تعقيبا على مقال الأستاذ ياسر عرمان .. ورداً على سؤاله لماذا لا يفاوض الجيش ويقاتل في آن واحد؟ (22)

يوسف عيسى عبدالكريم
مواصلة في التعقيب على مقال ياسر عرمان وسلوك الإسلاميين او موقفهم من التفاوض في قضايا الشأن السوداني . في اعتقادي إذا ما أخذنا عينة عشوائية من المفاوضات في فترة الإنقاذ للتدليل على ما أشرت إليه سابقاً ، سنجد أن جميع الحركات التي تفاوضت مع نظام الإنقاذ ووقعت معه اتفاقيات او دخلت معه في شراكات لم تدم تلك الاتفاقيات طويلاً وسرعان ما انقلب الوضع وعادت تلك الحركات إلى مربع الحرب مرة أخرى، بعد ما أن اتضحت لها عقلية النظام ومن يدعمه من الإسلاميين ورؤيتهم الميكا فلية لمفهوم التفاوض والاتفاق . بدأ الأمر مع رياك مشار ولام أكول في اتفاقية الخرطوم للسلام، التي أتت بهم إلى القصر الرئاسي، ولكن لسوء إدارة الاتفاقية من نظام الإنقاذ عادوا بعد فترة قصيرة إلى الغابة من جديد .
ثم جاء دور اتفاقية سلام دارفور، التي أتت بمناوي إلى القصر كمساعد للرئيس، ولم يمكث فيه طويلاً َ وسرعان ما غادره غاضباً. أما مالك عقار، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس السيادة في حكومة بورتسودان، فقد حصل على منصب والي النيل الأزرق سابقاً نتيجة للتفاوض مع الإنقاذ ، لكن تهاوى ذلك الاتفاق وانهار وعاد مالك مرة أخرى إلى الغابة متمرداً.
وتُعتبر اتفاقية نيفاشا، من أبرز تجارب التفاوض فشلا في عهد الإنقاذ، حيث أدت إلى تقسيم السودان إلى شطرين وأهدرت موارد البلاد ، وفشلت في إدارة عملية الانفصال بين البلدين .
يتضح جلياً من ما سبق أن القاسم المشترك بين جميع المفاوضات والاتفاقيات التي تمت خلال تلك الفترة هو أن فرق التفاوض، التي قادها الإسلاميون أمثال علي عثمان طه وأمين حسن عمر وسيد الخطيب ومطرف صديق، لم تكن تهدف إلى معالجة المشكلة الأساسية التي أدت إلى تمرد الحركات المسلحة من أجل تحقيق السلام عادل في أرجاء الوطن، بل كان هدفها هو إضعاف الحركات المسلحة وتفتيتها أو احتوائها.
لذا، عند النظر إلى تطور هذه الحركات المسلحة وصراعها مع نظام الإنقاذ ، بالتوازي مع جولات التفاوض التي جرت منذ بداية عهد النظام حتى انهياره ، سنجد أن هذه الحركات تشظت وتصدعت وتكاثرت بشكل طفيلي ملحوظ، حتى أصبح لكل فريق أو حي أو قبيلة حركة مسلحة خاصة بها.
كما أن جميع الاتفاقيات التي تم توقيعها انهارت، وعاد الموقعون فيها إلى دائرة الحرب مرة أخرى بصورة اعنف .
وهذا الامر ربما يثير تساؤلاً جوهرياً هو : هل كانت تلك الاتفاقيات تهدف إلى حل المشكلات الجذرية للصراع الدائم في الدولة السودانية ؟
أم كان المقصود منها احتواء الحركات المتمردة من جهة وإطالة عمر النظام البائد من جهة أخرى ؟
ولعلك تتفق معي بأن الفارق كبير بين الهدفين بالنسبة للأمن القومي للدولة السودانية.
إن بنية وعي الإسلاميين لا تعتبر أن للتفاوض أي نتيجةً قد تعود بالنفع على البلاد ، بل ترى فيه تنازلاً عن المبادئ وضعفاً في الجانب وبيعا لدماء شهداء في طريق بناء الدولة الإسلامية. لذا فهم دائماً ما يصرون على أن تكون نتيجة التفاوض لصالح مشروعهم بغض النظر عن موضع مصلحة الدولة السودانية من ذلك ، لكي يتمكنوا من السيطرة على السلطة في البلاد .
وربما في السابق، خلال فترة الإنقاذ ، كان الإسلاميون يسعون من خلال التفاوض إلى شراء الوقت أو اضاعته ، لكنهم اليوم وفي حربهم هذه ، حتما يتطلعون بلا هوادة إلى إطالة أمد الصراع إلى أكبر قدر ممكن ، على أمل أن يؤدي ذلك إلى اتساع نطاق الفوضى الخلاقة، التي يراهنون عليها لتكون بمثابة حصان طروادة الذي سيعيدهم إلى سدة الحكم ويجلب لهم كرسي السلطة على طبق من ذهب.
واجابة على سؤال الافتتاحية في مقالك.
فإن الإسلاميين يصعب عليهم تقديم مصلحة الدولة السودانية على مصلحة الحركة الإسلامية كما يصعب على الرئيس الأمريكي جيرالد فورد المشي ومضغ العلكة في آن واحد .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة