“تمرد كيكل” على حميدتي هل يغير معادلة الحرب السودانية؟
سلم قائد ميداني في قوات “الدعم السريع” في ولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل اليوم الأحد نفسه للجيش السوداني في منطقة جبل الليبيتور بسهول البطانة التي تقع وسط السودان، وذلك برفقة قواته وكامل عتاده الحربي.
وظهر كيكل، الذي يعد أحد أبرز القادة الميدانيين لـ”الدعم السريع“، في مقطع فيديو مصور تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي مع مجموعة من جنود الجيش السوداني وسط احتفالية وفرحة كبيرة من الطرفين عند نزوله من مركبة قتالية وهو يصافح مستقبليه من أفراد الجيش بحفاوة.
وتشير مصادر عسكرية إلى أن استسلام كيكل تم بعد مفاوضات استمرت أشهراً عدة شاركت فيها إدارات أهلية، ثم أعقبتها مفاوضات دامت أسابيع بين استخبارات الجيش السوداني والقائد كيكل قبل أن يقرر الأخير الاستسلام مع قواته، فيما عزت المصادر نفسها أسباب الاستسلام إلى ما واجهه كيكل وقواته من ضغوط عسكرية من قبل الجيش الذي بدأ يستعيد قوته وانتقاله من حالة الدفاع إلى الهجوم، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي نشبت داخل قوات “الدعم السريع”.
زيف وباطل
اعتبر الجيش السوداني تسليم كيكل بمثابة “انحياز إلى الحق والوطن بعد مغادرته لصفوف المتمردين ليقرر بعدها القتال جنباً إلى جنب مع قواتنا”. وأضاف في بيان باسم الناطق الرسمي للجيش، “جاء استسلام كيكل ومعه مجموعة كبيرة من قواته بعدما تكشف لهم زيف وباطل دعاوى ميليشيات ‘آل دقلو’ الإرهابية وأعوانهم، وأنهم مجرد أدوات لتمرير أجندة إجرامية دولية وإقليمية لتدمير البلاد أرضاً وشعباً ومقدرات”.
وتابع البيان، “ترحب القوات المسلحة السودانية بهذه الخطوة الشجاعة من قبلهم، وتؤكد أن أبوابها ستظل مشرعة لكل من ينحاز إلى صف الوطن وقواته المسلحة، كما نجدد عفو السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة لأي متمرد ينحاز لجانب الوطن ويبلغ لأقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان”.
قطع الأوصال
في السياق أوضح الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية معتصم عبدالقادر أن “القوات المسلحة السودانية منذ تكوينها هي قوات دفاع وسلام لذلك منذ اندلاع الحرب وافقت على عشرات الهدن مع الميليشيات المتمردة، ومنذ الأسابيع الأولى للحرب انضمت إلى منبر جدة ووقعت عليه، ولكن الميليشيات وداعميها السياسيين والخارجيين ظنوا أن بإمكانهم الاستيلاء على السلطة عبر هزيمتها”.
وأردف عبدالقادر “على رغم الدعم المتواصل مادياً ولوجيستياً وتوفر كافة الإمكانات والموارد البشرية، فشلت الميليشيات في تسلم السلطة كما فشلت بعد ذلك في الحفاظ على المواقع التي سيطرت عليها، لكن في الـ26 من سبتمبر (أيلول) شنت القوات المسلحة والقوى المساندة لها هجوماً كاسحاً في كل محاور القتال بالخرطوم والولايات، مما قطع أوصال الميليشيات وشل حركة إمدادها وجعل قادتها ما بين هالك وهارب ومستسلم، وكيكل ليس استثناءً، كما أن قواعدها آثرت الهرب من ساحات القتال إلى استهداف المواطنين”.
ولفت إلى أن انضمام كيكل لصفوف الجيش سيجعل استسلام من تبقى من الميليشيات في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم “مسألة وقت”.
وبين الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية أن الجيش السوداني يدعو أي طرف يرفع السلاح ضد الدولة إلى الاستسلام، لكن هذا لا يعني الإفلات من العقاب لجرائم الحرب وجرائم الحق الخاص للمواطنين.
