“تقدم”: المؤتمر الوطني منطومة عسكرية ومشاركته في العملية السياسية مرهونة بـ4 شروط
وضعت تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” 4 شروط للسماح لحزب المؤتمر الوطني المحلول بالمشاركة في العملية السياسية ومستقبل البلاد السياسي.
وأجازت “تقدم” اليوم الخميس “رؤية لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية” وذلك بعد سلسلة اجتماعات عُقدت بالعاصمة الاثيوبية لمدة يومين متتالين.
نص البيان الختامي
تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)
اجتماع هيئة القيادة
أديس أبابا
4 ابريل 2024
عام من الحرب: رؤية لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية
تمهيد
أيام معدودات و تكمل حرب الخامس عشر من أبريل عامها الأول، وبلا مواربة كل يوم من أيام هذه الحرب هو قطعة الجحيم على شعبنا الذي تقطعت به السبل فى مواقع الاقتتال و محطات النزوح و دول اللجوء. عام من الحرب و لم تسلم اسرة أو بيت من ذرف الدموع سواء بفقد عزيز أو بسبب انتهاك الكرامة الإنسانية بعد أن فقدت ملايين الأسر كل مقتنياتها المادية. عام من الحرب تلاشت فيه الدولة السودانية و تعطلت فيه الحياة المدنية، إذ قارب عدد المشردين ال 11 مليون مواطن ما بين نازح ولاجئ، و بلغ عدد ضحايا الحرب ما يقارب المئة ألف و شبح المجاعة يهدد 25 مليون شخص فى السودان، وقد انسد الأفق أمام عشرات الملايين من طلاب المدارس و الجامعات.
عام من حرب الخامس عشر من أبريل و المؤكد أنها لم تندلع للدفاع عن مصالح السودانيين بل أشعلها حزب المؤتمر الوطني المحلول و ميليشياته لوأد ثورة ديسمبر المجيدة و قطع الطريق أمام مسيرة الانتقال المدني الديمقراطي بهدف العودة الى السلطة لمواصلة مسيرة الفساد. الحقيقة الماثلة أمامنا أن طبيعة هذه الحرب تتغير مخلفة كوارث عدة على رأسها ثلاث ظواهر اي منها يهدد فرص بقاء الدولة السودانية موحدة و قد تساهم في استمرار الحرب وإطالة أمدها.
أولها
انقسام مجتمعي حاد على أسس إثنية وعرقية ومناطقية وصلت إلى درجة الاستهداف والقتل و التصفية على أساس العرق خارج أٌطر القانون، و المؤكد أن هذا الانقسام يغذي الحرب بدعم سرديات أطرافها و يعطيها مشروعية الاستمرار بحجة الدفاع عن الحق فى الوجود للمكونات الاجتماعية و كأنما البقاء لأي مكون لا يتم إلا بالقتل، وهذه الحالة من الانقسام لا محالة ستسهم في توسيع دائرة الحرب وفى تحولها الى حرب أهلية شاملة فى كل أنحاء البلاد.
ثانيها
التصالح مع العنف إلى درجة أن الاحتفاء به فى مرئياتنا أصبح أمرا عاديا، و فكرة أن الله قد كرم الإنسان بنعمة الحياة لم تعد جزءا من مخيلتنا الاجتماعية في ظل تصاعد أصوات الرصاص و اتساع دائرة العنف، هذا الواقع يخلق ارضية خصبة لانتشار ظاهرة الإرهاب خصوصا مع انتشار السلاح بحجج المقاومة الشعبية والاستنفار من جهة والفزع من جهة أخرى. حمل السلاح الذي يتم باسم الدفاع عن الحق فى الحياة كمبرر ذو قيمة أخلاقية لا محالة سيحول الضحايا الى جناة خصوصا فى ظل حالة استرخاص قيمة الحياة و فى واقع حافل بالتصورات عن أعداء متوهمين لا لشيء إلا لسحناتهم أو لهجاتهم أو مكان ميلادهم و هذه كلها أشياء لم يخير فيها أي بشر.
ثالثها
السودان من الدول التي تمر بظاهرة ديمغرافية فريدة تتمثل فى أن متوسط عمر الإنسان فى بلادنا يقدر ب 19 عاما، و فى ظل تعطل الحياة المدنية و توقف العملية التعليمية و عسكرة الفضاء العام فهي مسألة وقت حتى تصبح الحرب واقتصادها المصاحب هى الخيار الوحيد المتاح لملايين الشباب فى بلادنا، و بخلاف أن الحرب ستخلق جيلا كاملا بدون تعليم بل الخوف أن يصبح الملايين من الشباب وقودا لاستمرارها وإطالة أمدها.
عام مضى على الحرب و ها هي تنذر بعدة مآلات: أولها كما قلنا نحن فى” تقدم” من قبل و قال بذلك غيرنا الكثيرون أنه ليس من المحتمل أن ينتصر أي من اطرافها لأن النصر فيها ليس له تعريفا واضحا، بل أن واقع السيطرة على الأرض يؤشر الى امكانية تقسيم البلاد خصوصا مع الدعاوي الى ممارسة الحياة بشكل طبيعي في مناطق سيطرة الجيش مثل مواصلة العملية التعليمية و قيام امتحانات الشهادة السودانية أو تشكيل إدارات مدنية فى مناطق سيطرة الدعم السريع. و فى هذا الأمر تسعي” تقدم” الى التواصل مع طرفي الحرب وحثهم على الابتعاد من اتخاذ مثل هذه القرارات.
ثاني هذه المآلات أن الواقع الإقليمي و الدولي لا يبشر بامكانية تدخل دولي واسع على غرار البند السابع لحماية المدنيين و ردع عنف أطراف الحرب لأسباب تتعلق بطبيعة عمل المنظمات الدولية خصوصا فى ظل واقع دولي يسوده التنافس على النفوذ و المصالح.
ثالث تلك المآلات هو السيناريو الاسوأ على الاطلاق و الذي يشكل مهددا وجوديا للدولة السودانية فى ذاتها و هو احتمال تفكك القوات المسلحة والدعم السريع وفقدان قيادتهما السيطرة على القوات، و رغم أن هناك ما يؤشر الى حدوث ذلك الى حد ما إلا أن مآلات هذا السيناريو سيكون لها تبعات كارثية على السودان و الإقليم و العالم. هذا سبب آخر إلى أن تطرح القوى المحلية و الإقليمية و الدولية الفاعلة مقاربة مغايرة للتعامل مع الطبيعة المتغيرة للحرب، على أن يكون على رأس هذه المقاربة مرحلة وقف عدائيات لأسباب انسانية على أن تٌتبع بوقف شامل لإطلاق النار واجراءات بناء الثقة لإطلاق عملية سياسية شاملة لإنهاء الحرب و إعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تقوم على المواطنة المتساوية لكل السودانيات والسودانيين.
مبادئ و أسس الحل السياسي الشامل
نحن كقوي مدنية في اجتماع هيئة قيادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” الذي انعقد في أديس أبابا فى الفترة 2 الى 4 أبريل نٌجمع على أن وقف الحرب والحفاظ على وحدة الدولة السودانية يجب أن يقوم على مرتكزات تحقق مصالح السودانيين والسودانيات و تضمن قيام دولة تحفظ السلم الإقليمي والدولي و تنبذ التطرف الديني والعنف السياسي، عليه نطرح هذه المرتكزات مع التأكيد على انفتاحنا على أي رؤي يقدمها آخرون من أطراف العملية السياسية:
أولا: إن التصورات للحلول السياسية يجب أن تحافظ على وحدة السودان وسيادته على كامل أراضيه، و تضمن قيام دولة مدنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة.
ثانيا: ان الضمان لبقاء السودان موحدا هو تأسيس دولة المواطنة، التي تعرف نفسها تعريفا شاملا يتضمن الأبعاد التاريخية والحضارية لمكوناتها المتعددة و المتنوعة. دولة تؤسس وفق رؤية ديمقراطية تنموية تشاركية وعادلة تتيح لجموع السودانيين والسودانيات الإسهام في تخليق مشروع وطني يمكن كل مكونات المجتمع من رؤية نفسها فيه و تقف فيه الدولة على مسافة واحدة من كافة الأديان و الثقافات و تجرّم كافة أشكال التمييز.
ثالثا: إن جهود وقف الحرب وإعادة البناء وعمليات التأسيس لدولة ديمقراطية مدنية مستقرة يجب أن تقوم على عملية سياسية تفاوضية لا تستثني أي فصيل سياسي سوى المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية و واجهاتها و كل من دعم و يدعم حرب الخامس عشر من أبريل.
رابعا: توفير الحماية للمدنيين/ات من القتل والسحل والتشريد والإبادة و كافة أشكال الانتهاكات بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء بسبب هذه الحرب المدمرة، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات لتحقيق هذا الهدف بالتعاون والتنسيق مع المجتمعين الإقليمي والدولي مع توفير الحماية و توصيل الاعانات الانسانية لكل المحتاجين.
خامسا: تأسيس نظام حكم بأسس وقواعد تضمن مشاركة السودانيين والسودانيات في كل أنحاء البلاد في جميع مستويات الحكم، مشاركة تعبر عن التعدد و التنوع، على أن يتوافق الناس فى الدستور الدائم ما إذا كان سيكون ذلك نظاما لامركزيا قائما على أسس فيدرالية متماثلة أو فيدرالية غير متماثلة.
سادسا: بناء و تأسيس جيش قومي مهني من كل القوات العسكرية (القوات المسلحة والدعم السريع و حركات الكفاح المسلح) ينأى عن السياسة والاقتصاد و يعكس تنوع وتعدد السودانيين في كافة مستوياته حسب الثقل السكاني، يٌنهي ظاهرة تعدد الجيوش داخل الدولة.
سابعا: خروج المنظومة الأمنية (الجيش وجهاز الأمن و الدعم السريع و الشرطة) من النشاط السياسي و الاقتصادي وقبولهم بمبادئ الإصلاح الأمني و العسكري المذكورة فى سادسا و تعهدهم بمساندة عمليات الانتقال المدني الديمقراطي والعمل على استدامة واستقرار النظام الديمقراطي وتوفير الضمانات المطلوبة لقيام حكومة لاستكمال مهام الانتقال والتأسيس الدستوري والسياسي، والإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، وإزالة آثار الحرب وإعادة بناء وتعمير ما دمرته الحرب وإعداد البلاد لانتخابات حرة ونزيهة بعد اكتمال الشروط اللازمة لذلك.
ثامنا: التوافق على برنامج عملي قابل للتنفيذ للعدالة الانتقالية يكشف الحقيقة، ويضمن المحاسبة على الجرائم المرتكبة منذ انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 وحتى حرب الخامس عشر من أبريل 2023، بما في ذلك تسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، ويسمح في ذات الوقت بتحقيق السلام والمصالحة و التعويضات وجبر الضرر ويفتح عقل البلاد وقلبها نحو المستقبل.
تاسعا: تبني سياسة خارجية متوازنة تقوم على المصالح المشتركة وتحقيق التعاون الإقليمي والدولي في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية و الأمنية مع التركيز على القضايا العابرة التي تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
عاشرا: تقوم الدولة السودانية على مبدأ حسن الجوار بما يضمن التعاون المشترك و منفعة الإقليم.
وقف العدائيات و المساعدات الإنسانية
تعي “تقدم” أن تاريخ الانسانية مليئ بالحروب و العنف و الظلم و أن الحروب قد تخاض لأسباب عادلة، و احيانا تٌخاض لإعلاء قيمة الحياة، أي القبول بضرر أصغر لدرء ضرر أكبر، إلا أن حرب 15 أبريل تمضي في اتجاه أنها لا تعطي أي قيمة لحياة للسودانيين لا فى الحاضر ولا المستقبل الى درجة انه لم يعد هناك قيمة لانتصار أي طرف في هذه الحرب إذا ما كانت البلاد قد دٌمرت والحياة قد أٌهدرت، فما قيمة النصر فى أرض خراب و لا حياة فيها؟
عليه، ستعمل نحن فى”تقدم” على دفع أطراف الحرب إلى وقف كامل العدائيات لاسباب انسانية حتى تتمكن المنظمات المحلية والدولية فى اغاثة الناس و من التأكد من فتح المسارات الآمنة و العمل على تسهيل مهمة المنظمات الدولية الداعمة للتعليم في أزمنة الطوارئ لاستئناف العملية التعليمية، فالناس تموت بالمجاعة و القهر قبل أن تموت بالسلاح.
أن وقف العدائيات لاسباب انسانية كفيل بإعطاء الناس فرصة للتنفس وسيكون له مردود إيجابي في إعادة التفكير في آثار الحرب، فتاريخ هذه الحرب يشير إلى أن عنفها يقود إلى اتساع دوائرها، أما توقفها و لو لأسابيع سيكون له أثر إيجابي في تغيير ديناميكيات الصراع والعنف، بل أن وقف العدائيات يعطي الناس فرصة للتفكير فى كيفية استئناف كافة أوجه الحياة المدنية و أهمها العملية التعليمية فى ظروف الطوارئ حتى نتجنب معاقبة اطفالنا بالجهل فوق عقابهم بالنزوح والتشرد.
بدأت الآثار الاجتماعية السلبية للحرب تظهر بجلاء فى حياة السودانيين في الداخل وفى مراكز النزوح و دول اللجوء. و على سبيل المثال فأن جرائم الاغتصاب الممنهج للنساء خلقت آثاراً نفسية واجتماعية عميقة تتمثل فى الحمل خارج اطار الزواج، و فى مجتمعاتنا المحافظة سيكون لهذه الظواهر وقع كارثي على النساء و الأسر و القري و الحواضر، و نحن فى تقدم و فى اطار تحملنا مسئوليتنا و مشاركتنا مع شعبنا ومكوناته نعمل على المساهمة فى التعامل مع هذه الآثار و مخلفاتها بما فى ذلك العمل على نشر الوعي و رفض تجريم الضحايا بانتهاكات لايد لهن و لا أسرهن فيها.
وفي هذا السياق نوجه نداء استغاثة لطرفي الحرب و بالتنسيق مع القوى الإقليمية و الدولية، و ندعو الى تشكيل مركز مراقبة من قوة مشتركة من دول الإقليم للمشاركة فى خلق آلية لمراقبة وقف العدائيات ووقف إطلاق النار وفتح المسارات الآمنة و ضمان انسياب المساعدات الإنسانية للمدنين.
العملية السياسية للحل السياسي الشامل
بعد مضي عام من الحرب أننا أمام خياران: أولهما إنهاء الحرب باتفاق وقف العدائيات و وقف شامل لإطلاق النار عبر عملية سياسية شاملة تضع مقاربة لأسباب الحرب وكيفية معالجة جذورها التاريخية من مظالم تاريخية و تعدد جيوش و تنافس على السلطة عبر العنف، بتأسيس نظام سياسي يسمح بالتنافس على السلطة سلميا و يضمن مشاركة كل مكونات الدولة السودانية فى تشكيل طبيعة الدولة و في التمتع بمواردها، و ثانيهما ان تمضي البلاد نحو السيناريو الأسوأ و الذي يعني غياب أي شكل من أشكال السلطة المركزية و تخلّق حالة من التشظي و سيطرة أمراء الحرب على مناطق بعينها مع تطور صيغة جديدة لاقتصاد الحرب.
أن الخيار الأمثل الذي نعمل من أجله هو الحل السياسي الشامل عبر عملية تفاوضية تشتمل على عملية سياسية لوضع لبنات تعيد بناء الدولة السودانية، فتحديد أطراف العملية السياسية يجب أن يقوم على معايير محددة، و على رأس هذه المعايير أن تكون أطرافها من قوى سياسية وحركات مسلحة معروفة و معرّفة و محددة بالإضافة إلى مكونات المجتمع المدني والمجموعات النسوية و المهنيين و النقابات و لجان المقاومة والقوى المجتمعية الأخري، و في هذا فاننا نحذر بل و نرفض مساعي إغراق العملية السياسية بواجهات مزيفة بغرض إضعاف القوى الديمقراطية لوأد ثورة ديسمبر وإعاقة الانتقال المدني الديمقراطي للحفاظ على مصالح المؤتمر الوطني عبر واجهاته المختلفة.
لا يمكن أن يٌسمح لقوى دمرت البلاد وحولت كل مقدراتها الى مجرد إقطاعيات خاصة، و فى نفس الوقت عملت كل ما يمكنها من أجل هزيمة ثورة ديسمبر عبر خلق كل أسباب الفشل للحكومة الانتقالية أولا و من ثم القيام بالانقلاب ثانيا واخيرا بإشعال الحرب كأكبر دليل على عدم الاكتراث لحياة الانسان السوداني و مقدراته. أن رفضنا لمشاركة حزب المؤتمر الوطني المحلول فى أي عملية سياسية يقوم على الحيثيات التالية :
أولا، المؤتمر الوطني المحلول ليس حزباً سياسياً مدنياً طبيعياً، بل هو منظومة عسكرية وأمنية، وتنظيم قابض على بيروقراطية الدولة وعبرها سيطر على دفة الحكم في البلاد عبر انقلاب عسكري لمدة 30 عاماً ولم يقم حتى اليوم بكتابة سطر واحد ينتقد فيه تجربته السلطوية الفاسدة، بل هو يعتبر أن الثورة التي شارك فيها ملايين السودانيات والسودانيين ليست سوى انقلاب عسكري على حكمه الشمولي الغاشم. هذا الكلام ليس مجرد تهويمات خيالية أو “كيزانوفوبيا” كما يسميها بعض المثقفين، بل هى حقائق يشهد عليها الواقع في مسار الحرب الحالية (كتائب البراء والبنيان المرصوص، هيئة العمليات الخ) و تشهد عليها كذلك الممارسات السلطوية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش (المؤتمر الوطني) والتي تتمثل في القرارات السياسية وخطاب التعبئة والحرب واثارة النعرات العنصرية والملاحقات والتصفية التي تستهدف كل أطياف قوى الثورة من أحزاب سياسية ولجان مقاومة ولجان التغيير وشخصيات مستقلة.
ثانيا، إنَّ أكثر “مفاصل الدولة” التي سيطرت عليها الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني هى المفاصل العسكرية والأمنية (الجيش، الشرطة، جهاز المخابرات) حيث ظلت هذه المفاصل تمثل ” النواة الصلبة” و الآلة المدمرة لهزيمة المشروع الوطني الديمقراطي، وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الفترة الإنتقالية الموءودة التي مثلت فيها هذه الأجهزة وسيلة التعويق الرئيسية لمسيرة التحول الديمقراطي وليس أدلّ على ذلك من انقلاب 25 أكتوبر.
فمشاركة المؤتمر الوطني المحلول في مستقبل البلاد رهينة بالاجابة على عدد من الاسئلة من المهمة والصعبة: أولها هل يوافق المؤتمر الوطني على إيقاف الحرب التي اشعلها الآن و فورا؟ وثانيها، هل سيتخلى الحزب المحلول عن تمكينه فى مؤسسات الدولة العامة و أجهزتها العسكرية و الأمنية على وجه الخصوص التي تمثل النواة الصلبة لحزبه و يقبل بتفكيك ميليشياته ليصبح حزباً سياسياً طبيعياً يتنافس مع الأحزاب الأخرى وفقاً لقواعد الممارسة الديمقراطية؟ و ثالثها، هل يقبل بأنصاف الضحايا و المظلومين و مثول المتهمين أمام العدالة المحلية و الدولية؟ و رابعها، هل سيعيد الأموال المستولى عليها بطرق غير مشروعة بسبب التمكين و الفساد؟ الإجابة الواضحة على كل هذه الأسئلة حتى الآن هى لا ولذا فإنَّ مشاركة المؤتمر الوطني في العملية السياسية تهدف في المقام الأول إلى تجاوز أية حديث عن “تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989” وهو البند الذي أشعلت ميليشيات الحركة الإسلامية بسببه الحرب المدمرة الحالية، وهو كذلك البند الذي تقوم بتوظيف جميع أدواتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية من أجل عدم تضمينه كشرط في أية عملية سياسية قادمة.
عليه أن أية محاولة لإشراك المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتها في العملية السياسية تعني قطع الطريق أمام مسيرة التحول المدني الديمقراطي، فهذا الحزب لا يعترف حتى الآن بالتغيير الذي أحدثته الثورة وليس لديه أدنى رغبة في مراجعة تجربته في الحكم ولا يفكر في التخلي عن المنظومة الأمنية و العسكرية التي يتوسل بها للسلطة.
وفى ذات السياق أن العملية السياسية القادمة مفتوحة لمختلف مكونات القوى السياسية والأفراد الذين صححوا موقفهم من ثورة ديسمبر وشعاراتها، وناهضوا الانقلاب العسكري وطالبوا بوقف الحرب العبثية المدمرة. و فى هذا الاتجاه قد بذلت “تقدم” جهود حثيثة و جبارة فى التواصل مع العديد من القوي المدنية و السياسية و حركات الكفاح المسلح و سيتواصل هذا الجهد ليشهمل قوي مجتمعية. و ها نحن الآن نقترح عقد اجتماع تمهيدي لهذه القوى و اولئك الافراد على أن تعقبها مائدة مستديرة للتوافق حول رؤية شاملة للعملية السياسية و أطرافها.
قضايا العملية السياسية
- القضايا الإنسانية: وتشمل الإغاثة والصحة والتعليم
- الترتيبات الأمنية و العسكرية و تشمل اعادة بناء المنظومة الامنية و العسكرية بما فى ذلك قضية المهني القومي الواحد
- القضايا السياسية و تشمل
أ. ترتيبات ما بعد الحرب ( مهام الطوارئ والانتقال و التأسيس)
ب. هياكل الفترة الانتقالية
ج. دستور المرحلة الانتقالية
د. آليات تشكيل السلطة الانتقالية
ه. القوانين المنظمة للانتخابات
- العدالة و العدالة الانتقالية ( بما في ذلك المحاسبة و جبر الضرر)
- الإصلاحات المؤسسية ( الأجهزة العدلية و الخدمة المدنية)
- صناعة الدستور الدائم
المنبر التفاوضي
تدعم “تقدم” كل الجهود الحثيثة الساعية للوصول إلى وقف العدائيات يعقبه وقف شامل لإطلاق النار يقود إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام بالتزامن مع البدء فى عملية سياسية تفضي إلى حل سياسي شامل، و مع ذلك نرى أن فى تعدد المنابر وفي تعدد الوسطاء إهدار للطاقات و إعطاء فرص الطرف المتعنت للتبضع والتسوق فى سوق المبادرات بل وتوظيف هذه المبادرات كوسيلة للتنصل من أي التزامات تمت فى منابر أخرى و البدء من الصفر فى كل عملية تفاوضية جديدة. يجب أن تقوم العملية التفاوضية على ما تم الاتفاق عليه مسبقا فى جولات التفاوض السابقة بغض النظر عن المنبر الذي تمت من خلاله وأن لا يسمح بأن تبدأ عملية تفاوضية جديدة من الصفر في كل مبادرة أو منبر.
و فى هذا الصدد يجب أن يكون للقوى المدنية حضور ومشاركة في العملية التفاوضية وسنعمل مع القوى الإقليمية والدولية على توحيد عملية التنسيق بين كل الوسطاء و المبادرات وضمان وجود المدنيين فى فيها.
تقييم إعلان أديس أبابا ( الموقع فى 2 يناير 2024)
فى أعقاب توقيع “تقدم” على اعلان اديس ابابا فى 2 يناير 2024 قامت حملات دعائية مغرضة هدفت إلى توظيف الاعلان كحجة و دليل لوصم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بأنها حليف سياسي للدعم السريع وأنها بتوقيعها الاعلان شرعنت للدعم السريع و منحته فرصة لتشكيل إدارات مدنية.
فى تقييمنا لهذا الإعلان تؤكد “تقدم” أنه تضمن ستة مبادئ جوهرها ضمان وحدة التراب السوداني و تشكيل أسس موضوعية لاعادة بناء الدولة السودانية بما فى ذلك قضية الجيش المهني القومي الواحد، و بالتالي في تقديرنا أن قبول قوة حاملة للسلاح و تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي بهذه المبادئ يٌعد نصرا سياسيا في حد ذاته لقوى مدنية لا تحمل أي سلاح. الخطأ الشائع الآخر حول إعلان أديس أن “تقدم” يجب أن لا تجلس مع أي طرف من أطراف الحرب لوحده حتى تحتفظ بمبدأ الحياد كوسيط، و الحقيقة الغائبة أو المغيبة أننا فى “تقدم” لسنا وسطاء أو مسهّلين كما تم تصويرنا من قبل البعض، بل نحن أصحاب مصلحة أٌصلاء و من حقنا أن يكون لنا رؤانا و من واجبنا أن ندعو لها الأطراف المتقاتلة، و لو كانت القوات المسلحة قد التزمت بتعهدها بلقائنا كان سيكون لإعلان أديس قيمة سياسية كبرى على الأقل فى تخفيف الضرر ورفع المعاناة عن الناس فى مناطق المواجهات المسلحة لأن الاعلان كان سيشكل أساساً صلبا للتوصل الى حلول مستدامة و متوافق عليها بين طرفي النزاع. ومن النقاط الأخرى التي تثار حول إعلان أديس أبابا هى لوم “تقدم” على الجلوس مع قوي متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة، فى تقديرنا أن مسألة وقف الحرب بالنسبة لنا كقوى رافضة لها من حيث المبدأ لا يمكن أن يتأتى دون الحديث مع أطرافها وإلا فالخيار الآخر هو أن نٌصبح أحد أطرافها.
و مع هذا هناك أوجه قصور عدة لازمت اعلان اديس ابابا خصوصا فى كلفته السياسية على “تقدم” بكونه أصبح حجة لبقايا النظام البائد فى وصم “تقدم” بأنها ظهير سياسي لقوى مقاتلة، إلا أن القيمة السياسية لإعلان أديس تمثلت فى كونه حصل على تعهدات من الدعم السريع بمبادئ جوهرية تؤسس لحل سياسي شامل و مستدام و هذا أمر مازالت له قيمة وجدوى سياسية فى رحلة البحث عن الحلول، و المعلوم أن الاتفاق كان سيكون له فوائد عملية على الأؤض لو أن القوات المسلحة قبلت بالجلوس للتفاوض حول سٌبل إنهاء الحرب.
علينا فى “تقدم” بذل المزيد من الجهد لاستكمال عمل اللّجان التي شٌكلت كنتيجة للإعلان كما علينا أن نكثف التواصل مع الدعم السريع للضغط عليه و دفعه للالتزام بما جاء فى اعلان اديس بما فى ذلك وقف الانتهاكات ضد المدنيين فى مناطق سيطرته وانتشاره وحثه للابتعاد عن المناطق التي ليس بها وجود للقوات المسلحة أو أي تشكيلات عسكرية، مع ادانتنا المغلظة لكافة أشكال الانتهاكات ضد المدنيين من كل أطراف الحرب.
تٌجدد “تقدم” النداء بقلب صادق وعقل منفتح للقوات المسلحة لكي تستجيب لدعوتنا للقاء بهدف التباحث في سبل إنهاء الحرب بأيدينا كسودانيين.
خاتمة
نحن اذ نطرح هذه الرؤية بعد مرور عام على حرب الخامس عشر من أبريل نستصحب ما خلفته الحرب من دمار و أحزان و ضغائن و من انتهاكات جسيمة فى حق المدنيين العٌزل، و نعي أن الاسوأ هو حالة الانقسام المجتمعي العميقة التي حلت بالبلاد والتي تفاقمها حملات التضليل التي يقوم بها المؤتمر الوطني و أذرعه بهدف إفراغ الفضاء المدني من القوى الديمقراطية و الثورية حتي يتسني لهم هندسة مستقبل البلاد لاستمرار الحكم الشمولي للاستئثار بموارد البلاد لقلة ظلت تعبث بمقدراتها لأكثر من ثلاثة عقود خلت بما فيها تقويض الانتقال المدني الديمقراطي و إشعال حرب 15 أبريل.
اننا فى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” نشارك هذه الرؤية مع كل بنات و بني شعبنا و قواه المدنية و الديمقراطية، و ندعوهم للحوار والتنسيق حول كيفية بناء مستقبل مغاير للوطن، مستقبل يضمن قيام دولة الحرية و السلام و العدالة و المساواة و الرفاه.
التوصيات السياسية
- توسعة تقدم وفق تصور يحدد الجهات التي يجب أن تٌستهدف بالتواصل مع تحديد جدول زمني للاتصال.
- تفعيل لائحة لجنة الاتصال خاصة في كيفية اختيار الوفود على أن تٌراعي مسألة حجم الوفود و تشكيلها.
- تكليف رئيس هيئة القيادة بتشكيل لجنة معنية بتطوير الموقف التفاوضي ل تقدم” بناءا على مخرجات الورش المتخصصة التي عٌقدت و أن تكون للجنة صلاحية الاستجابة إلى أي دعوة للمشاركة فى العملية التفاوضية.
- تطبيق مبدأ الشمول و التمثيل فى لجنة الاتصال وطريقة تشكيلها.
- تشكيل وفد لزيارة معسكرات اللاجئين السودانيين فى دول الجوار للوقوف على اوضاعهم واحتياجاتهم و التواصل مع هذه الدول بغرض تسهيل أوضاع السودانيين.
- تجديد الاتصالات مع القوات المسلحة بغرض الوصول لاتفاق على إعلان سياسي على شاكلة اعلان اديس ابابا.
- رفع مستوى الحساسية في التعامل مع قضايا الانتهاكات بشكل عام وخصوصا قضايا الانتهاكات الجنسية ضد النساء التي ترتكب بواسطة طرفي النزاع.
- مخاطبة طرفي الحرب لفتح المسارات الآمنة و فتح المجال للمنظمات الدولية الداعمة للتعليم في حالة الطواريء لاستيفاء شروط بدء العام الدراسي الجديد لضمان استمرارية التعليمية التربوية.
- تعزيز التنسيق بين لجنتي الاتصال السياسي و الإعلام بغرض تبادل المعلومات و وحدة الخطاب السياسي و الاعلامي ل “تقدم” بما فى ذلك البيانات الصادرة عن اللجنة الاعلامية.
- اجازة الاطار العام لموضوعات العملية السياسية و أطرافها و آلياتها.
المصدر: صحيفة الراكوبة