرى عامة!
ما يثار في بورتسودان لا علاقة له بأي مشكلة ثقافية، ليس فقط لأن من تصدر القضية هو “شيبة ضرار، ومن رأى “شيبة” متصدراً قضية فليتحسس مسدسه، لعمله مخبراً لدى الاستخبارات العسكرية، وإنما الأمر أكبر من هذا وذاك، فالموضوع وما فيه أن الجميع يدفع ثمن الخيانة، البرهان يدفع ثمن خيانته وإغلاقه للميناء، و”البجا” يدفعون ثمن خيانتهم لمجموعات بجاوية أصيلة أخرى، وكباشي يدفع ثمن خيانته مع البرهان، والكيزان يدفعون ثمن خيانتهم مع البرهان وللبلاد عامة، الكل يدفع ثمن الخيانة، حتى (زينب) صاحبة الثوب خائنة وفُلة من فلول الكيزان، وثوبها ما هو إلا (قميص عثمان) آخر يُرفع من خونة ضد خونة آخرين لاغتنام السلطة. وأما الهوية فلا مكان لها في (بورت كيزان)، فهي أي الهوية تؤسس الآن في ميادين القتال: من أمدرمان حتى أم بعر، يموت فيها رجال شجعان ويدفعون ثمنها أرواحهم رخيصة من أجل أن يحيي جميع السودانيين أعزاء متساويين في وطنهم بكل كرامة وشرف: ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى يُراق على جوانبه الدم.
المصدر: صحيفة الراكوبة