صراعات داخلية
من جانبه قال نائب رئيس “جبهة كفاح” السودانية حذيفة محيي الدين البلول إن “طول أمد الحرب لفترة تتجاوز الـ18 شهراً يجعل من المتوقع حدوث تخلخل في صفوف أطراف الصراع هنا وهناك”، مؤكداً أن “استسلام كيكل وقواته إلى الجيش السوداني يأتي في إطار الاتصالات والتفاهمات التي قادتها قيادات رفيعة في الجيش معه، فضلاً عن الصراعات الداخلية في صفوف قوات ‘الدعم السريع’ إلى جانب الصراع الإثني والجهوي، وهو ما سرع عملية مغادرته صفوف ‘الدعم السريع’، وكان ذلك واضحاً بتغيير شعار مركباته القتالية بشعار قوات درع الشمال”.
وتابع البلول، “بلا شك أن كيكل كقائد ميداني في ‘الدعم السريع’ يمثل قطاعاً كبيراً جداً له تأثير واضح وفعال في صفوف قوات ‘الدعم السريع’، بخاصة أن قواته تسيطر بصورة كلية على ولاية الجزيرة، بالتالي فإن انسلاخه عن ‘الدعم السريع’ يعد ضربة قوة لهذه القوات”.
وقال نائب رئيس “جبهة كفاح” السودانية حذيفة محيي الدين البلول، “أعتقد أن انضمام كيكل للجيش السوداني لن يكون له تأثير واضح من ناحية دعم تيار إيقاف الحرب، لأن حدة الصراع ازدادت في الفترة السابقة وحدث تراجع كبير في ملف السلام”.
مشوار كيكل
وكان كيكل قد عين من قبل قائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان (حميدتي)، قائداً للفرقة الأولى مشاة مدني بولاية الجزيرة، عقب سيطرة قوات “الدعم السريع” عليها في ديسمبر (كانون الأول) 2023. إلا أن كيكل سرعان ما دخل في صراعات مع قيادات أخرى في قوات “الدعم السريع”، بخاصة بعد اتهامه بالاعتداء على المدنيين في مناطق البطانة.
وسيطرت قوات “الدعم السريع” على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة من ضمنها عاصمة الولاية ود مدني في وقت تحاول القوات المسلحة السودانية تحرير هذه الولاية، إلا أنها تواجه باستماته مقاتلي “الدعم السريع” المتمركزين في ولاية الجزيرة.
وأفادت التقارير بأن كيكل حصل على الدعم المالي والعسكري من قائد “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في تجنيد قواته التي تقدر بنحو 35 ألف جندي. وبعد أيام قليلة من بدء المعارك في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، انضم كيكل إلى “الدعم السريع” وشارك في معارك شرق النيل والجزيرة.
وأعلن كيكل تأييده وانحيازه لقوات “الدعم السريع” مع اندلاع الحرب في الخرطوم، لكنه ظهر للمرة الأولى علناً في ديسمبر 2023 من خلال مقطع مرئي قصير مرتدياً زي “الدعم السريع” ومحاطاً بعشرات الجنود وسط أناشيد حماسية، حين نظم عرضاً عسكرياً لقواته بمنطقة الجبال الغر في سهل البطانة. وقال حينها إن انضمامه لـ”الدعم السريع” جاء “من أجل نصرة الهامش ومحاربة فلول النظام السابق من الإسلاميين”.
ووقتها، تداول الناس سيرة كيكل بوصفه أحد ضباط الجيش المتقاعدين، ويمثل تيار الضباط الإسلاميين في الجيش، وكان من المقاتلين في إقليم النيل الأزرق، وتمكن من جمع قوات وسلاحها من قبائل عدة في المنطقة.
وأشار أبو عاقلة كيكل إلى أن هدف قواته هو إعادة التوازن الاستراتيجي في البلاد، بعد أن ألحقت اتفاق “جوبا” للسلام الموقعة في 2020 “ظلماً بمناطق الوسط وشمال وشرق السودان، وانحازت لحركات دارفور”، مبيناً أنه يهدف إلى “القضاء على التهميش السياسي والاقتصادي الذي يعانيه وسط السودان”.
ويتمتع كيكل حسب مقربين منه، بمعرفة كبيرة بسهل البطانة، لا سيما الطرق الخفية، مما شكل خطراً على الجيش، خصوصاً في تقديم الدعم اللوجيستي والعسكري لـ”الدعم السريع” عبر تلك الطرق التي تستخدم غالباً في عمليات التهريب، ولها ارتباطات بالحدود الإثيوبية، بخاصة أن غالب المجندين في قواته التي تحمل اسم “درع السودان” من قبيلة وأقرباء كيكل.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة