يعاني عدد متزايد من السودانيين المقيمين في مصر من حالة من الخوف والقلق، إثر تكرار حوادث اختفاء غامضة طالت العديد من أقاربهم، معظمهم من النساء والأطفال والشباب. وتحدث هذه الحالات في ظروف مريبة، وسط صمت رسمي من السلطات المصرية، وغياب واضح لدور السفارة السودانية بالقاهرة، مع تزايد الشكاوى من ضعف حماية اللاجئين السودانيين من قبل المنظمات الأممية..
التغيير: القاهرة
مؤخراً بدأت موجة قلق جديدة بعد اختفاء ثلاث شقيقات سودانيات من أسرة واحدة ينحدرن من مدينة كسلا بشرقي السودان.
الفتيات، دعاء (21 عامًا)، وآية (17 عامًا)، ورُبا (16 عامًا)، خرجنّ من منزل أسرتهن في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة بالقاهرة، ولم يعدن منذ ذلك الحين.
وبحسب إفادات شقيقهن يوسف، لم تكن هناك أي خلافات عائلية، وكانت الفتيات في طريقهن لزيارة أحد الأقارب عندما انقطعت أخبارهُن تمامًا. وعلى الرغم من تقديم العائلة بلاغًا رسميًا للسلطات المصرية ومخاطبة السفارة السودانية، لم تصدر أي جهة رسمية بيانات توضيحية، ما زاد من مخاوف العائلة والجالية السودانية في مصر من احتمال أن تكون الحادثة جزءًا من نمط أوسع من الحوادث المماثلة.
حوداث متكررة
لم تتوقف الحوادث عند هذه الحالة، إذ تكررت بأشكال مختلفة. الطفلة رهف يوسف محمد يحيى، البالغة من العمر 9 سنوات، اختفت من محيط منزل أسرتها في منطقة العشرين بفيصل بمحافظة الجيزة، أثناء ذهابها إلى محل قريب، ولم يُعرف مصيرها منذ ذلك الحين. وقامت أسرتها بحملة بحث واسعة شملت المستشفيات، أقسام الشرطة، والجهات المعنية، دون التوصل إلى أي نتيجة.
كما تم الإبلاغ عن اختفاء الشاب أحمد عوض الكريم عبد الرحيم، الذي يعاني اضطرابًا نفسيًا، أثناء وجوده في الإسكندرية لتلقي العلاج برفقة أحد أقاربه. ولم يعد أحمد إلى مقر إقامته منذ ذلك الحين، ولا يُعرف مصيره حتى الآن.
وفي العاصمة المصرية القاهرة، اختفى الطفل محمد نزار عبد الرحمن (13 عامًا) من حي حدائق المعادي بعد خروجه للعب قرب منزله، في حادثة تشبه في الملابسات حالات أخرى وثقتها أسر سودانية. وأعرب والد الطفل عن قلقه العميق قائلاً: “نشعر أننا في خطر. أطفالنا ليسوا في أمان. لا توجد جهة تحمينا، ولا أحد يستمع إلينا”.
في ظل هذه الوقائع، عبّرت أسر المفقودين عن استيائها من غياب أي دور فعّال للسفارة السودانية، رغم تقديم البلاغات الرسمية ومناشداتهم المباشرة. ودعت الأسر أفراد الجالية السودانية في مصر إلى التعاون ونشر صور وأوصاف المفقودين عبر جميع المنصات المتاحة، على أمل تتبع أثرهم أو الحصول على معلومات مفيدة بشأن أماكن وجودهم.
وسط هذا الصمت، نشط عدد من السودانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أن هذه الحوادث لا تبدو معزولة، وإنما قد تكون مؤشراً على وضع أمني مقلق يتطلب تحركًا جادًا وفوريًا.
استهداف السودانيين
إلى جانب حوادث الاختفاء، برزت اتهامات متكررة للسلطات المصرية بتنفيذ حملات اعتقال تستهدف السودانيين، خاصة اللاجئين وطالبي اللجوء.
وكشفت تقارير حقوقية صادرة عن منظمة العفو الدولية ومنصة اللاجئين في مصر، عن قيام الأجهزة الأمنية المصرية باحتجاز لاجئين سودانيين من منازلهم، أو من المستشفيات التي يتلقون فيها العلاج، دون أوامر قضائية أو توجيه تهم قانونية واضحة، ليتم بعد ذلك ترحيل بعضهم قسرًا إلى السودان عبر معبر أرقين، في ظروف وُصفت بأنها “قاسية ولا إنسانية”.
عدد من منظمات حقوق الإنسان وصفت هذه الحملات بأنها “تهديد مباشر لسلامة اللاجئين السودانيين”، خاصة أن من بينهم أشخاص يحملون أوراق إقامة قانونية، أو بطاقات لاجئ صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

كما أن طريقة الاعتقال والترحيل، التي تتم بشكل فجائي ودون إعلام ذوي الموقوفين، تعكس تراجعاً خطيراً في مستوى الحماية التي يُفترض أن تُوفر للاجئين.
نهب أموال
في تطور آخر، سُجّلت حالات احتيال من داخل الجالية نفسها، فقد كشفت تقارير صحفية مؤخرا عن عملية خداع واسعة، نفذها أحد السودانيين الذين أطلقوا ما وصفوه بـ”مبادرة العودة الطوعية”، حيث جمع أموالاً من عشرات الأسر السودانية المقيمة في القاهرة، بحجة توفير حافلات تقلّهم إلى السودان، ثم اختفى فجأة، ما أدى إلى تشريد عدد من العائلات التي كانت قد أنهت عقود سكنها على أمل المغادرة. وتداول ناشطون صورًا ومعلومات عن الشخص المتورط، في محاولة لملاحقته قانونيًا.
وفي مواجهة هذه الأوضاع، حاولت بعض الجهات الرسمية في مصر تخفيف الضغط من خلال تنظيم رحلات قطارات مجانية من القاهرة إلى أسوان، لتسهيل عودة من يرغبون إلى السودان عبر المعابر البرية. لكن هذه المبادرات ظلت محدودة، ولم تكن كافية لتلبية الطلب المتزايد، خاصة في ظل محدودية الموارد، وتزايد عدد العائلات السودانية المتضررة من الحرب في السودان، والتي فرّت إلى مصر هربًا من الصراع في الخرطوم ودارفور ومناطق أخرى.
وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان ما وصفه ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه “الوجه القاسي لتجربة اللجوء في مصر”، مشيرين إلى أن ما يحدث الآن يذكّر بمجزرة “حديقة مصطفى محمود” في ديسمبر 2005، حين قُتل أكثر من 25 لاجئًا سودانيًا على يد الشرطة المصرية أثناء فض اعتصام سلمي لهم أمام مقر مفوضية اللاجئين بالمهندسين، للمطالبة بإعادة توطينهم بعد أن فشلت مفوضية اللاجئين في تأمين حياتهم داخل مصر.
في ضوء ذلك، تتصاعد المطالب بضرورة تدخل فوري وحازم من قبل الحكومة السودانية، عبر سفارتها في القاهرة، وكذلك من مفوضية اللاجئين، ومنظمات المجتمع المدني، لضمان سلامة السودانيين في مصر، وتوفير الدعم القانوني والإنساني لهم، ووقف الانتهاكات بحقهم.
المصدر: صحيفة التغيير