اخبار السودان

تفشي الامراض والموت في دارفور… أدلة حية على استخدام السلاح الكيماوي!

 

علي أحمد

هنالك جرائم لا يُمكن نسيانها ولا تسقط بالتقادم، وسيأتي يومٌ يتم فيه التحقيق بشأنها، ولن ينجو الفاعل مهما بلغ من شأن، فالحرب الحالية في السودان ما تزال رهينة للإعلام والدعاية المكثفة التي تقودها غرف وفرق متخصصة، يُموّلها حزب الكيزان (المؤتمر الوطني) المتحالف مع قيادة الجيش، وهما معاً من أشعلا هذه الحرب المدمرة، ولذلك فإن الحقيقة ما تزال مختبئة تحت أكاذيب هذه الدعاية المُضللة.

وعلى سبيل المثال، لم يناقش أحد حتى الآن بالتفصيل السبب الرئيسي وراء فرض الولايات المتحدة، في 16 يناير الماضي، عقوبات على الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش المتهم بتنفيذ هجمات على مدنيين، وهناك تقرير نشرته صحيفة *نيويورك تايمز*، نقلًا عن أربعة مسؤولين أمريكيين، أكد أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيماوية مرتين على الأقل في معارك السيطرة على البلاد.

الآن، يعود جدل استخدام الجيش للأسلحة الكيماوية مرةً أخرى، عقب الارتفاع غير المسبوق في معدلات الوفيات وفقًا لتقارير صحفية متطابقة ومتواترة في شمال ووسط دارفور، نتيجة لأوبئة غير معروفة، منها الموت الفجائي الذي تسبقه حمى وتورمات، ومنها ما يُصيب الغدة الدرقية بالتضخم، وقد أصبح انتشار هذه الأوبئة يهدد حياة آلاف السكان في تلك المناطق، لا سيما النساء والأطفال.
وقد تم تسجيل 350 إصابة مؤكدة بهذا المرض الخطير خلال فحص ميداني أجرته منظمة طوعية لعينات من السكان، مع وجود مؤشرات وقرائن تدل على وجود إصابات غير مرصودة تفوق هذا العدد.

وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام محلية شهادات صادمة، منها أن سيدة من مواطني مدينة زالنجي فقدت ثلاثة من أطفالها خلال الشهور الماضية نتيجة مضاعفات تضخم الغدة الدرقية، ما يكشف حجم المأساة التي يعيشها السكان هناك في ظل غياب الاستجابة العلاجية والصحية الكافية. فيما لم يستبعد خبراء في البيئة والصحة العامة أن يكون التلوث الكيميائي أو الإشعاعي في مياه الشرب والتربة أحد أسباب تفشي الأمراض الخطيرة بين سكان تلك المناطق.

من المؤكد أن ما نقلته صحيفة *نيويورك تايمز* عن مسؤولين أمريكيين كبار لم يكن رجماً بالغيب، وإنما استند إلى معلومات مؤكدة، فالصحيفة المرموقة لا يمكن أن تغامر بسمعتها المهنية بنشر أخبار دون التأكد التام من مصداقية مصادرها. كما أن الجيش السوداني له تاريخ حافل في قتل سكان مناطق الهامش بمختلف أنحاء البلاد، بحجة أنهم يساندون “التمردات”. ويتجسد ذلك في أن قائد الجيش السابق، الرئيس المعزول عمر البشير، ووزير دفاعه آنذاك عبد الرحيم محمد حسين، ما يزالان مطلوبَين لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابهما وآخرين جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.

فإذا علمنا أن التنظيم السياسي الذي ينتميان إليه (المؤتمر الوطني) هو من أشعل ويدير الحرب الراهنة، فإن استخدام الجيش للأسلحة الكيماوية يبدو أمرًا منطقيًا وغير مستبعد، خصوصًا عقب التقارير الأخيرة التي تحدثت عن تفشي هذه الأوبئة وانتشارها بين السكان في بعض مناطق دارفور. علمًا بأن سكان هذه المناطق مستهدفون من قبل الجيش والحركة الإسلامية باعتبارهم “حواضن اجتماعية” للدعم السريع” بحسب تصنيفهم كما تصنيف قبيلة (الفور) ، وهي ضحية إبادتهم الجماعية الأولى، وهاهم يستخدمون نفس الأسلوب القديم لتبرير القتل والإبادة مرة أخرى ، وهذه المرة تفتق شيطان تفكيرهم لاستخدام السلاح الكيميائي، وربما كان هذا التطور الخطير في الفظاعة كنتيجة لترقي أحد ضباط الإبادة الجماعية الأولى ووصوله إلى منصب القائد العام الجيش!

ما تفعله قيادة الجيش السوداني “المتكوزنة” بمواطنيها في غرب البلاد وهوامشها الأخرى، قد وصل إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا. وبالتالي، فإن تضافر الجهود والعمل الجاد لكشف هذا الجانب الإجرامي من الحرب أصبح واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا. ومن هنا، نناشد المجتمع المحلي والمدني، والمجتمع الدولي، والمنظمات الناشطة في حقوق الإنسان، بالتصدي لهذا القتل الممنهج للمواطنين السودانيين الأبرياء، والمساعدة في إدانة من يرتكبون هذه الجرائم، والقبض عليهم، وتقديمهم إلى العدالة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *