قالت مصادر سودانية إن قرار رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان تشكيل رئاسة هيئة أركان جديدة، وقبله إخضاع جميع التشكيلات العسكرية لقانون الجيش، يندرجان في تهيئة الأجواء أمام تحركات أميركية تريد طرح مقاربة سياسية لوقف الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع.
وبحسب وكالة الأنباء السودانية (سونا)، فقد تقرر تعيين الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين الحسن، رئيسا لهيئة الأركان، وتعيين الفريق الركن مجدي إبراهيم عثمان خليل، نائبا لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق مهندس د. ركن خالد عابدين محمد أحمد الشامي، نائبا لرئيس هيئة الأركان للتدريب، والفريق الركن عبدالخير عبدالله ناصر درجام، نائبا لرئيس هيئة الأركان للإدارة.
كما تضمنت القرارات التي شملت رئاسة الأركان، تعيين الفريق الركن محمد علي أحمد صبير، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، والفريق الركن مالك الطيب خوجلي النيل، نائبا لرئيس هيئة الأركان للعمليات.
وجاءت هذه التعيينات بعد قرار بإخضاع جميع التشكيلات المسلحة إلى قانون الجيش، في خطوة تستهدف ضبط حالة الانفلات، وفرض مركزية القرار العسكري.
وأكدت المصادر لـ”العرب” أن الخطوة تواجه تحديات في كيفية القيام بعملية الدمج، فالتجارب السابقة لم تكن ناجحة، وخلقت انطباعات سلبية، وأوجدت حساسيات بين القيادات العسكرية، وأصبح الجيش موزعا بين مراكز قوى مختلفة، ما يفرض أن تكون الخطوة الجديدة مدروسة بعناية، حتى لا تؤدي إلى تجاذبات بين وحدات الجيش.
وتلقى قائد الجيش تحذيرات من دول صديقة للسودان ومجاورة له، بشأن عواقب عمل ميليشيات ذات طابع إسلامي بعيدا عن المؤسسة العسكرية، وأن هذه المسألة يمكن أن تتطور وتخلق صعوبة في السيطرة على حركتها الميدانية، حيث بدت كقوات مستقلة، ولا يوجد نفوذ عليها من قبل المؤسسة العسكرية.
ووجد قادة في الجيش حلا في ضم التشكيلات الفرعية تحت عباءته بعد أن خاضت معارك ضارية بجانب القوات النظامية، وساعدتها في استعادة الكثير من الولايات التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
وكانت العاصمة الخرطوم من أكثر الجبهات التي ظهر فيها دور الميليشيات المساندة للجيش، وخاضت معارك كر وفر، تتناسب مع الطريقة التي تجيد بها قوات الدعم السريع الحرب في المدن.
وأشارت تقارير سودانية إلى أن مباحثات البرهان مع المبعوث الأميركي الخاص مسعد بولس في سويسرا قبل أيام، تطرقت إلى مستقبل الحركات المسلحة، وحماية الجيش من التدخل السياسي، والتفاوض على خارطة طريق لإنهاء الحرب، وتمسك البرهان برفض قبول الدعم السريع كقوة داخل الجيش مرة أخرى.
ويقول متابعون إن الولايات المتحدة تعتزم طرح مبادرة، بالتنسيق مع مصر والسعودية والإمارات (أعضاء اللجنة الرباعية)، تعتمد على منح فرصة للقوى المدنية، وإخراج جميع القوى العسكرية من المشهد السياسي، عن طريق دمجها في الجيش أو حلها وتحويلها إلى كيانات مدنية، وإذا تم استئناف المفاوضات يبدو الجيش برأس واحدة، وليس برؤوس متعددة.
وجاء قرار البرهان بإخضاع جميع القوى لقوانين الجيش، بعد أيام قليلة من اللقاء مع المبعوث الأميركي في سويسرا، وهو ما يمنح فكرة الربط بينهما وجاهة سياسية، فقد يكون هذا اللقاء محطة مهمة لمزيد انخراط واشنطن في أزمة السودان، والعمل على وقف الحرب وإيجاد صيغة مناسبة للتسوية.
وكي لا يقع قائد الجيش في موقف يظهر تناقض موقفه، اتخذ قرارا بدمج القوى الموازية، وهذا لا يعني أنه ضمن التناغم داخل المؤسسة العسكرية، حيث سبق أن ضم قوات الدعم السريع في الجيش بشكل قانوني منذ سنوات، ولم يحل ذلك دون وقوع خلاف حاد بين القادة العسكريين، أفضى إلى اندلاع صراع بينهم ثم نشوب حرب ضارية.
وقد يفجر استيعاب التشكيلات العسكرية داخل الجيش أزمة كبيرة تضرب بعضا من هياكله، في ظل غموض الآلية التي سيتم العمل بها لتنفيذ القرار، الذي صدر بشكل عام ويحوي غموضا في عملية إنزاله على الأرض، ويحتاج تطبيقه إلى تصورات محددة، لأن القوى المسلحة المعنية لم تعلن موقفها بوضوح منه، ولم يعرف ما إذا كانت طريقة استيعابها سوف تتم بشكل فردي أم جماعي، وهل سيحتفظ كل تشكيل بعناصره، ويصر على أن يكون للدمج خصوصية مستقلة، خوفا من الذوبان العسكري.
وأخفق الجيش السوداني في عملية دمج الحركات المسلحة بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، والتوقيع على اتفاق جوبا للسلام مع عدد من الحركات، وظلت هذه واحدة من الإشكاليات التي أرّقت قيادة الجيش، حيث تمسكت غالبية الحركات بجنودها، وطالبت بضمانات أمنية في المناطق التي تسيطر عليها بعد تسليم سلاحها، وصرف تعويضات مالية للمواطنين، ووضع رؤى واضحة لقادتها داخل الجيش.
ومن المتوقع أن تتحفظ الحركات المسلحة على قرار الجيش الجديد، قبل التوصل إلى تفاهمات معه حول إدارة معركة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، بعد اتهامات وجّهها حاكم الإقليم مني أركو مناوي مؤخرا، حول شكوكه في مواصلة الجيش المعارك في دارفور، وحيال هذه الشكوك ربما يمانع مناوي تسليم سلاح حركته.
وسوف يصبح الأمر أشد صعوبة مع قوات ما يسمى بـ”فيلق البراء بن مالك”، لأنه أبرز الجهات المستهدفة من القرار، ومنذ استعادة السيطرة على الخرطوم وقائد الفيلق المصباح أبوزيد طلحة يقدم نفسه كقوة رئيسية في المعادلة العسكرية، وينسب إلى نفسه أنه مكّن الجيش من العودة إلى الخرطوم، ما تسبب في حرج سياسي داخل الجيش، عزز اتهامات تلاحق قائده البرهان بالتهاون مع الحركة الإسلامية التي زادت من اختراقها لصفوفه عقب اندلاع الصراع مع قوات الدعم السريع.
وأصدر الجنرال البرهان، الأحد، قرارا بإخضاع جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة وتحمل السلاح، إلى قانون المؤسسة العسكرية وتعديلاته، ويتم تطبيقها على جميع منسوبيها، وتصبح تلك القوات تحت إمرة الجيش في المناطق العسكرية.
وشاركت مع الجيش في حربه ضد الدعم السريع، حركات مسلحة من إقليم دارفور تحت مسمى “القوات المشتركة”، وعناصر ذات توجهات إسلامية اتخذت لها أسماء مختلفة، مثل قوات “درع السودان” و”فيلق البراء بن مالك” و”المقاومة الشعبية”.
وأجرى مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا زيارة ميدانية إلى الخطوط الأمامية في إقليم كردفان، الأحد، والتقى قائد قوات “درع السودان” اللواء أبوعاقلة كيكل، لتأكيد التنسيق بين الوحدات المختلفة لضمان فاعلية الأداء وتحقيق الأهداف المرسومة.
المصدر: صحيفة الراكوبة