تمهيد لعودة البشير
محمد الصادق
الصراع داخل المؤتمر الوطني حول زعامة الحزب كأنما يمهّد لعودة البشير ولو مؤقتا.
ولكن البشير إن عاد فسيعود قائدا للجيش وليس رئيسا للمؤتمر الوطني.
من قبل حاول البشير بمساعدة صلاح قوش التملص من الكيزان بعدما احترقوا سياسيا ، لا سيما وأنه في الأصل كان بعثيا ناصريا وما كان من الإسلاميين. ومع أنه أفشل انقلابا للبعثيين لكن عندما حدث انقلاب ٣٠ يونيو ٨٩ زج بالإسلاميين في السجون مثل غيرهم ، ويذكر الناس مقالات بعض الكتاب الصحافيين أمثال الطيب صالح: (هل هؤلاء الرجال جبهة؟!) ، ثم أنه في محاكمة مدبري انقلاب يونيو تبرأ كل الإسلاميين من تدبير الانقلاب في حين اعترف البشير بكل شجاعة بمسؤوليته في القيام بالإنقلاب.
عودة البشير لو تمت تعني العودة لما قبل ثورة ديسمبر ، بما يعني فشل الثورة ، بل وتحميلها المسؤولية عن كل ما حدث من كوارث، ويعني كذلك أن التغيير الذي أحدثته اللجنة الأمنية برئاسة ابن عوف بإقتلاع النظام والتحفظ علي رأسه كان باطلا من الأساس.
البشير اختلف مع الترابي واستبعده من الحكم بل وسجنه ؛ وحتي أن الترابي ذكر أن مجلس قيادة ثورة الإنقاذ تم حله بعد لأي ومراوغة ، مما يدل علي أن البشير لم يكن لعبة في يد الحركة الإسلامية كما كان يظن البعض؛ بل إن بعض قيادات الحركة ظلت تردد في سنين الأنقاذ الأخيرة أن الإسلاميين لم يحكموا بعد.
نعم .. لقد كان لخطابات البشير طابع ديني وقد كان يستدل بالقرآن ، ويردد آياته مثل آية : {الَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَقَالُوا۟ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ} لكن المعروف ان الرجل كان أقرب إلى التساهل منه إلي التشدد ، وكان يحب الرقص والطرب ، ولا اقصد الرقص الذي كان يعقب كلماته في اللقاءات الجماهيرية ، ولكنه شوهد في بعض الفيديوهات يرقص مع افراد من اسرته في حفل عرس لبعض أقاربه ؛ والمعروف أيضا أن الرجل يعشق برنامج “أغاني وأغاني”، ورفض طلبا لوقف البرنامج من بعض كبار الشيوخ.
البشير إذن كان يمثل كابحا لجنوح الإسلاميين نحو التشدد ، لكنه كان يتركهم يرعون بقيدهم لأنهم كانوا شركاءه في السلطة ؛ وربما كان حميدتي يمثل حماية للبشير من الكيزان أنفسهم ، حيث فشلوا في ترشيح بديل عنه قبل وبعد ٢٠١٥م.
بعد ثورة ديسمبر كان هناك عدم ثقة كبير بين العسكر والمدنيين ، ثم ما لبث أن انشق المدنيون إلي “كتلة” و”مركزي”، ثم انشق العسكر إلي جيش ودعم ، مما أدي إلي تداعي الدولة وانهيارها ، واندلعت واحدة من أسوأ الحروب في التاريخ الحديث ، بسبب ترامي أطراف الدولة السودانية التي هي أقرب إلي القارة بالنسبة إلي ضخامة المساحة ، مما أدي إلي زعزعة عشرات الملايين من الناس.
الحراك السياسي داخل المؤتمر الوطني ربما كان سببه أنهم اقتنعوا أخيرا بأن التمسك بالحسم العسكري كخيار وحيد سيؤدي حتما إلى تفتت الدولة في نهاية المطاف.
المؤتمر الوطني يعلم أنه لن يعود كحزب حاكم وإن عاد البشير فسيعود لفترة وجيزة جدا ، من أجل إعادة السيطرة على جميع المليشيات ، ولكونه شخص توافقي بعد أن عقمت حواء السودان وأنه جاء لتحقيق السلام وإجراء انتخابات نزيهة تخرج الناس من ويلات الحرب ومن التفتت الوشيك .
البشير مطلوب للعدالة الدولية ، وقد تقدم في العمر ، فقد دخل في العقد التاسع، ووضعه الصحي ليس جيدا ، ولكن رأينا من قبل رؤساء عرب يتنقلون علي كرسي متحرك وكل هذا من أجل الأستقرار وقد رأينا حتي الثورة التونسية رأئدة الربيع العربى تختار رجلا عمره ٨٧ عاما وهو الباجي قائد السبسي رئيسا للجمهورية ، وقد قضي أثناء فترة رئاسته ؛ بل وحتي أمريكا رفضت الشباب واختارت العجائز ، وهذا يعني أن الديمقراطيين فرطوا في بايدن الرجل الخبرة ، مما مكن من “أعظم عودة سياسية في التاريخ” كما سماها فانس نائب ترامب؛ لكن الظاهر أن هناك ستكون عودة اكبر، وهي عودة البشير.
□■□■□■□■
>>> تذكرة متكررة
نذكّر بالدعاء علي الظالمين
في كل الأوقات .. وفي الصلاة
وخاصة في القنوت
قبل الركوع الثاني
في الصبح
علي الذين سفكوا الدماء
واستحيوا النساء
واخرجوا الناس من ديارهم
بغير حق
واسترهبوا الناس
النساء والاطفال وكبار السن
وساموهم سوء العذاب
وعلي كل من أعان علي ذلك
بأدني فعل أو قول
(اللهم اجعل ثأرنا
علي من ظلمنا)
فالله .. لا يهمل
ادعوا عليهم ما حييتم
ولا تيأسوا ..
فدعاء المظلوم مستجاب
ما في ذلك شك :
{قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی
لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُم}.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة