توقف عدد كبير من المطابخ والتكايا في مختلف مناطق السودان

مع دخول الحرب عامها الثالث تستمر معاناة السودانيين العالقين داخل العاصمة في مدنها الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم والسكان الموجودين في مناطق النزاع المسلح والنازحين في مراكز الإيواء، إذ يعيشون أوضاعاً إنسانية معقدة وعصيبة نتيجة الأزمة المستفحلة في الغذاء بسبب توقف توزيع الوجبات المجانية ونفاد المدخرات المالية، وبات شبح الموت جوعاً يطارد الآلاف، خصوصاً الأطفال والمسنين.
وأسهم انقطاع الدعم والهبات والتمويل وارتفاع معدلات التضخم في توقف 70 في المئة من المطابخ والتكايا الخيرية في مختلف مناطق السودان، بينما تترنح أخريات للأسباب ذاتها، ويهدد توقفها بمضاعفة معاناة آلاف الأسر التي تعتمد على تأمين الغذاء من المطابخ الجماعية بعدما دمر الصراع المسلح الأنشطة الاقتصادية وسبل العيش.
خطر المجاعة
إلى ذلك أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا”، عن توقف 70 في المئة من أصل 1400 مطبخ جماعي في ولاية الخرطوم بسبب نقص التمويل.
وأشار إلى أن غرف الطوارئ تعمل على تقديم الطعام والرعاية الصحية الأساسية وأشكال أخرى للدعم في عدد من المناطق بالسودان، بالتالي يتعرض مئات الآلاف لخطر متزايد حال توقف عمل هذه الغرف.
وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن “هناك شركاء آخرين قدموا مساعدات تغذية شاملة في حالات الطوارئ إلى 89 ألف فرد في محليتي كرري وأم بدة بأم درمان، وأحياء أخرى في الخرطوم بحري.
وتحتاج غرف الطوارئ إلى 12 مليون دولار شهرياً لاستمرار عمل المطابخ الجماعية وتقديم الخدمات إلى السودانيين.
ضغوط متزايدة
زاهر خوجلي، أحد الموجودين داخل الخرطوم من منطقة الكلاكلة، قال إنهم يواجهون ظروفاً إنسانية في غاية الصعوبة منذ توقف تكايا الوجبات المجانية في أحياء جنوب العاصمة، ويتناولون وجبة واحدة في اليوم هي “البليلة”، عبارة عن حبوب وبقوليات مسلوقة.
وأوضح أن “وصول عدد كبير من العائدين إلى الخرطوم هذه الأيام أسهم في تفاقم أزمة الغذاء، وتعذر تسجيل المواطنين الآتين من مناطق النزوح بسبب نقص التمويل الذي لا يحتمل أكثر من العدد المسجل، في وقت بات فيه السواد الأعظم من الناس يعتمدون كلياً على التكايا في الحصول على الطعام”.
وأوضح خوجلي أن “موقع التكية في منطقة باتت آمنة بعد تحرير الجيش للعاصمة جعلتها جاذبة لأعداد كبيرة من سكان جنوب الخرطوم، مما شكل بدوره أحد عوامل وأسباب الضغط المتزايد على التكية”.
حالات وفاة
وصف سامر الشريف المتطوع في مطبخ محلية كرري بأم درمان الوضع الإنساني بـ”الكارثي” نظراً إلى توقف المطابخ الخيرية في مدن العاصمة كافة بسبب انقطاع الدعم والتمويل، مما يهدد مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في أتون الحرب، ومعظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن بالجوع المدقع الذي أدى إلى وفيات عدة وسط المواطنين في أماكن عدة بالبلاد في الفترة الماضية.
وأشار الشريف إلى “عجز العاملين في المطابخ الخيرية عن تقديم الخدمات اليومية، وهو ما يهدد بأزمة غذائية ستفاقم من أوضاع آلاف المواطنين”.
ولفت المتطوع في خدمات الأطعمة المجانية إلى أن “عدد الأسر التي تحتاج إلى تقديم خدمات الطعام المجانية تزايد بصورة ملحوظة نتيجة عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى العاصمة، ونحن في الحقيقة أمام واقع معقد للغاية”.
قلق ومعاناة
يقول المواطن الخير صالح العائد إلى منطقة الصالحة إنه وأسرته وصلوا إلى منزلهم في أم درمان وسط ظروف إنسانية صعبة، وهم لا يملكون شيئاً ويحتاجون إلى الطعام ومياه الشرب الصالحة، ومع تضاعف الأعداد الكبيرة الوافدة لم يعد بإمكان المتطوعين في المنطقة تقديم وجبة كاملة للمحتاجين”.
وأشار إلى أن “كثيراً من سكان المنطقة ظلوا يعتمدون في الفترة الأخيرة على مبادرات الطعام التي تنتظم الأحياء، وأسهم توقف عملها في تردي الوضع المعيشي لمستويات غير مسبوقة، وفي حال استمرار المعاناة سيموت الناس جوعاً”.
ومضى في حديثه “نحن نصبح ونمسي تحت هذه الضغوط المتواصلة، وغالب الأيام نتناول وجبة واحدة، وأحياناً كثيرة لا نجدها، ونخشى على الأطفال وكبار السن من تفشي أمراض سوء التغذية”.
معضلة التمويل
شكا عدد من المتطوعين في غرف الطوارئ بشرق النيل بالخرطوم بحري من أن انقطاع الدعم والهبات والتمويل للتكايا والمطابخ كان العقبة الأساسية التي حالت دون استمرارها وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية وهددت سكان المنطقة بالوقوع تحت براثن الجوع التام.
وأشارت الغرفة إلى توقف جميع التكايا وظل العالقين بالمنطقة والعائدين من مراكز إيواء النزوح يتشاركون القليل الذي مما كانوا يملكون، معلنة عن توقف 150 مطبخاً خيرياً بسبب عدم توفر التمويل اللازم.
وأوضح بيان للغرفة أن المطابخ كانت تمثل شريان الحياة لآلاف الأسر التي باتت الآن مهددة بمجاعة حقيقية، بينما تفتك الأوبئة وسوء التغذية بالعالقين في محلية شرق النيل، مناشدة المنظمات الوطنية والدولية التدخل العاجل لتلافي ذلك.
تدخل حكومي
في غضون ذلك استحدثت حكومة ولاية الخرطوم إدارة جديدة مخصصة للتكايا عهدت إليها مهام حصر المطابخ الخيرية التي وصل عددها إلى 500 تكية، توطئة لوضع برنامج يهدف لدعم قدراتها.
وأكد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة خلال تفقده بعض التكايا في وسط منطقة أم درمان القديمة حرص حكومته على استمرار عمل التكايا ودعمها باعتبارها أوعية مهمة لتوفير الغذاء للمواطنين.
ووقف حمزة على تدشين أعمال 16 تكية جديدة تستهدف القطاعات التي تأثرت بالحرب وتوقفت أعمالها اليومية، وتستهدف كذلك المواطنين الآتين إلى ولاية الخرطوم من مناطق النزوح في مدن السودان الآمنة.
تفاقم الأزمات
أدت الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ أبريل (نيسان) 2023 إلى أكبر أزمة جوع ونزوح في العالم إلى جانب تدمير البنية التحتية في وقت لا تزال المعارك تتصاعد وسط أزمات معيشية وانتشار أوبئة الكوليرا والضنك وارتفاع معدلات سوء التغذية بصورة كبيرة بين الصغار والكبار.
وأسفر الصراع المسلح عن سقوط عشرات آلاف القتلى وعن أكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، وأغرقت البلاد البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة في أزمة إنسانية حادة بحسب الأمم المتحدة التي تشير إلى انتشار المجاعة تدريجاً.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة