توسيع تحالف “تقدم” يصطدم بممانعات الجيش السوداني
كثفت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) من تحركاتها المحلية والإقليمية والدولية لتأكيد قدرة القوى المدنية في السودان على القيام بدور مؤثر لوقف الحرب التي تقترب من عامها الأول، ولم توقف ممانعة الجيش ورفضه التجاوب مع رؤيتها السلمية من نشاطها، وبدأت في توسيع نطاق تعاونها أفقيا، ما يمكن أن يؤدي إلى تهميش قيادة الجيش عن المحادثات السياسية التي تجريها “تقدم”.
وكشف القيادي في تنسيقية “تقدم” نورالدين بابكر عن تشكيل لجنة مشتركة مع الحركة الشعبية شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، لعقد لقاء بين قيادتي الطرفين الأيام المقبلة.
يمثل عقد اللقاء المنتظر اختراقا سياسيا مهما في نسيج المواقف المستقلة التي يتبناها الحلو منذ فترة، وتساعد الخطوة “تقدم” على تعزيز حضورها على الساحة، حيث تجد صدى من قبل قوى سودانية، بعضها يؤيد الجيش، وأخرى تصر على الاحتفاظ بمسافة بعيدة عن الصراع بمفرداته السياسية والعسكرية.
وعقدت “تقدم” التي يرأسها رئيس الحكومة السودانية السابق عبدالله حمدوك اجتماعات مع مسؤولين إقليميين ودوليين على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا قبل أيام، مكنتها من توسيع نطاق نشاطها بما يتجاوز حدود القوى السودانية، بوصفها مظلة مدنية تسعى حثيثا لإيجاد حل لوقف الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأكد نورالدين بابكر في تصريحات لـ”سودان تربيون” أن الظروف الحالية في السودان تتطلب من كل الأطراف التحلي بالمسؤولية وتقديم التنازلات اللازمة حتى لا تنهار البلاد.
وتتضمن خارطة “تقدم” التواصل مع كيانات وأحزاب سياسية وقوى اجتماعية، وحركات مسلحة مثل تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، حال انتقالهما من مربع دعم الحرب إلى رفضها.
وأوضح عضو الهيئة القيادية لتنسيقية تقدم الواثق البرير أن الفكرة الأساسية من تدشين “تقدم” خلق جبهة مدنية عريضة تضم مختلف الأطياف وتكويناتها السياسية سواء أكانت حركات مسلحة أو أحزابا مدنية، وهناك قناعة بأن أهم أساس لوقف الحرب توحيد القوى المدنية، بما فيها مجموعات تنادي منذ سنوات بالتحول المدني.
وأشار البرير في تصريح خاص لـ”العرب” إلى أنه جرى تشكيل العديد من اللجان المشتركة لضم مكونات مهمة، في مقدمتها الحركة الشعبية شمال، جناح الحلو، ولجنة أخرى للتواصل مع حركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد نور، وثالثة للتشاور مع حزب البعث العربي الأصل والحزب الشيوعي وغيرها من القوى التي تؤمن بضرورة وقف الحرب.
وشدد الواثق البرير على أن قرار اتخاذ الحرب كان عسكريا خالصا، بما انعكس على إطالة أمدها، لكن وقفها يحتاج إلى تضافر جهود المدنيين والعسكريين، وسط اعتقاد سائد بأن تكون هذه الحرب هي الأخيرة قبل التوجه نحو التحول الديمقراطي.
وترى “تقدم” ضرورة في أن يكون الحزب الشيوعي وحزب البعث جزءا من قيادة أو هياكل تحالف التنسيقية المدنية، من دون استبعاد حدوث تنسيق معهما في المواقف الرافضة للحرب، والتصورات العامة في صياغة الدستور، والرؤية السياسية المتعلقة بالمفاوضات، وكل القضايا المستقبلية في السودان.
ووقّع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) على وثيقة مع تحالف “تقدم” في الثاني من يناير الماضي عرفت بإعلان أديس أبابا، وتستهدف إنهاء الحرب.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الدعم السريع انفتاحها على وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار عبر التفاوض مع الجيش رفض قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان عقد لقاء مباشر مع حمدوك، على غرار لقاء الأخير مع حميدتي.
كما رفض البرهان أكثر من محاولة للقاء حميدتي، وتنصل من التزامات تعهد بها وفده في مفاوضات منبر جدة، والذي تقوده وساطة السعودية الأميركية، وتمسك بتغليب الحلول العسكرية، معتقدا أن قواته التي فشلت على مدار عشرة أشهر في هزيمة الدعم السريع يمكنها تحقيق ذلك الآن وبعد تكبدها خسائر فادحة.
وتشكك جهات محسوبة على الجيش السوداني في ولاءات “تقدم” السياسية، وهو ما تتخذه حجة لتنصل البرهان من لقاء حمدوك، والتأثير سلبا على نشاط تحالف يسعى لوقف الحرب، نجح في توصيل رؤيته إلى قوى عديدة معنية بالأزمة السودانية.
ورفض نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الاعتراف بتنسيقية “تقدم” ككيان مستقل، واصفا إياها بـ”الجناح السياسي” لقوات الدعم السريع، ما يشي بانسداد أفق الحوار بينها وقائد الجيش وعدم التجاوب مع دعوات وقف إطلاق النار.
ويقول متابعون إن ممانعات الجيش تعود إلى عدم انخراطه في تحركات تحالف أحد أبرز أهدافه إجبار البرهان ومن معه على التخلي عن السلطة وتسليمها لقيادة مدنية، ويقود هذه الممانعة الجناح الإسلامي الذي يعتقد أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد الذي يجب تبنيه، ومن هنا يأتي الصدام مع أي تحركات ترمي إلى الدخول في مفاوضات جدية، ووضع لبنة أساسية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب.
ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن “تقدم” تكسب أرضية سياسية بانفتاحها على قوى داخلية وخارجية، وعدم قصر رهانها على لقاء قائد الجيش، والذي يمكن أن يحدث في أي لحظة ولا يحمل نتائج حقيقية تسهم في وقف الصراع، وقد يتحول إلى أداة يوظفها البرهان لإبراء الذمة وتأكيد حسن نواياه حيال التفاوض دون تعاون كامل مع “تقدم” بما يفضي إلى وضع حد للصراع وترتيب المرحلة التالية عليه.
وتظل ممانعات الجيش المعلنة والمبطنة للتوصل إلى تسوية عقبة رئيسية أمام الجهات الساعية لتفعيل المفاوضات بينه وقوات الدعم السريع، والتي يمكن أن تقود إلى البحث عن خيارات أخرى لتقويض دور الجيش، خاصة أن ميزان القوى لا يميل لصالحه.
العرب
المصدر: صحيفة الراكوبة