محمد بدوي
غيبت حرب أبريل٢٠٢٣ العاصمة السودانية الخرطوم، أو بصيغة آخري الإصرار على بقاء القواعد العسكرية في وسط المساكن بالمدن، وبقاء الحشود العسكرية فى الساحات المخصصة لأغراض مدنية، حول القتال إلى الضواحي السكنية، ليمتد العنف والدمار نحو المدنيين وممتلكاتهم بسبب ذلك، ورغم ذلك ظل الدوران حول السؤال المفخخ من أطلق الرصاصة الأولي، رافعة لإستمرار الحرب وإخراج المدنيين من معادلة الحق في الحياة، بالإصرار على إنتقال البارود من مكان إلى حيز آمن آخر.
إستمرار الحرب وغياب الخرطوم التى تقف الآن كشبح خرج كن كهوف سحيقة، دفع بمدينتي بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة، التى أثقل كاهلها الزحام والمسيرات، ومدينة نيالا التي تراجعت سنينا ضوئية بعد أن إجتهدت على مدي (٩٣)عاما منذ تاسيسها في ١٩٣٠ لتحتل المرتب الثالث فى المدن الإقتصادية بالسودان، ومؤكد لا يفوت على فطنة القارئ بأن ذلك قبل نوفمبر أبريل ٢٠٢٣، ما يفصل بين بورتسودان ونيالا مسافة تقدر ب(٢٠١٤)كيلو مترا، وهاهي المسافة تطول سياسيا حينما تقف كل منهما عاصمة للسودان، مع ضرورة الإشارة بإن كلتاهما لا تعبران عن فصيلة دم الثورة السودانية وأحلام التغيير الذي ينشده السودانين/ات.
فى ظل هذه التعقيدات المتسارعة تطل المفارقة بأن يجلس مدنيان على كرسيي رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس وبالمقابل الأستاذ محمد حسن التعايشي، بينما أحتفظ الجنرالان بموقعهما الذي لا يابه بإطلاع رئيس الوزراء بالحالة الامنية بالبلاد كل صباح، في مشهد يعزز ما يدركه الوجدان السليم بان الطريق نحو الإستقرار لا يتحقق بالإ بالإرادة المنحازة للفصل بين السلطات وهو الأمر الذي لا يمكن تصوره فى ظل سيادة البارود.
خلال هذا الأسبوع إنشغل العديد من السودنيين/ات في إنتظار ال٢٩ من يونيو ٢٠٢٥، كموعد لإجتماع حول السودان للرباعية ” ممثلي الادارة الامريكية، مصر العربية، الامارات المتحدة والمملكة العربية السعودية”، السؤال هل هنالك مؤعد معلن للإجتماع ؟ لما لم يتوفر ذلك البديهي الأ يكون هنالك إعلان بالإالغاء او التأجيل، بل ولا حتي تحديد موعد قادم للإنعقاد.
هذا الإنشغال والبحث عن الإجابات، والغبطة المقابلة بعدم قيام الإجتماع من فئات مناهضة للاولي، يثير السؤال الجوهري المتكرر حول غياب الإرادة والدور الوطني لوقف الحرب في السودان، ولا سيما أن واقع المدنيين المتراجع في مناطق كثيرة بالسودان، والتي تقف مدينة الفاشر على راسها، هل كانت الرباعية مفتاح الفرج! أم أن العشم في الإنعقاد القادم دون مواعيد محددة مدعاة للصبر!
الفاشر تمثل حالة يمكن تضيف للقانون الدولى الإنساني في كليات الحقوق والبحوث الأكاديمية، فلك أن تتخيل أيها القاري/ة الموقر/ة بأن تصل قافلة مساعدات إنسانية تقدر ب ١٥ شاحنة إلى مدينة الكومة التي تبعد ٦٧ كيلو مترا عن الفاشر المحاصرة، كان هذا حدثا اسطوريا بعد ان توقفت القوفل قبل فترة طويلة مرتبطة بتوقف القوة المشتركة التى كانت تحمي القوافل من بورتسودان الى الفاشر، لكن الفرحة لم تكتمل فيصر الدعم السريع على عدم وصولها للفاشر لأنه يطيل من امد صمود المدينة المحاصرة، فياخذ الجيش الامر ذريعة لقصفها لاعتبار ان الراجح هو إستيلاء الدعم السريع عليها! ولا عزاء للاطفال الجوعي من الطرفين .
البحث عن الحلول عبر الرباعية،كأنه بحث عن الامان في المسافة التي تفصل بين بورتسودان ونيالا بالكيلومترات، لانها في تقديري مؤشر لإطالة امد الحرب، تباعد المواقف بين دول الرباعية لا يحتاج إلى كثير جهد لإلتقاطه، فمثل هذه الإجتماعات تاتي لاحقة او برتكولية تسبقها نقاشات وإتفاقات ومسودة البيان الختامي، فلا يستغرق الأجتماع الإ زمن محدود للتهئة للاعلان او مؤتمر صحفي لإطلاق البيان الذي وقع بالاحرف الاولى قبل وقت من ذلك .
ولعل مواقف الاطراف ليست خافية او جديدة فالإدارة الامريكية والمملكة السعودية مسهلي منبر جدة موفقهما واضح ومرتبط ب بتفويض المنبر وهو وقف الحرب وليس بحث العملية السياسية بما يلزم إشراك الجيش والدعم السريع في هذه المرحلة، وهو موقف تتفق فيه الامارات ومصر بحكم المرحلة، المرحلة الثانية اي العملية السياسية هى محل خلاف المواقف، فالامارات المتحدة اعلنت موقفها من المرحلة منذ مؤتمر لندن وهو إخراج الجيش والدعم السريع من العملية السياسية، بينما تعزز التسريبات من موقف مصر الداعم للجيش منذ ابريل ٢٠١٩ بإشراك الجيش في المرحلة السياسية.
فإذا كانت تلك هى السيناريوهات للرباعية، ماهو سيناريو القوي السياسية السودانية والقوي الداعمة لوقف الحرف من مختلف الأجسام الوطنية! لعل الإجابة على السؤال يجعل من القوي الداعمة للتغيير السياسي الجوهري فاعلة وليست في خانة إنتظار لإجتماعات الرباعية، لأن ذلك يعني إنتظار ما سيقرر للتنفيذ !
أخيرا: لا زال في الوقت متسع لتنسيق بين رؤساء الاحزاب السودانية “عدا المؤتمر الوطني”، رؤساء وقادة النقابات ورجال الإدارة الأهلية الذين يدعمون وقف الحرب وكافة الأجسام الوطنية التي تنشد السلام والإستقرار، فالحوجة لمركز وطني يعني قطع نصف المسافة نحو وقف الحرب، لأن الحوجة للرباعية جاءت لأسباب كثيرة منها الغياب الوطني، فحالنا في حضور طرفي القتال وغياب المدنيين كحال مثل شملة كنيزة ثلاثية وقدها رباعي/ة .
المصدر: صحيفة التغيير