تابعنا بقلق بالغ مخرجات “ورشة مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009” التي انعقدت في بورتسودان يومي 26 و27 مايو 2025. بينما نُقدر أي جهد يهدف لتطوير البيئة الإعلامية، نرى أن العديد من التوصيات تشكل تهديدًا حقيقيًا لحرية الصحافة والإعلام في السودان، وتقوّض الأسس التي يجب أن تقوم عليها السلطة الرابعة كرقيب وضمير للمجتمع.

إن هذه التوصيات، ورغم حديثها عن “المعايير الدولية” و”حرية التعبير”، تحمل في طياتها بذورًا لتقييد هذه الحريات لا توسيعها. في الواقع، تتناقض العديد من هذه التوصيات بشكل مباشر مع المواثيق الدولية التي وقّع وصادق عليها السودان، والخاصة بكفالة وحماية حرية التعبير. إن الصحافة والإعلام في السودان لا يحتاجان إلى قانون جديد يضيف قيودًا، بل إلى تأسيس هيئة مستقلة يُكوّنها المجتمع المدني من الوسط الصحفي والقانوني والأكاديمي، ضمن إطار قانوني ديمقراطي يهدف إلى تعزيز وحماية حرية التعبير والصحافة والإعلام بمؤسساته المختلفة.

مخاوف جوهرية من التوصيات المقترحة

  • الاستخدام المفرط لمصطلحات مثل “مقتضيات الأمن القومي”، “حماية قيم المجتمع”، “المرتكزات الدينية والأخلاقية”، و”الممارسة الصحيحة لاستخدام المعلومات” كضوابط للعمل الصحفي، دون تعريفات دقيقة وواضحة، يفتح الباب واسعًا للتأويلات التعسفية. هذا يمكن أن يُستخدم كذريعة لقمع الأصوات الناقدة والمستقلة، وفرض رقابة ذاتية خانقة على الصحفيين، ما يُعيق قدرتهم على كشف الحقائق ومساءلة المسؤولين.
  • تثير التوصيات بإنشاء “مجلس مهني ينظم النشاط الصحفي” وتوسيع صلاحيات “المجلس القومي للصحافة” ليشمل الإعلام الإلكتروني، بالإضافة إلى إنشاء “منظومة إدارية تنسيقية لإدارة وتسجيل وسائط ووسائل النشر الإلكتروني والممتهنين لها”، قلقًا عميقًا. خصوصًا عند إقحام “الأجهزة الفنية بالقوات النظامية” ضمن “آلية تنسيقية للجهات الحاكمة للنشر الإلكتروني”. إن إشراك الأجهزة الأمنية والعسكرية في تنظيم الإعلام يتناقض بشكل صارخ مع أبسط مبادئ استقلالية الصحافة وحمايتها من التدخل الحكومي المباشر، ويحوّل هذه الهيئات إلى أدوات للسيطرة بدلًا من التنظيم المهني.
  • الحديث عن “مراقبة وسائط ووسائل النشر الإلكتروني بما يحقق جودة المحتوى” وربط إصدار الصحف “بمعايير الجودة” دون تحديد واضح لهذه المعايير وآليات تطبيقها بشكل مستقل، قد يتحول إلى أدوات للتحكم في المحتوى والحد من التعددية الإعلامية. هذا النهج يهدد بتحويل الإعلام إلى أداة للترويج لخطاب واحد، بدلًا من كونه منبرًا متنوعًا يعكس آراء المجتمع.

وعليه فإن منتدى الاعلام السوداني يرى إن هذه التوجهات، إن تم تبنيها في القانون الجديد، لن تؤدي إلا إلى إعلام مقيد وخاضع للوصاية، وغير قادر على أداء دوره الحيوي في كشف الحقائق، ومساءلة المسؤولين، وتنوير الرأي العام، والمساهمة في بناء سودان ديمقراطي حر ومزدهر.

دعوة إلى هيئة إعلامية مستقلة وتنظيم ذاتي

ويؤكد منتدى الإعلام السوداني أن السبيل الوحيد لضمان حرية الإعلام واستقلاليته في السودان، وتحقيق التوازن الحقيقي بين الحرية والمسؤولية، يكمن في إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم شؤون الإعلام. هذه الهيئة يجب أن:

  • تتمتع باستقلالية كاملة ومكفولة بالقانون: مالياً وإدارياً وفي قراراتها، بعيدًا عن أي هيمنة أو تدخل من السلطة التنفيذية أو الأجهزة الأمنية أو أي جهة حزبية أو سياسية.
  • تتشكل من كفاءات مهنية مشهود لها بالنزاهة والخبرة: من خلال آلية اختيار شفافة وتشاركية تضم ممثلين حقيقيين عن الجسم الصحفي، والأكاديميين، ورجال القانون، ومنظمات المجتمع المدني.
  • يكون تفويضها الأساسي حماية وتعزيز حرية التعبير والصحافة والتعددية الإعلامية: ودعم تطوير المعايير المهنية والأخلاقية بالتشاور مع الصحفيين أنفسهم، وتسهيل حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.
  • لا تمارس دورًا رقابيًا على المحتوى أو ترخيصًا مسبقًا للصحفيين: بل تعمل على توفير بيئة تمكينية للعمل الصحفي الحر والمسؤول.

إن استقلال السلطة الرابعة ليس ترفًا، بل هو ضرورة حتمية لأي نظام ديمقراطي يسعى إلى الشفافية والمساءلة والتنمية.

مطالب واضحة لضمان حرية الصحافة

ومن هذا المنطلق يطالب المنتدى :

  • رفع يد وزارة الإعلام عن التدخل في شؤون الحق في حرية الصحافة والتعبير. يجب أن تكون القرارات المتعلقة بالإعلام صادرة عن هيئات مستقلة ومهنية.
  • دعوة المجتمع الصحفي والإعلامي للجوء إلى اعداد أطر لتنظيم نشاطهم : وفق المعايير الدولية المعروفة لتنظيم الصحافة، والالتزام بمواثيق الشرف الصحفي التي يصنعها ويكتبها الصحفيون والصحفيات بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل من خارج الجسم الصحفي. هذا يضمن أن تكون معايير المهنة نابعة من أهلها، ما يعزز المسؤولية الذاتية والمهنية.

يدعو منتدي الاعلام السوداني  كافة القوى الحية في المجتمع السوداني، وصناع القرار، إلى التنبه لخطورة المقترحات الحالية، والعمل الجاد من أجل صياغة إطار قانوني وتنظيمي يحمي حرية الصحافة ويضمن استقلاليتها، وعلى رأسه إنشاء هيئة مستقلة حقيقية تكون صمام الأمان للحق في المعرفة والتعبير الحر.

دبنقا

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.