اخبار السودان

تعاطي العلاجات الشعبية بالسودان.. تضليل في زمن الحرب

يعتقد كثيرون في تعاطي العلاجات الشعبية بالسودان، باعتبارها إرثاً من الأجداد أو لصداقات طويلة عقدوها مع مجموعة من النباتات والأعشاب الطبية، وأحياناً لمجرد شائعات بشأنها!!.

الخرطوم: مرتضى أحمد

مع اندلاع الحرب في السودان وانعدام الأدوية وتوقف «66%» من المستشفيات والمرافق الصحية في البلاد حسب اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أصبح الطريق معبداً أمام أهل هذا البلد للجوء إلى العلاجات الشعبية رغم ما تحمله العديد منها من أضرار على صحة الانسان.

ووجد نبات «القرض» ذائع الصيت حظه من الاستخدام لعلاج العديد من الأمراض مثل الالتهاب الرئوي والحميات المختلفة، كما يجري الترويج له كعلاج فعال لفيروس «كورونا» ضمن حزمة شائعات ومعلومات مضللة سرت في المشهد السوداني خلال الـ«3» سنوات ماضية.

وقادت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي الى أوضاع إنسانية مأساوية، وسط انهيار شبه تام للقطاع الصحي في العاصمة الخرطوم، وكذلك في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور التي توقفت فيها كل المؤسسات الصحية، وخلف الصراع في الجنينة مئات القتلى والجرحى ونزوح الآلاف، وفق آخر تقرير أصدرته اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في يوم 10 يونيو الجاري، كما قتل والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر بطريقة وحشية وتم التمثيل بجثمانه.

المخيلة الشعبية

وحتى قبل نشوب الحرب كانت العلاجات الشعبية تسيطر على مخيلة السودانيين ويتم توارثها عبر الأجيال والحقب المختلفة نظراً لسهولة الحصول عليها، فهي تمتاز بأسعارها الرخيصة.

ويعتبر نبات القرض الأكثر استعمالاً في هذا البلد. وبحجم سرعة انتشار فيروس «كوفيد 19» كانت الشائعات المرتبطة بالجائحة تتمدد في مختلف أنحاء العالم مع اختلاف طابعها من دولة لأخرى، ففي السودان الذي نال نصيباً كبيراً من المرض تم الترويج لنبات القرض بصورة واسعة على أساس أنه علاج فعال لـ«كورونا»، وهذه من أكثر المعلومات المغلوطة التي وجدت حظها في التداول بين سكان هذا البلد خلال الثلاث سنوات الماضية.

وتعتبر فئة كبار السن الأكثر تمسكاً بالعلاجات الشعبية مما جعلهم صيداً سهلاً لشائعة نبات القرض كعلاج لفيروس «كوفيد 19» فهم يعتقدون بصورة جازمة أن القرض مفيد في القضاء على مرض كورونا استناداً إلى تجارب طويلة لهم مع هذا النبات الذي يقولون إنه حقق لهم فوائد كبير وساعد على علاجهم من أمراض عديدة.

وجدت شائعة القرض حظها من الانتشار والتصديق أيضاً، فهذا النبات يعتقد فيه معظم السودانيين لعقود ماضية بأنه علاج فعال ليس لفيروس «كوفيد 19» فحسب، ولكن يستعمل للعديد من الأمراض خاصة نزلات البرد والالتهاب الرئوي وبعض الحميات ويتعاطونه بالفم أو حرقه واستنشاق دخانه «بخور»، دون التفكير في أي أضرار أو مضاعفات يمكن أن يسببها هذا النبات ذو المذاق شديد المرار كما أشارت بعض التقارير الصحية.

بحسب موقع «ويب طب» المتخصص في القضايا الصحية فإن القرض تنتجه شجرة شوكية ذات أزهار صفراء وله ثمار ولحاء مشقق ينتج عنه مادة صمغية وتنتمي إلى العائلة البقولية. وتنمو شجرة القرض في الأرض الطينية والجروف وتشكل غابات طبيعية في إقليمي كردفان ودارفور على وجه خاص.

إرث الأجداد

يقول بشير محمد علي، من سكان أمبدة الحارة «60» غربي العاصمة السودانية: «منذ أن وجدت نفسي في هذه الدينا ظللت استخدم القرض في علاج كثير من الأمراض مثل نزلة البرد والالتهاب والجيوب الأنفية والحميات المختلفة فهو مفيد للغاية ولم نتضرر منه مطلقاً خلال تجربتي الطويلة معه التي تمتد لما يقارب السبعين عاماً، بل كان يحقق لي الشفاء من المرض بشكل سريع وفعال بخلاف ادوية المستشفيات التي تحتاج الى فترة زمنية محددة حتى تشعر بفعاليتها».

ويضيف: «نقوم بخلط القرض مع نبات الكركدي بالماء ونتركه لليلة كاملة ونقوم بشربه في الصباح وهذه الوصفة ثبت نجاحها في علاج الالتهاب الرئوي والنزلة، وكذلك نأكل القرض وحده لعلاج الكحة الشديدة، بينما نستخدم القرض كبخور لعلاج التهاب الجيوب الانفية، فهذه الوصفات تعلمناها من والداتنا وحبوباتنا منذ ان كنا صغار وما زلنا نؤمن بها ونستعملها طالما تحقق لنا المنفعة الصحية وتمنحنا الشفاء من المرض».

وعندما ظهرت جائحة «كورونا» وجدت شائعة القرض الطريق معبداً لتحتل عقل بشير محمد علي، وقام بإحضار كميات من نبات القرض كما يروي، وبدأ في تعاطيه بوصفات مختلفة بغرض الوقاية من الإصابة بفيروس “كوفيد 19” وما يزال يعتقد جازماً أن القرض تسبب في حمايته من الإصابة بهذا المرض الفيروسي.

وفي نفس السياق، يقول حسام عبد الله، من مواطني منطقة صالحة جنوب العاصمة الخرطوم: «القرض علاج فعال وجدناه عند حبوباتنا اللاتي كن يعطينا عصير القرض بالكركدي لتخفيف الزكام والبلغم المصاحب للإلتهابات ويخفف الحميات ويعالج الملاريا وكثير من الأمراض ولم نتضرر منه مطلقاً».

يضيف حسام: «لم نتردد في استخدام القرض عندما سمعنا في وسائل التواصل الاجتماعي أنه يعالج كورونا، فلم نشعر بأي خوف تجاه هذا النبات لأنه صديقنا منذ قديم الزمان. لم أستوثق من أن القرض يعالج فيروس “كوفيد 19” أو يحقق وقاية من الإصابة، لكن كنت واثقاً من أنه لن يؤذيني مطلقاً لذلك استعملته بشدة طوال فترة الجائحة ولم أصاب بالفيروس، وأيضاً لم تتضرر صحتي بأي آثار جانبية».

نبات القرض

خيار وحيد

وليس ببعيد عن ذلك، يقول صلاح منهل من سكان الريف الجنوبي لمدينة أم درمان: «لم يكن أمامنا كثير خيارات لمواجهة جائحة كورونا التي حلت علينا بشكل مفاجئ، فكان القرض خيار متاح لنستخدمه في العلاج والوقاية من فيروس “كوفيد 19” خاصة في ذلك الحين لم يظهر أي علاج رسمي لكورونا».

ويروي: «لقد نصحني العديد من الأصدقاء والمعارف بضرورة أن أحضر كميات من نبات القرض إلى منزلي كنوع من الاحتراز لمواجهة الجائحة، فلم اتردد مطلقاً، وظللنا نستخدم القرض طوال الفترة الماضية وما نزال على نفس اليقين، فنبات القرض لا ينعدم من بيتي».

أحمد إبراهيم حسن 50 عاماً، من سكان الكدرو شمالي العاصمة السودانية، بدوره تعرض لهذه الشائعة وقد سمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فيس بوك وتوتير على وجه الخصوص وبعض الأصدقاء أن نبات القرض يعالج كورونا، يقول: «سارعت بجلب كميات من القرض الى بيتي، فقد كنا خائفين للغاية من فيروس “كوفيد 19” القاتل فكنت اعتقد ان القرض سيجنبني مع عائلتي خطر الإصابة بالمرض».

وتابع: «لم يكن هناك علاج او لقاح يحمي من “كوفيد 19” عندما ظهر الجائحة لأول مرة، لذلك قررنا العودة الى إرث الأجداد واستدعاء ذكريات الطفولة حيث كان القرض علاج منزلي لكثير من الامراض، فقد درجت على استخدامه عندما تظهر أعراض تشابه الإصابة بكورونا ولم نفكر ساعتها في أي أضرار جانبية قد تصيبني».

لكن حواء عبد الله من سكان منطقة دار السلام غربي أم درمان، لجأت لاستخدام القرض لعلاج الإلتهابات الرئوية والنزلات نسبة لصعوبة الحصول على الأدوية والتكاليف الباهظة لدخول المستشفيات، وتقول: «ارتفعت أسعار الأدوية بصورة كبيرة تفوق طاقتنا، لذلك لم نجد خيار غير استخدم القرض كشيء متاح، ولم يكن لدي أي اعتقاد ثابت تجاه هذا النبات».

مصدقو الشائعة

لم تؤثر شائعة القرض على فئة اجتماعية بعينها، بل كانت قابلة للتصديق حتى من الأشخاص المتعلمين والمثقفين في المناطق الحضرية والأحياء الراقية في الخرطوم، فغالبية السودانيين تسيطر على ذاكرتهم الأساطير والخيال الشعبي في ابتكار البدائل خاصة فيما يتعلق بعلاج الأمراض إذ يفضل كثيرون في هذا البلد الأدوية الشعبية لأنها في متناول اليد وغير مكلفة مالياً.

ويكشف مسح أجراه كاتب القصة لعينة من «60» شخصاً في العاصمة الخرطوم بمستويات تعليمية وثقافية متفاوتة وينحدرون من أقاليم سودانية مختلفة، أن «53» شخصاً منهم يعتقدون بأن نبات القرض علاج فعال لكثير من الأمراض خاصةً المتعلقة بالجهاز التنفسي والانفلونزا ونزلات البرد وكانت لهم تجارب شخصية مع هذا النبات في مراحل مختلفة من عمرهم، وهم واثقون بأنه يمكن أن يعالج كورونا أو يخفف من آثارها، بينما ذهب «6» أشخاص إلى أن القرض له فوائد في تخفيف بعض الأمراض ولكن لا يعتقدون بأنه علاج ناجع لفيروس “كوفيد 19”.

وهذا المسح المحدود يظهر أن «88.33%» من العينة المختارة يعتقدون في القرض كعلاج ناجع للأمراض الالتهابية والفيروسية وبينها “كوفيد 19″، بينما يؤمن «11.67%» بالقرض كمخفف للأمراض ولكنه لا يعالج كورونا.

محل علاجات بلدية وكالات

لا دليل علمي قاطع

ويقول المحاضر في كلية الصيدلة جامعة الخرطوم محمد أحمد البدوي إن القرض من النباتات المستعملة في السودان وفي الطب البلدي بصورة كبيرة، وأثبتت الدراسات احتوائه على مواد ذات فعالية مضادة للميكروبات، لكن لا يمكن القطع بفعاليته لعلاج الكورونا أو استعماله بصورة مباشرة دون عمل العديد من الخطوات البحثية المعروفة والتي تمر بثلاث مراحل تجريبية قبل تحديد الجرعات المناسبة لقتل الفيروسات بجسم الإنسان.

