قالت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، إن طرفي الصراع في البلاد استهدفا السكان المدنيين بشكل متعمد، وارتكبا جرائم حرب واسعة ومنهجية. وقد ترقى بعض هذه الأفعال إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الاضطهاد والإبادة.

الخرطوم ــ التغيير

وخلص التقرير الأحدث للبعثة، الذي صدر يوم الجمعة تحت عنوان «حرب الفظائع»، إلى أن القوات المسلحة السودانية ارتكبت جرائم حرب، مثل تنفيذ عمليات إعدام دون محاكمات أو ضمانات قضائية، بالإضافة إلى انتهاكات للكرامة الشخصية من خلال تدنيس جثث الموتى.

من جانبها، ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية، لا سيما القتل، والاضطهاد على أسس عرقية، والتهجير القسري، وغيرها من الأعمال اللاإنسانية، وفقًا للتقرير.

وأضاف التقرير، أن البعثة وجدت أن الأطراف المتحاربة وحلفاءها شنّوا هجمات واسعة النطاق ضد المدنيين في شمال دارفور والجزيرة والخرطوم. واستهدفوا المدنيون عمدًا بناءً على انتمائهم العرقي أو انتمائهم المفترض للطرف الآخر، ووثقت البعثة عمليات قتل، بعضها على نطاق واسع، وإعدامات، وإصابات بين المدنيين.

كما سجلت البعثة حالات عقاب جماعي، وأعمال انتقام، ونزوح قسري مرتبط بالنزاع.

وأفاد التقرير بأن قوات الدعم السريع، خلال حصارها للفاشر والمناطق المحيطة بها، ارتكبت مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاسترقاق، والاغتصاب، والاستعباد والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والاضطهاد على أسس عرقية واجتماعية وسياسية.

وأضاف أن قوات الدعم السريع وحلفاءها استخدموا التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، من خلال حرمان السكان المدنيين من المواد الأساسية اللازمة لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والدواء والمساعدات الإغاثية، وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية.

وأشار التقرير أيضًا إلى أن القوات المسلحة السودانية، وفي بعض الحالات بمشاركة مدنية، مسؤولة عن تدنيس جثث الموتى وتعريض الضحايا لفضول الجمهور.

وقال التقرير إن «إعدام المدنيين أو الأشخاص العاجزين عن القتال دون ضمانات قضائية يُعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي. وترى البعثة أن هذه الممارسات تنتهك أيضًا القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي والحماية من التعذيب وعدم التمييز وضمانات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة».

دعوة للمساءلة والعدالة

شدد التقرير على أن تحقيق العدالة والحماية يجب أن يتم فورًا، دون انتظار للتوصل إلى اتفاق سلام. وتابع أن المؤسسات المحلية في السودان لا تزال غير راغبة أو قادرة على إجراء تحقيقات ذات مصداقية، داعيًا المجتمع الدولي إلى مساندة المحكمة الجنائية الدولية واستخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة الجناة، وضمان أن يتحمل المسؤولون عن ارتكاب الفظائع عواقب أفعالهم.

وأشار التقرير إلى أن البعثة زارت إثيوبيا وأوغندا وتشاد وكينيا، وأجرت 257 مقابلة بين أكتوبر 2024 ويوليو 2025. كما عقدت أكثر من 50 اجتماعًا ومشاورة مع الضحايا والناجين والمجتمعات المتضررة والمجتمع المدني وخبراء آخرين.

وأوضح التقرير أن البعثة تحققت من 43 مقطع فيديو، وحددت الموقع الجغرافي لثماني هجمات، واستعرضت معلومات من 147 فردًا و32 منظمة من المجتمع المدني، بالإضافة إلى تقارير من مصادر عامة مثل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.

غياب التعاون

ذكر التقرير أن البعثة أرسلت خمس مذكرات شفوية إلى البعثة الدائمة لجمهورية السودان في جنيف، وجددت طلبها لزيارة السودان والاجتماع مع المسؤولين. كما خاطبت رئيس الوزراء كامل إدريس، طالبةً عقد اجتماع وزيارة للسودان. وفي 22 أغسطس الماضي، قدمت مسودة التقرير للتعليق عليها، لكنها لم تتلق أي رد على جميع المراسلات.

كذلك راسلت البعثة قوات الدعم السريع في 14 يوليو 2025، طالبةً عقد اجتماع، وكررت طلبها في 29 يوليو، لكنها لم تتلق أي رد، وفق التقرير.

وقال محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق: «إن النتائج التي توصلت إليها تحقيقاتنا لا تترك مجالًا للشك بأن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب».

وكشف التقرير عن أن الطرفين فشلا في اتخاذ تدابير كافية للحد من أثر الضربات الجوية والقصف المدفعي على المدنيين والبنى التحتية، ونتيجة لذلك تم تدمير مدن وقرى ومخيمات نزوح ومستشفيات ومنازل، بشكل منهجي أو جعلها غير صالحة للسكن، مما أدى إلى نزوح 12.1 مليون شخص، ومعاناة أكثر من نصف سكان البلاد من انعدام حاد في الأمن الغذائي.

كما أشار إلى عرقلة المساعدات الإنسانية ومهاجمة القوافل واستهداف عاملي الإغاثة. وخلص إلى أن طرفي النزاع قاما باعتقال تعسفي لمدنيين واحتجازهم وتعذيبهم بسبب انتماء الضحايا العرقي أو آرائهم السياسية أو عملهم أو لزعم تعاونهم مع طرف النزاع الآخر.

وقالت جوي نجوزي إيزيلو عضوة البعثة: «نجد وراء كل حالة موثقة عائلة محطمة، ومجتمعًا نازحًا، وإنسانًا نجا من عنف لا يمكن تصوره».

وبحسب منى رشماوي، عضوة البعثة، فإن «التقرير لا يشمل كشف الفظائع فحسب، وإنما يضع أيضًا خارطة طريق في سبيل الوصول إلى العدالة».

ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك الآن لتنفيذ حظر على الأسلحة، ودعم تحقيق العدالة من خلال مساندة المحكمة الجنائية الدولية، وإنشاء آلية قضائية مستقلة للسودان، واستخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة الجناة، وضمان أن يتحمل المسؤولون عن ارتكاب الفظائع عواقب أفعالهم، بما في ذلك العقوبات المحددة.

 

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.