ثم ماذا بعد مؤتمر لندن؟


د. أحمد عثمان عمر
تأسف الكثيرون من نتائج مؤتمر لندن الذي انعقد خلال هذا الشهر، لأنهم كانوا يأملون أن يقود إلى إنهاء الحرب بل والتوصل إلى تسوية سياسية لها وإيقاف المعاناة بشكل كامل. وفرح معسكر سلطة الأمر الواقع غير الشرعية الداعي لإستمرار الحرب والمتوهم حسمها عسكريا المعروف بمعسكر “البلابسة”، وحدثنا بفخر مصنوع عن إفشال مؤامرة لندن التي استهدفت البلاد، وإن شاءوا الدقة لقالوا استهدفت سلطتهم غير الشرعية ورغبتهم في استعادة تمكين الحركة الإسلامية المجرمة كاملا غير منقوص، في حين صمتت المليشيا الإرهابية صمت القبور حول المؤتمر وانعقاده ومخرجاته. والطرفان بالطبع خاطئان في تقديرهما طبعا، لأن فهمهما لطبيعة المؤتمر الذي انعقد خاطئة، بالرغم من أن المؤتمر لم يحقق هدفه الرئيس الذي قام من أجله، وهو تكوين مجموعة إتصال بقيادة الاتحاد الأفريقي، مع تجديد الإلتزام بعدم إعاقة المساعدات الإنسانية، حيث لم يصدر أي بيان ختامي من جميع المشاركين بتكوين المجموعة المستهدف تكوينها، بسبب خلافات الدول الإقليمية المتورطة في الحرب ودعم طرفيها المجرمين في حق شعبنا العظيم الصابر والمنتصر حتماً.
والواضح أن الخطأ في التقييم الذي حدث من الطرفين (الراغب في إنهاء الحرب من المواطنين الحريصين على أمن وسلامة الوطن، وسلطة الأمر الواقع)، انبنى على خطأ في تصور المؤتمر نفسه وأهدافه، لأن الحكم على الشئ جزءا من تصوره، والتصور الخاطيء يقود إلى حكم خاطيء بكل تأكيد. فالمواطنون الذين أملوا في ان يقوم المؤتمر بحل المشكلة ووقف الحرب ووضع تسوية سياسية لها، سقف توقعاتهم كان مرتفعا جدا وغير واقعي، أما سلطة الأمر الواقع غير الشرعية التي تعلم تماما موقف الجزء الأكبر من المجتمع الدولي منها، فما أعلنته من وجود تآمر شامل عليها، تدرك بيقين أنه غير صحيح، من ناحية أن ما يرمي إليه المجتمع الدولي ليس هو اجتثاثها بل تحجيمها ووضع قواها المتنفذة في حجمها الطبيعي، مع تركيب حل سياسي يعيد تأهيل الواجهة المدنية لسلطة فعلية لها نصيب منها تحاول توسيعه عبر إستمرار الحرب لفترة قادمة.
وعدم استهداف المؤتمر لوضع تسوية وحل سياسي كان واضحا من عدم دعوته لأي طرف سوداني وخصوصا الطرفين المجرمين المتحاربين وتخصيص المؤتمر للدول المستهدفة بتكوين مجموعة الإتصال. ويلاحظ صمت المليشيا الإرهابية وعدم احتجاجها على عدم الدعوة، في حين علا صراخ وضجيج سلطة الأمر الواقع التي احتجت على عدم دعوتها، في محاولة لتثبيت نفسها كسلطة معترف بها، بالرغم علمها يقينا ان المجتمع الدولي لا يعترف بها لأنها سليلة انقلاب عسكري فاشل، وعلمها أن المؤتمر استبعدها والمليشيا الإرهابية لرفضهما الجلوس للتفاوض من أجل وضع نهاية لهذه الحرب المأساوية. فهي كانت ترغب في تحقيق نصر دبلوماسي مستحيل أن تمكنه منها دولة بحجم المملكة المتحدة. ولكنها كانت تعلم بلا شك أن الدول الداعمة لها والمشاركة في المؤتمر، سوف تفشل مهمة تكوين مجموعة الاتصال. والسؤال المهم هو هل فشل المؤتمر بشكل كلي وهل ستستسلم الدول الأساسية المشاركة والدولة المنظمة للمؤتمر تحديدا لعدم تحقيق الأهداف المعلنة له؟ والإجابة هي بالحتم لا، والطرفان المجرمان المتصارعان يعلمان ذلك. فالمؤتمر انتهى ببيان مشترك من الجهات المؤثرة في المجتمع الدولي ، اشتمل على اصرار على وحدة السودان وعدم تقسيمه، ودعم جميع الجهود من اجل التوصل إلى حل سلمي، ورفض جميع التدخلات الخارجية التي تدعم استمرار القتال ودعم الحرب. وصدور هذا البيان من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والإتحاد الأوربي له ما بعده حتماً.
