اخبار السودان

تنظيم والعياذ بالله السودانية , اخبار السودان

خالد فضل

 

تنظيم والعياذ بالله

خالد فضل

عندما قال الأستاذ الشهيد محمود محمد طه إنّهم يفوقون سوء الظن العريض؛ اعتبرها البعض ضمن مفردات الذم السياسي والتناقض الفكري بين زعيم الجمهوريين وتلك الجماعة. خاصة وأنّه قالها في وقت مبكر، ولم يك السودانيون قد جربّوا عمليا سيطرة وهيمنة تلك الجماعة على مقاليد السلطة ومفاتيح الثروة في بلادهم. وقد دفع الشيخ السبعيني روحه فداء على يدي سلطة الهوس الديني التي شادوها على مقاصل الشنق والصلب وبتر الأيدي للفقراء والمشردين وسموق أعمدة (العمارات الشوامخ) وصكوك التمويل الإسلامي للمرابين من أفراد التنظيم، وليكتشف من أوتي الحكمة فيما بعد صدق تلك العبارة، بينما ما يزال من نزعت منهم البصيرة ينساقون خلفهم كما تهمي الدواب خلف راعيها.

تنظيم تبرأ منه أحد مؤسسيه؛ الراحل يسن عمر الإمام عندما قال قولته المشهورة بأنّه يخجل أن يقف أمام الناس ليقول إنّه منتم له، ولا يمكنه دعوة الناس إلى الإسلام في المساجد ولا يحثّ أحفاده للانضمام إليه. تُرى ما الذي عاشه وخبره الشيخ المرحوم من مخازي وانحطاط تلك الفئة حتى يصل لهذه الدرجة من التبرؤ؟ وما يزال في عامة الناس من له حسن ظن!

تنظيم يبرع أيمّا براعة في اشعال الفتن والنزاع وسط شعبه منذ ظهوره في الستينات من القرن الماضي، يغيّر طلاء واجهته كل حين بينما الأصل كما هو عارتبين عورته، شعاره حكمة ميكافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) ويرفع كتاب الله؛ القرآن على أسنة رماح الطمع والأنانية وشح الأنفس. أتذكرون بداية تفكيك الوحدة الوطنية على أيام الجمعية التأسيسية عقب ثورة أكتوبر 1964م عندما صرّح عرّابه المرحوم د. الترابي بأنه لا يجوز لغير المسلم تولي رئاسة الجمهورية في ظل ما كان يدعو له من دستور إسلامي وهو سجال دار بينه والمرحوم فيليب عباس غبوش حول تلك النقطة، يومها خرج الأب فيليب ومعه النواب غير المسلمين من الجنوب رافضين المشاركة في مداولات برلمان يسعى لتمزيق شعب البلاد على أسس دينية حسبما أفادوا حينها.

بعد أن صالحوا النميري في أواسط السبعينات، هجموا أولا على مظان الثروة فأسسوا البنوك تحت لافتة إسلامية، ثمّ أغاروا على الجيش بزراعة خلايا مليشياتهم فيه، ثمّ انقضوا على عماد البلاد، دستورها وقوانينها وبزعم الإسلام فتتوا الوحدة الوطنية ودمروا ميراث التعايش الوطني. وبعد أن استتب لهم أمر السلطة تماما بخدعة (اذهب للقصر رئيسا وساذهب للسجن حبيسا) أعملوا آلاتهم الصدئة في نشر السموم والجهالات، واشاعوا الذعر والرعب، وجاهدوا في سبيل الجاه والسلطة كما لم يجاهد من قبلهم جماعة في السودان، وبالنتيجة انشطر الشعب الواحد إلى بلدين.

ولمّا قال الشعب كلمته وثارت معظم فئاته ضدهم في ديسمبر، أسرّوا الضغينة واضمروا الانتقام، إذ كيف للشعب الذي أبادوه وقسموه وزجروه وعذبوه أن ينتفض ثائرا ضدهم، ويهتف هاتفه من الشباب (سودان بدون كيزان)! فجمعوا كل خبثهم وخبائثهم وتكالبوا على الثورة والثوار، فدبّروا مذبحة ساحة الاعتصام التي أثلجت صدر ناعقهم عبدالحي يوسف حين فطرت قلوب الأمهات، وفصّدت بالدموع خدود الشقيقات على شهيد ومفقود ومرمي في قاع النيل وبعض مغتصبات. فلما لم يرعو الشعب خططوا ونفّذوا إنقلاب 25أكتوبر2021م، ففاجأهم السيل المدني السلمي مشرعا الصدور لرصاص الغدر والخيانة والقذارة فكانوا في منشوراتهم على الوسائط يحصون الشهداء ويتلذذون بوصفهم (فطايس). فلم يجْدِ مكْرَهم لأن وصية الشهيد الأخيرة (اكتبوا على شاهد قبري حرية مدنية عدالة وسلام) فقرروا رمي كرتهم الأخير والأقذر؛ التدمير الكامل للبلاد وإفناء أكبر قدر من الشعب وتصفية أي ثائر بفرية التعاون مع العدو الذي صنعوه من قبل ليسندهم في ارتكاب الموبقات كلها، وعندما شعر (حمايتي) بالفخاخ التي تنصب، صار هو العدو الذي على الشعب (خالي الذهن) أن يحاربه انتقاما لتشرده ونهبه وقتله واغتصاب حرائره بوساطة مليشياته (الاشاوس سابقا) وأعضاء التنظيم بكل رزاية تحل بالناس مبتهجون، تكاد وسائطهم تزغرد نشوة لكل خبر انتهاك أو وجع مصيبة تحل بالناس في الخرطوم الجزيرة سنار كردفان ودارفور. ولسان حالهم يردد أيمّا انتهاك من جانب المليشيا في أي بقعة من السودان ستأتي نتيجته في مصب إعادة التمكين. هذه أخلاقهم التي تربّوا عليها؛ مصائب الشعب عندهم فوائد إعادة الألق والبريق لتنظيمهم الكالح كما أفتى شيخهم الموتور عبدالحي. وما يزال هناك من المرموقين في الأكاديميا على مستوى مدرجات الجامعات والتحليل ونشر الكتب والمقالات باللغتين العربية والإنجليزية من يحدثون الناس عن (مؤسسة الحداثة) التي يهزئ ضباطها وعلى الملأ؛ أمراء مليشيات التنظيم، وما تزال عندهم رمز عزة الدولة السودانية العبوب ولافتة كرامة لشعب منكوب والشيخ المأجور يفتي من استانبول!

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *