تزايد هجمات الطائرات المسيّرة يوسّع رقعة الحرب السودانية إلى المناطق الآمنة
قدّر مصدر عسكري عدد الطائرات المسيّرة التي يطلقها الدعم السريع باتجاه مناطق عطبرة والفاشر ومروي بالكبيرة، قائلاً: عددها يصل إلى “100” مسيرة في الأسبوع، لافتاً إلى أنها دخلت البلاد بكميات كبيرة.
تقرير: التغيير
بات خبر ظهور المسيّرات في نهر النيل والفاشر والخرطوم أمراً اعتيادياً وبشكل شبه يومي، وضربت المسيّرات شرقاً حتى جبيت، حيث نجا قائد الجيش من محاولة اغتيال مؤخراً في منطقة جبيت العسكرية في ولاية البحر الأحمر. ووصلت المسيّرات شمالاً إلى مطار مروي وقبلها شندي.
وتُعتبر مدينة عطبرة بولاية نهر النيل الأكثر تعرضاً للمسيّرات، لدرجة أن المواطنين بدأوا يتساءلون بصوت عالٍ: من أين تنطلق هذه المسيّرات؟ ولماذا فشل الجيش في تحديد مكانها؟
من حسن الحظ أن معظم المسيّرات التي يتم إطلاقها في مناطق تواجد المدنيين في ولاية نهر النيل يتم إسقاطها، لكن بعضها أصاب مواطنين. ونشرت حوادث المسيّرات المتكررة الرعب وسط سكان المدن الآمنة.
توضيح وتأكيد
وزارة الدفاع السودانية اتهمت مؤخراً تشاد بتسخير مطاراتها للطيران المسيّر الاستراتيجي المشغل بواسطة الأقمار الصناعية التابع للدعم السريع، الذي ضرب أم درمان وعطبرة، وأكدت الوزارة أن فحص مخلفات الطائرات أثبت ذلك.
لجنة أمن ولاية نهر النيل قالت في بيان صحفي أيضاً إن المسيّرات التي تُطلق على عطبرة تُعتبر طويلة المدى، حيث تتجاوز مسافة 300 كيلومتر بين منصة الإطلاق والهدف المحدد لها، مما يضع تحديات كبيرة أمام التعامل معها.
وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية رصدت منصات إطلاق المسيّرات الانتحارية وتملك معلومات مفصلة عنها، وأكدت أنها ضبطت مؤخراً عدداً من الشاحنات بداخلها طيران مسيّر يتبع للدعم السريع.
شهود عيان
فيما تباينت آراء المواطنين، حيث أشار شهود عيان بمواقع التواصل الاجتماعي إلى أن معظم هذه المسيّرات تنطلق من مناطق غرب بربر ودار مالي ومصفاة الجيلي، بجانب مناطق الذهب، مشيرين إلى أن صوتها مزعج وواضح وتسير بسرعة متوسطة يمكن مشاهدتها بالعين المجردة حتى في الأمسيات.
وأكد مصدر لـ (التغيير) أن الحوادث معظمها في الليل وعند صلاة الصبح قبل حلول النهار، مما يعزز من فرضية تخوف مطلقيها من انكشاف أمرهم، مرجحاً أن يكون مكانها قريباً، قائلاً: توجيه الإحداثيات بالإنترنت لا يمكن أن يكون من المناطق الخلوية البعيدة.
أهداف غير مدنية
الدعم السريع ظل يؤكد أنه لا يملك طائرات مسيّرة، لكن بعض القيادات الميدانية بقوات الدعم السريع أكدت أن الطيران المسيّر ألحق ضربات موجعة بالجيش، وأن منطقة نهر النيل هدف بالنسبة لهم.
لكنهم أشاروا إلى أن هجمات الطيران المسيّر لا تستهدف المدنيين في نهر النيل، بل المناطق العسكرية.
فيما أكدت قيادات بالدعم السريع أن الطيران المسيّر استهدف مطار عطبرة وتسبب في تدمير مركز التحكم والسيطرة الجوية المسؤول عن إدارة المسيّرات، بجانب أهداف أخرى في منطقة وادي سيدنا ومطار شندي العسكري.
وكانت منصات تابعة للدعم السريع نفت بعض الحوادث الخاصة بالطيران المسيّر، كحادثة صالة إنفيتي بعطبرة في أبريل الماضي، التي استهدفت تجمعاً أسرياً لمقاتلي كتيبة البراء بن مالك الإسلامية، قُتل على إثرها “6” مواطنين وأُصيب العشرات.
بيرقدار وطائرات نوعية
وانتشرت أخبار الطيران المسيّر في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ “15” أبريل 2023، لكن مؤخراً كان هنالك أخبار لافتة، مثل خبر استخدام الجيش السوداني لطائرة “بيرقدار” التركية الشهيرة خلال المعارك الأخيرة.
والخبر الآخر جاء على لسان قوات المهمات الخاصة التابعة للقوة المشتركة والجيش السوداني، حيث أكدت تمكنها من إحباط وصول أسلحة وصفتها بالخطيرة للدعم السريع.
حيث تم الاستيلاء على 3 طائرات درون كبيرة قادرة على حمل 4 صواريخ طراز جوأرض، والاستيلاء على 6 طائرات درون أصغر قادرة على حمل صاروخين طراز جوأرض من طراز Danger Propellers، وهي من إنتاج شركة Woodcomp Propellers في جمهورية التشيك بوسط أوروبا.
أنواع متعددة
وأكد مصدر عسكري لـ”التغيير” أن عدد المسيّرات التي يملكها الدعم السريع كبير جداً، ويتم تعويض ما يتم إسقاطه من قبل الجيش عبر خطوط الإمداد المفتوحة للإمارات في معبر أم دافوق الحدودي مع أفريقيا الوسطى ومعبر إداري الشادي، بجانب مطار نيالا.
وقال المصدر إن الطرفين، الجيش والدعم السريع، يمتلكان طائرات مسيّرة انتحارية واستطلاعية، لكن الفرق يكمن في أن الجيش لديه مسيّرات حديثة من نوع “مهاجر” و”زاجل”، التي تحلق على ارتفاعات شاهقة لا يستطيع الدعم السريع التعامل معها.
كما أن الجيش لديه قوات مدربة على استخدام المسيّرات. في المقابل، قوات التمرد لديها عدد قليل من الفنيين وتعتمد على المرتزقة الأجانب في تشغيل المسيّرات.
وأشار المصدر إلى أن عدد المسيّرات التي هاجمت عطبرة ومروي والفاشر، مثلاً، في أسبوع واحد يصل إلى “100” مسيرة، تم إسقاطها جميعاً، مشيراً إلى أن معظمها انتحارية من الجيل الثاني للمسيّرات من نوع “كوات كوبتر” الصربية المنشأ والمعدلة لحمل صواريخ صغيرة وقذائف هاون مستوردة بواسطة الإمارات.
وأقرّ المصدر بأن الطائرات الانتحارية ليست دقيقة من حيث الضربات، لذلك هنالك ضحايا من المدنيين بالخطأ، عكس الطيران الاستراتيجي الذي عادةً ما يصيب الأهداف بدقة.
منصات متحركة
وحول مكان إطلاقها، توقّع المصدر أن يكون مكان الإطلاق ليس من منطقة واحدة، بل من عدة مناطق ومن منصات متحركة على بعد “200400” كلم.
وأكد المصدر أن الجيش نجح في إسقاط معظم الطائرات المسيّرة للدعم السريع. في المقابل، أسقط التمرد طائرات أقل بكثير، خاصةً من النوع الانتحاري، أما الطائرات المسيّرة الحديثة التابعة للجيش فلا زالت تعمل بكفاءة دون عوائق، لافتاً إلى أن التحدي الذي يواجه الجيش ليس مكان الإطلاق.
وقال إن المنصات المتحركة صعب تحديد مكانها، لكن الأهم هو قفل خطوط الإمداد التي تزود الدعم السريع بهذه المسيّرات.
وأوضح أن الأمر يعضد حديثه هو ضبط عدد كبير من هذه المسيّرات من قبل اللجنة الأمنية بولاية نهر النيل، لكن رغم ذلك لا زالت المسيّرات تجوب سماء عطبرة.
وأبدى المصدر تخوفه من أن يساهم استمرار الحرب في امتلاك الدعم السريع لأنواع متطورة من المسيّرات، على غرار ما تم ضبطه مؤخراً في الفاشر. وبالتالي، يمكن أن تصل هذه الطائرات لأماكن جديدة في الولايات الآمنة التي لم تصلها من قبل.
وأوضح المصدر أن الطيران المسيّر كان مؤثراً في بداية الحرب، حيث استخدمته قوات الدعم السريع في معارك جبل أولياء، والاحتياطي المركزي، والقيادة العامة، والمدرعات، والاستراتيجية، ومن ثم الفاشر ونيالا.
فيما يستخدم الجيش الطائرات المسيّرة بكثافة في ولاية الخرطوم ومصفاة الجيلي، ومن قبل معركة الإذاعة.
لافتاً إلى أن الجيش حقق أهدافاً أكثر من الدعم السريع، حيث كان يعتمد على الطيران التقليدي والمسيّر قبل الانفتاح الأرضي للقوات.
طرف ثالث
المحلل السياسي إبراهيم محمد عبد الله، شكك في مقدرات الدعم السريع على مهاجمة ولاية نهر النيل بصورة دورية، قائلاً: المسيّرات هذه ربما تكون نتيجة لطرف ثالث يريد أن يحقق بعض الأهداف، ربما يكون قصده تنبيه المواطنين بالانتباه، خاصةً وعدم الركون للوضع الأمني المستقر مقارنة ببقية الولايات، خاصةً وأن ولاية نهر النيل تعتبر الأولى من حيث إنتاج الذهب، الذي يعتمد عليه الجيش في تمويل الحرب.
وأضاف: المسيّرات النوعية الإيرانية يمتلكها ويشغلها الجيش، وجزء كبير من المسيّرات الانتحارية تمتلكها قوات البراء بن مالك التي أعلنت عن تطويرها وتصنيع العديد منها، حسبما ظهر ذلك في العديد من مقاطع الفيديو.
لافتاً إلى أن الهجوم على صالة إنفيتي بعطبرة، واحتفال الجيش بحضور البرهان في جبيت، تم بهذا النوع من المسيّرات. قائلاً: ربما كان هنالك صراع بين الأجنحة الإسلامية في الجيش والكتائب.
وقال عبد الله: كل شيء في الحرب وارد، ربما تكون قوات الدعم السريع هي من أطلقت هذه المسيّرات، وبالتالي تكون نجحت في زعزعة الأمن في الولايات البعيدة عن الحرب.
المصدر: صحيفة التغيير