ونتائجه المباشرة واضحة، فهو وإن لم يوقف هجمات المليشيا الإرهابية اليومية بالمسيرات على منشآت البنية التحتية في الولاية الشمالية وولاية نهر النيل، إلا أنه مع أمور أخرى منعها تكوين حكومتها الموازية غير الشرعية ايضاً التي تمهد لتقسيم فعلي للسودان في مستقبل منظور. وهو ايضاً منع اي هجوم واسع أو احتلال عسكري لمناطق جديدة، وربما يكون قد أجل سقوط مدينة الفاشر الساقطة عسكريا عبر حصار محكم وغير إنساني ، تخللته جرائم ضد الإنسانية في معسكر زمزم وجرائم حرب. ايضاً من نتائجه ضمن مؤثرات وعوامل أخرى، صمت المليشيا الإرهابية وعدم دخولها في صدام مع المجتمع الدولي وهو أمر مستمر لكنه تأكد بالمؤتمر، عبر عدم إحتجاجها على دعوتها للمؤتمر وعدم الهجوم على تنظيمه أو حتى مخرجاته، وهذا يعني أنها تحت سقف مقررات المجتمع الدولي وأنها ستنصاع إلى ما سيتوصل إليه لاحقا بخصوص النزاع، مما يعكس ثقة غير محدودة في مقدرة كفيلها الإقليمي الداعم لنشاطها التخريبي.
أما في معسكر سلطة الأمر الواقع غير الشرعية، فصراخها ورفع سقوفها لا يخفي ان المؤتمر واكبه تهدئة فعلية على الأرض وعدم القيام بأي عمليات عسكرية واسعة تعيقها القدرة العسكرية أيضاً، وهدوء في تنفيذ جرائمها المستمرة ضد المواطنين بعد إسترداد الخرطوم، وخطاب رسمي إحتجاجي محدود لهجته أخف مما هو معتاد من ضجيجها، وتصرفات صبيانيه مثل رجم وزير إعلامها لدمية تمثل قائد المليشيا الارهابية، ومشاركة من الدول الداعمة لها الفاعلة في المؤتمر نفسه وصمتها حيال تلك المشاركة وعدم دعوة حلفائها إلى عدم المشاركة، واعقب المؤتمر إقالتها لوزير خارجيتها الضعيف ان صح الخبر، وإن كانت اقالته اقرب إلى تلميحه لوجود اتفاق ادى لخروج المليشيا الإرهابية من الخرطوم وتكذيبه عمليا لدعاية سلطة الأمر الواقع غير الشرعية بدحرها وهزيمتها عسكرياً.
ومجمل ما تقدم يؤكد بأن المؤتمر بالرغم من أنه لم يحقق هدفه الأساسي (تكوين مجموعة الاتصال)، إلا أنه لا يمكن وصمه بالفشل الكامل. فهو أكد على أن الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا والاتحاد الأفريقي، مصممون على فرض إرادة المجتمع الدولي وأنهم سيعملون لتنفيذ مشروعه، وأن مجرد انعقاده ترتبت عليه نتائج فعلية على ارض الواقع وفي ميدان المعركة، تؤكد أن الطرفين المجرمين المتصارعين، يضعان للمجموعة المذكورة ألف حساب ويخافانها، في حين أنهما لا يعطيان الشعب الذي يعاني أي إعتبار، ويتعاملان معه كموضوع للحرب وخسائر جانبية. والمطلوب هو عدم التعويل على الضغط الدولي مع الاستفادة منه، والاستمرار في تكوين الجبهة المدنية القاعدية الواسعة، المتمسكة بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، والقادرة على طرد الطرفين المتصارعين من الساحة السياسية ومحاسبتهما على جرائمها.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة