“تكوين” بمواجهة اتهامات “الإلحاد والفوضى” في مصر
على مدار الأيام الماضية، انتشرت دعوات واسعة النطاق تطالب بإغلاق مؤسسة أُطلقت حديثا تحمل اسم “تكوين الفكر العربي”، بجانب دعوى قضائية تتهم عددا من أعضاء مجلس الأمناء بالمؤسسة بـ”نشر الإلحاد وإحداث فتنة وفوضى خلاقة”.
واستهدفت الدعوى القضائية كلا من الصحفي البارز إبراهيم عيسى، والروائي يوسف زيدان، والكاتبة فاطمة ناعوت، فيما استنكر قائمون على المؤسسة هذه الانتقادات التي لم تنتظر حتى بدء عمل “تكوين”.
بدأ الأمر بعد انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي الأول لمؤسسة “تكوين”، السبت، في المتحف المصري الكبير، بمشاركة مجموعة كبيرة من المفكرين والأكاديميين من دول عربية مختلفة.
وأصبح وسم “إغلاق مركز تكوين” الأكثر تداولا في مصر خلال الأيام الماضية، وسط مطالبات بـ”تدخل” الأزهر، الذي يعد أكبر مؤسسة سنيّة في العالم الإسلامي.
ماذا نعرف عن “تكوين”؟
يقول الموقع الرسمي للمؤسسة إنها تعمل على “تطوير خطاب التسامح، وفتح آفاق الحوار، والتحفيز على المراجعة النقدية، وطرح الأسئلة حول المسلّمات الفكرية، وإعادة النظر في الثغرات التي حالت دون تحقيق المشروع النهضوي الذي انطلق منذ قرنين”.
كما تهدف “تكوين” إلى “وضع الثقافة والفكر العربي في أطر جديدة أكثر حيوية وتواصلا وشمولا مع المجتمع العربي”، وتأسيس “جسور من التواصل بين الثقافة والفكر الديني، للوصول إلى صيغة جديدة في النظر والتعامل مع الموروث الديني، باعتبار أن بعض تأويلاته القديمة أدت بالمجتمعات العربية والإسلامية إلى ظهور واحتضان مجتمعاتنا لأفكار متطرفة وتأويلات رجعية، أساءت للدين الإسلامي الحنيف، وسعت لتمزيق مجتمعاتنا على أسس طائفية ومذهبية”.
ويضم مجلس الأمناء للمنظمة، كلا من الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، والروائي يوسف زيدان، والكاتب السوري المتخصص في تاريخ الأديان فراس السواح، والباحثة اللبنانية المتخصصة في الفكر العربي الإسلامي نايلة أبي نادر، والباحثة في الإسلاميات والتّحليل النفسي وقضايا الجندر، الأستاذة بالجامعة التونسية، ألفة يوسف، والباحث المصري إسلام البحيري.
ونشرت مؤسسة “تكوين” على مدار الأيام الأخيرة عبر موقعها ومنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، محتوى ناقش على سبيل المثال “دور الوعاظ المتطرفين في صناعة وتدوير آلة التطرف في المجتمعات العربية”، وذلك خلال حلقة “بودكاست” جمعت ناعوت والبحيري.
كما جاءت حلقة أخرى بعنوان “إلى أي مدى يمكن أن تساهم المناهج التعليمية في صناعة إنسان متطرف أو عالم؟”، وكان ضيفها وزير التربية والتعليم المصري السابق طارق شوقي.
اتهامات بالإلحاد ورد بالثقافة
لم يكد ينشر مركز “تكوين” على صفحاته أي مقطع، حتى انهالت التعليقات التي تهاجمه وتنتقد بشدة أعضاء مجلس الأمناء.
ومن بين أبرز المنتقدين على صفحته على فيسبوك لانطلاقة المركز، الداعية المعروف عبد الله رشدي، الذي كتب: “كلكم شهدتم التحالف الجديد لأهل الضلال تحت مظلة واحدة بطريقة منظمة لنخب ثوابت دينكم. يبدو أن المواجهة ستتخذ أشكالاً جديدة”.
من جانبه، قرر المحامي بالنقض، عمرو عبد السلام، رفع دعوى قضائية ضد “تكوين”. وقال في تصريحات لموقع “الحرة”، إن القائمين على المركز “ينفذون مخططا من أجل مسح الهوية الدينية للشعوب العربية، ونشر الإلحاد بقصد إحداث فتنة وفوضى خلاقة بالمنطقة”.
وأوضح عبد السلام أنه تقدم ببلاغ للنائب العام المصري ضد عيسى وناعوت والبحيري، “بتهمة تلقي أموال من جهات أجنبية مجهولة لتنفيذ مخططاتهم المشبوهة، ونشر الفتنة بين عموم الشعب المصري للإضرار بالأمن القومي والسلم الاجتماعي”.
وأوضح أن النائب العام “أصدر قراره بتكليف نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغ”.
وللرد على تلك الاتهامات، نشر الروائي زيدان تفاصيل متعلقة بالأهداف والأسباب التي يقوم عليها المركز، وقال إن “الأيام الماضية كانت مرهقة جدا، ووجدت رسائل وهجوم وصخب كبير.. أمور تافهة جدا”.
وتابع في بث مباشر، الأربعاء، على صفحته بفيسبوك: “قلت خلال فعالية انطلاق تكوين: اليوم تبدأ محاولة أخرى بعد محاولات سابقة عديدة قام بها رفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد وطه حسين ونجيب محفوظ، لتحريك الواقع الثقافي العربي، وهذا ما سنقوم به”.
وتابع: “هناك من شعر بفزع نفسي، والدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) أعلن أنه سيشكل لجنة لبحث الأمر،.. أنت شيخ الأزهر وبيننا صلة قديمة، اتصل بنا وقل لنا ما موقفنا من الأزهر؟ وسنخبرك أنه لا موقف لدينا. لنقم بتشكيل لجنة ونرى ما إذا كانت هناك أي انحرافات أم لا”.
ولم يصدر الأزهر أية بيانات رسمية بخصوص مؤسسة “تكوين”، وإن كانت قد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنباء عن تشكيل الأزهر منصة للرد على خطوة إطلاق المؤسسة، وهي أنباء تم نفيها.
وحول هذا الأمر، قال رئيس تحرير صحيفة “صوت الأزهر” التابعة للمؤسسة الدينية العريقة، أحمد الصاوي، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن الأزهر “لم يصدر أي تعليقات رسمية في هذا الشأن”.
وحاول موقع الحرة التواصل مع المركز الإعلامي للأزهر، ولم يتمكن من الحصول على تعليق سواء هاتفيا، أو عبر رسائل واتساب مع أحد المسؤولين بالمركز.
من جانبها، قالت ناعوت في تصريحات لصحيفة “المصري اليوم”، ردا على الهجوم على المؤسسة: “كيان (تكوين) أنشئ في المقام الأول بهدف الدفاع عن الأديان ضد مشوهيها، وليس مهاجمتها”.
واستطردت: “أغلب المهاجمين للكيان الجديد الذي يهدف إلى تنوير العقول ينقسمون إلى قسمين، الأول مجموعة يخشون من كشف حقيقتهم أمام العامة، مثل تجار الدين الذين يستغلون الدين من أجل مصالحهم الشخصية، والمتطرفون، وأصحاب المصالح، أما القسم الآخر فهم مجموعة من الأشخاص (الطيبين) الذين يقلدون هؤلاء الأشخاص دون معرفة أو دراية بالأحداث”.
وتابعت: “ردي على المهاجمين هو أن الكبار يهتمون بالأفكار، أما المتوسطين فيهتمون بالأحداث، بينما يهتم الصغار دائما بالأشخاص”.
وبدوره، قال زيدان: “لماذا هذه الجعجعة والفزع؟ لماذا يخافون بهذا الشكل؟.. مستمرون ولو تم إغلاق مؤسسة تكوين، أنتم الخاسرون”.
هل يتدخل الأزهر؟
لم يصدر الأزهر أي بيان بيان رسمي حول الأمر، لكن الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والمشرف على الفتوى بالأزهر، عباس شومان، قال عبر صفحته على فيسبوك: “تتابع الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء حقيقة ما ينشر عن تكوين كيان للنيل من ثوابت الدين وأخلاقيات وقيم الأمة”.
وتابع، الإثنين: “سيتم اتخاذ ما يلزم بعد الوقوف على الحقيقة”.
فيما قالت ناعوت حول إمكانية تدخل الأزهر وتحركه ردا على إطلاق مؤسسة تكوين: “أهلا برد الأزهر لأننا في خانة واحدة، وهي محاربة التطرف وتشويه الدين، والأزهر هو قلعة التنوير ومحاربة تجار الدين والأدعياء”.
وفي هذا الصدد، قال الصاوي في حديثه للحرة، إن الحديث عن تشكيل مركز لمجابهة مؤسسة تكوين “غير صحيح”، مضيفًا أن “كثيرين اعتقدوا بأن وحدة (بيان) التابعة للأزهر تم إطلاقها للرد على ذلك”.
لكنه أوضح: “وحدة بيان هدفها مواجهة الشكوك الإيمانية التي تسببت في زيادة ظاهرة الانتحار، بعد وفاة عدد من الشباب، الذين قبل وفاتهم كانوا قد بدأوا بترديد أسئلة وجودية”.
وتابع: “يمتلك وحدة بالفعل لمواجهة الشكوك الإيمانية والإلحاد والميول الانتحارية وغيرها، ونعمل على التوعية، ونقوم بجولات ومحاضرات في الجامعات والمدارس.. نعمل على ذلك منذ وقت طويل بالفعل”.
وتأسست “بيان” في مارس عام 2019، كإحدى وحدات مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، للتعامل مع أسئلة الجمهور حول قضايا العقيدة والثقافة الدينية. وأشار الصاوي إلى أنها “أطلقت عدة مبادرات توعوية على مدار 4 سنوات، بالتعاون مع وزارات الشباب والتعليم العالي”.
المصدر: صحيفة الراكوبة