وأوضح أن نسبة المركبات الفعالة تكون ضيئلة أحياناً وقد نحتاج لكمية كبيرة من النبات، والتي قد يكون لديها آثار جانبية على الصعيد الآخر. وأيضاً أن هذه النباتات تحتوي على مجموعة كبيرة من المركبات غير المركبات الفعالة، والتي قد تكون سامة في جرعات عالية، وحتى المركبات ذات الفعالية ضد الميكروبات قد تكون سامة في جرعات عالية.

وأضاف: «قبل استيفاء هذه الخطوات لا يمكن الجزم بفعالية القرض ضد مرض وفيروس الكورونا من عدمها، ولا يمكن اعطاء جملة علمية قاطعة الدلالة أن القرض فعال ما لم يتم اختباره معملياً، وعلى حيوانات التجارب وأخيراً الدراسات الإكلينيكية بحيث يتوفر دليل علمي قاطع مدعم بالتحليل الإحصائي على فعالية النبات».

يقول البدوي وهو أيضاً طالب دكتوراة بجامعة ماينز ألمانيا: «هنالك كثير من النباتات المستعملة بصورة شعبية، وأثبتت الدراسات أنها فعالة مخبرياً، ولكن هذا ليس دليل كافي لاستعمالها مباشرة لعلاج المرضى، فكما ذكرت أعلاه لأبد أن نمر بالعديد من الخطوات والدراسات لتحديد الجرعة الفعالية والآثار الجانبية قبل استعمالها على المرضى».

وتابع: «حتى لو كانت هذه النباتات فعالة في الطب الشعبي، ففي الطب الحديث لابد من المرور بالخطوات واتباع المنهجية العلمية الصحيحة حتى يكون في أيدينا دليل علمي قوي على فعالية مستخلص النبات وعدم تسببه في آثار جانبية ضارة لمن يتناوله».

كيف واجهت السلطات الصحية شائعة القرض؟

تقول مدير إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة السودانية سابقاً، الدكتورة سارة الملك إن شائعة القرض انتشرت مع بداية ظهور فيروس “كوفيد 19” في البلاد، وكان جميع المصابين والمشتبه بإصابتهم يفضلون العلاجات المنزلية ولا يذهبون للمستشفيات لأن غالبية السودانيين كانوا ينظرون إلى الجائحة باعتبارها وصمة عار، والدليل على ذلك أن عائلة أول شخص توفي بكورونا قامت بتدوين دعوى قضائية ضد السلطات الصحية مستنكرة إعلان وفاته بسبب كورونا.

وتضيف سارة: «المصابين كانوا يتخوفون من الذهاب إلى المستشفى نتيجة لتأثرهم بالشائعات والمعلومات المضللة والتي مفادها أن ذهاب المصاب إلى المستشفى يعني موته نظراً لعدم وجود أي علاج يمكن أن تقدمه المؤسسات الصحية، لذلك فضلوا العلاجات المنزلية بالقرض وغيره من الأدوية الشعبية».

وتابعت: «قررنا وقتها عدم بث أي مواد توعوية مباشرة عن شائعة القرض لأننا إذا فعلنا ذلك نكون قد عملنا ترويج وإعلان لنبات القرض نفسه وبالتالي ينتبه الناس إليه ويستخدمونه، لذلك كان تركيزنا على توعية الناس ابتداءً بأن الكورونا مرض معدي وينبغي أن يذهب المصاب إلى المستشفى لتلقي الرعاية اللازمة وأن البقاء في المنزل والاعتماد على الأدوية الشعبية يعرض حياة المريض للخطر».

وأردفت: «كنا نجيب على الذين يتواصلون مع وزارة الصحة عبر خطوط الاتصال الساخنة وصفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي مستفسرين عن حقيقة القرص، بشكل مباشر بأن هذا النبات لا يعالج كورونا، ودون ذلك لن نتحدث عنه مطلقاً حتى لا نقع في مصيدة الترويج لهذا النبات».

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *