تصعيد جماهيري لوقف الحرب السودانية , اخبار السودان
تصعيد جماهيري لوقف الحرب
تاج السر عثمان بابو
1
مع اقتراب الحرب اللعينة شهرها الثالث والآثار المدمرة لها التي رصدناها سابقاً، بات واضحاً ضرورة مواصلة التصعيد الجماهيري الواسع لوقف الحرب باعتبار ذلك هو الحاسم في الضغط على الطرفين المتحاربين ومحاصرتهم لوقفها، فالعامل الخارجي مساعد، لكن الداخلي هو المؤثر، في وقف الحرب وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم، فهي حرب المنتصر فيها خاسر، فالتصعيد الجارى من قبل الإسلامويين تكرار لتجربة الحرب الفاشلة بعد تصفية الجيش من خيرة ضباطه وجنوده المهنيين وتكوين مليشياتهم والجنجويد التي خاضوا بها بعد انقلابهم في 30 يونيو 1989، بعد الوصول للحل السلمي لمشكلة الجنوب (اتفاق الميرغني قرنق) وبداية التحضير للمؤتمر الدستوري، جاء الانقلاب ليقطع صوت العقل وعلى طريقة البصيرة أم حمد، وتم فصل الجنوب، وجرت الإبادة الجماعية في دارفور، وجنوبي النيل الأزرق وكردفان، وأصبح البشير ومن معه مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، فالتصعيد الحالي من البرهان والإسلامويين بدعوة الشباب لحمل السلاح، لتحويلها لحرب أهلية وعنصرية، كما يحدث في الأبيض ومدن دارفور وما يجري من إبادة جماعية، سوف يقود لتمزيق ما تبقى من البلاد، وشر سيعم كل البلاد والمنطقة بأسرها، بحكم التداخل القبلي للسودان مع دول الجوار، فضلاً عن مخاطر التدخل الدولي الذي بات على الأبواب بعد انسداد أفق وقف الحرب من الطرفين، كما في المبادرات الجارية من الاتحاد الأفريقي و”الإيغاد” لجعل الخرطوم منزوعة السلاح، والدعوات للتدخل لحماية المدنيين تحت الفصل السابع، وهي تجارب عشناها ولم تكن حميدة كما في نيفاشا، والتدخل الدول لفرض الوثيقة الدستورية 2019، والاتفاق الإطاري 2022 التي أعادت إنتاج الحرب والأزمة، بحيث أصبح لا بديل غير الحل الداخلي وضرورة توافق القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة، على عودة العسكر للثكنات وحل الجنجويد، بعد الكارثة الكبيرة التي عاشها السودان لأكثر من 57 عاماً من حكم العسكر من 67 عاماً هي عمر الاستقلال، واستدامة السلام والحكم المدني الديمقراطي، وتتويج ذلك بعقد المؤتمر الدستوري للتوافق على شكل الحكم في البلاد.
2
كما أوضحنا سابقاً، لقد انهكت الحرب الطرفين وكشفت عدم قدرة أحدهما في تحقيق انتصار سريع وحاسم، إضافة لإرهاق الشعب بميزانية الأمن والدفاع التي تبلغ 76%، ودفع الدولة لمرتبات الدعم السريع، إضافة لشركات الجيش التي تستحوذ على 82% من موارد البلاد، وشركات الدعم السريع ودورها في تهريب الذهب للإمارات حسب التقارير الدولية، في حين أن ميزانية الصحة والتعليم والتنمية ضئيلة لا تذكر، رغم ذلك تم الفشل في توفير الأمن بعد الحرب الحالية التي تضرر منها الشعب، مما يؤكد ضرورة عودة العسكر للثكنات وإعادة هيكلته وتحريره من تمكين “الكيزان”، وحل الجنجويد ومليشيات “الكيزان”، وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد، ونزع السلاح والتسريح والدمج في المجتمع، وخروج العسكر من النشاط الاقتصادي بعودة كل شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات.
فالحرب الجارية هي امتداد للجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في دارفور وفصل الجنوب، وتكوين الجنجويد، التي ارتكبها نظام الإنقاذ منذ انقلابه في 30 يونيو 1989، ولجنته الأمنية بعد ثورة ديسمبر في مجزرة فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي فشل حتى في تكوين حكومة، وواجه مقاومة جماهيرية كبيرة أدت لتصدعه، وانفجار الحرب الحالية بعد الاتفاق الإطاري من أجل الصراع على السلطة والثروة، بدفع من المحاور الخارجية الداعمة لطرفي الحرب.
بالتالي من الخلل فصل هذه الحرب عن جرائم الإسلامويين والجنجويد السابقة، التي هي شر عم كل البلاد.
3
التصعيد الجماهيري لوقف الحرب لا ينفصل عن مطالب الجماهير اليومية:
أشرنا سابقاً أن مطلب وقف الحرب لا نبحث عنه في الخارج رغم أن الخارج عامل مساعد في الضغط والمساعدات الإنسانية، لكن ما نبحث عنه موجود في الداخل كما أشار القطب الصوفي أبو يزيد البسطامي، فقد فتحت الحرب الطريق لنهوض جماهيري واسع يجب أن يرتبط بمطالب الجماهير اليومية العاجلة في:
وقف الحرب، ووقف خطف البنات من الجنجويد كما حدث في الحلفايا ووجد مقاومة جماهيرية واسعة أدت للتراجع وإعادة البنات، ورفض تصفية الحسابات السياسية من “الكيزان” والدعم السريع بحملات الاستهداف والاغتقالات لقيادات الأحزاب السياسية والنقابية ولجان المقاومة، توقيف الصحفيين، ولجان الخدمات كما حدث في سنار وعطبرة، والرفض الواسع لذلك، ومقاومة اقتحام الدعم السريع للمنازل وضرب السكان كما حدث في شمبات ووجد مقاومة واستنكار واسع، ومقاومة ورفض قصف الجيش لمرافق الخدمات والمؤسسات الصحية والتعليمية والمصانع، ولمنازل المواطنين، والآثار التاريخية، كما حدث في قصف سرايا الشريف يوسف الهندي في برى اللاماب، مما أدى لقتلى وجرحى وخسائر في الممتلكات والمعدات، ومقاومة استمرار إغتيال الكوادر الطبية كما حدث أخيراً في الدروشاب بالخرطوم بحري في مقتل فني المعمل من الدعم السريع، وقف قصف المستشفيات، ووقف الإبادة الجماعية في مدن دارفور والأبيض وخروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات ومرافق المياه والكهرباء، والمؤسسات التعليمية، ومن الأحياء وعدم اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية، وتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب، وضرورة التوثيق الجيد لجرائم الحرب الجارية، فهي حرب استهدفت المدنيين، وتهجير المواطنين من الخرطوم ودارفور، وتهدف لتصفية الثورة وتغيير موازين القوة لعودة “الكيزان” للسلطة، لكن هيهات.
إضافة للمطالب الأخرى مثل:
خروج الدعم السريع ومعسكرات الجيش من المدن والأحياء، وخروج العسكر من السياسة وحل الدعم السريع، ورفض إعادة العسكر والجنجويد للمشاركة في السلطة، كما في المحاولات الجارية للعودة للاتفاق الإطاري أو العودة لما قبل 25 أكتوبر، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، تقديم مجرمي الحرب للمحاكمات.
تحسين مستوى المعيشة التي تدهورت بعد الحرب، وعدم صرف مرتبات العاملين لثلاثة أشهر، وتوفير خدمات الصحة والدواء والتعليم، إصلاح شبكات المياه والكهرباء التي دمرتها الحرب اللعينة، وإنقاذ العام الدراسي في التعليم العام والعالي. إلخ، وإصلاح ما خربته الحرب، وعودة الحياة لطبيعتها، والنازحين لمدنهم ومنازلهم وقراهم، وتعويض المتضررين من الحرب، وصرف مرتبات العاملين..
قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وتحقيق السيادة الوطنية وحماية ثروات البلاد من النهب، وعدم شرعية الحكومة الحالية في عقد اتفاقت جديدة للتعدين في الذهب كما في زيارة مالك عقار لروسيا، في استمرار لتدخل روسيا لنهب ثروات الذهب، وتدويل الحرب الجارية مع أمريكا وحلفائها لنهب ثروات البلاد والوجود العسكرى فيها على البحر الأحمر، وإعادة النظر في كل اتفاقات الأراضي والتعدين المجحفة التي تمت في غياب الشرعية، واستعادة أراضي السودان المحتلة.
لقد أدت الحرب لتغييرات عميقة وخلقت وعياً بخطورة الجنجويد و”الكيزان” بعد نزوح أكثر من 2,5 مليون سوداني داخل وخارج البلاد، مما يتطلب مواصلة الثورة، وتعمير ما خربته الحرب، وتحقيق أهداف الثورة التي حاول طرفا الحرب طمس معالمها، ولكنها زادت توهجاً، وتأكد ضرورة مواصلتها وتحقيق مهام الفترة الانتقالية..
المصدر: صحيفة التغيير