تشكيل حكومة فرض عين وواجب الساعة
إبراهيم مطر
ما إن كثر الحديث عن اقتراب تشكيل حكومة ثورية أو حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، حتى ذهب عدد من المحسوبين على القوى المدنية المناوئة للإخوان لرفض الخطوة، تدفعهم في ذلك مخاوفهم من مخاطر التقسيم والانفصال، وهي بالطبع محاذير تبدو وجيهة ومما لا يختلف عليه وطنيان، ومن منا لا يريد وحدة السودان؟ لكن مما غفل عنه هؤلاء من فرط الإشفاق وليس التجاهل أن هناك مواطناً سودانياً يعيش في تلك المناطق، تتعامل معه حكومة بورتسودان بذات الطريقة التي تتعامل بها مع جندي الدعم السريع باعتباره حاضنة وتدفع به يومياً “وبصورة عملية”، لوضع يجعله في حاجة لحكومة تمثله، وعلى نحو عاجلة لا يقبل التأخير، بل وتزداد الحاجة إليه يوماً بعد يوم.
استخدمت جماعة بورتكيزان ما تبقى من مؤسسات الدولة الخراب كسلاح في المعركة، فعمدت إلى تغيير العملة وفرض قيود عليها، وجمعها في البنوك. وأعلنت أن الاوراق النقدية في مناطق سيطرة الدعم السريع ستصبح غير مبرئة للذمة وسيسجن من يتعامل بها لمدة خمس سنوات، فهل سيعود المواطنون في تلك المناطق وتعدادهم بالملايين إلى عهد المقايضة وما قبل اكتشاف النقود؟ أم أنه لا بد من “عملة ما”، يبيع بها الناس ويشترون، سواء كان الدولار الأمريكي، أو الفرنك الأفريقي؟ فبخلاف ذلك لا يتبقى حلاً إلا أن تُصك عملة جديدة لتكون مبرئة للذمة في تلك المناطق، أو أن تتوقف حركة التاريخ والبيع والشراء والأسواق والأدوية عندهم حتى تتوقف الحرب، التي قال كثير من المراقبين أنها ووفقاً المعطيات الحالية ستستمر لعدد غير محدد من السنين، وهو ملا يقول به عاقل.
وأغلقت حكومة بورتسودان “حدودها الجديدة”، أمام حركة الشاحنات التجارية المتجهة من مدن دارفور إلى الدبة في شمال السودان، وكذلك أمام الحركة العكسية. بل ومضت إلى آخر الشوط بإغلاق هذه الحدود أمام مساعدات دارفور الإنسانية، التي استولت على بعضها، وحولت بعضها لمدن الشرق والشمال. فهل تستغنى مجموعة بشرية بحجم التي تتواجد في مناطق سيطرة الدعم السريع عن التصدير والاستيراد والتجارة مع الخارج؟ أم أنها ستضطر لتنظيم العملية عبر سلطة محلية، وتحاول جهدها لإيجاد طرق ومسارات بديلة تسمح بتبادل السلع مع الخارج، أو مع الدول المجاورة على الأقل؟
وما إن حلت مواعيد امتحانات الشهادة الثانوية بتوقيت “المناطق الآمنة” في الشرق والشمال وتعدادها ست ولايات من جملة 18 ولاية حتى هرعت جماعة بورتسودان لإقامة شعيرتها، في بلد تؤوي فيه المدارس النازحين في جدلية المفاضلة الصعبة، ما بين التعليم وإنقاذ حيوات الناس بإيجاد المأوى الذي يقي برد الشتاء ومياه المطر، وعمد الإخوان إلى طرد اللاجئين من المدارس في ظروف إنسانية غاية في السوء، أدخلت النساء السودانيات في حرج بالغ، وهن يفتقدن للحمامات والاحتياجات النسائية الخاصة، في خضم حرب كان عنوانها “الكرامة”، وفي أكبر مفارقة يشهدها السودانيون في حرب الإخوان الشريرة.
أعاد الإخوان فتح المدارس في منطقهم الآمنة، ولما حل أجل الامتحانات أقاموها في ذات المناطق، وحرموا الطلاب في مناطق سيطرة الدعم السريع منها، بل وأعدموا من حاول التحرك إلى مدن الشمال والشرق من أجل الجلوس للامتحانات في أكثر من حادثة، انتشر خبرها على وسائط التواصل الاجتماعي، ما جعل الأهالي يحجمون عن إرسال أبنائهم للامتحانات خوفاً على حياتهم. فهل يقنع الأهالي في مناطق سيطرة الدعم السريع من التعليم بالمرة؟ أم أن أبنائهم يحتاجون لشهادة معترف بها تثبت إكمالهم المرحلة الثانوية بنجاح، كيما تتاح لهم سبل الالتحاق بالجامعات؟ ألا يستوجب ذلك وزارة تربية لاستخراج الشهادات وإقامة امتحانات الشهادة السودانية في أمان ودون نزوح؟
ويقصف الطيران الحربي لإخوان الشياطين الأحياء السكنية في المدن والمدارس والمرافق الصحية والمستشفيات ويقصف كذلك مصادر المياه وقطعان الماشية، فهل المواطنون في مناطق سيطرة الدعم السريع في حاجة لإيقاف ذلك؟ أم أنهم سيتعاملون مع الأمر وكأنه قدر محتوم، ويرضوا باستمرار جرائم الإبادة هذه التي لن تؤدي إلا لإفنائهم عن آخرهم؟ أفلا يحتاجون إلى فعل شيء يوقف حمم الجحيم التي تهبط عليهم من السماء هذه؟ وهل سيتمكنون من ذلك دون حكومة معترف بها تتخذ من التدابير ما هو كفيل بحمايتهم؟
شكلوا حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع يكون شعارها حماية المدنيين وتوفير الخدمات لهم وإبقائهم على قيد الحياة فهي أولويات لا غنى عنها ولن يفي بها الارتهان لمخاوف مستقبلية تتعامي عن تلك الماثلة للعيان، ولا الرضوخ لابتزاز إخوان الشياطين بالوطنية، خاصة بعد أن خرجت نواياهم للعلن، وبتصريحات جاءت على ألسنة قياداتهم العليا، عن عزمهم إبادة شعبي كردفان ودارفور، باعتبارهم تشاديين جاءوا للبلاد عبر الحدود! وفي هؤلاء
قال شاعر العامية المصري مدحت العدل “انتو شعب ونحن شعب/ عمرو ما هزلكو قلب/ ورغم إن الرب واحد/ لينا رب وليكو رب”.
المصدر: صحيفة الراكوبة