يؤكد ناشطون حقوقيون أن كثيرًا من المهاجرين الذين يُعادون قسرًا إلى السودان لا يُجري لهم فحص دقيق للهوية، بل تُعتمد أقوال أولية أو مظاهر شكلية، ما يعرّض آلاف الأبرياء لخطر الترحيل التعسفي، بل وربما للملاحقة أو الاعتقال بمجرد وصولهم إلى السودان.
بنغازي: التغيير
أثار إعلان جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في مدينة بنغازي الليبية عن ترحيل 700 مهاجر غير نظامي سوداني، معظمهم مصابون بأمراض معدية من بينها الالتهاب الكبدي ونقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، موجة من الجدل والسخط في الأوساط الحقوقية والإعلامية، سواء في السودان أو ليبيا، وسط اتهامات باستخدام ملف الهجرة كأداة للضغط السياسي والتشهير، في ظل توتر العلاقات بين البلدين منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل في السودان.
وجاء في بيان منشور على الصفحة الرسمية لقناة “ليبيا الأحرار” عبر موقع فيسبوك، أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ببنغازي نفّذ عملية ترحيل لما مجموعه 700 مهاجر “غير نظامي” من الجنسية السودانية، جرى ضبطهم جنوب شرق البلاد وفي المنطقة الوسطى، مشيرًا إلى أن أغلب المرحّلين مصابون بأمراض معدية خطيرة مثل فيروس التهاب الكبد ونقص المناعة المكتسبة.

هذا التصريح، الذي لم يُرفق بأي مستندات أو تقارير طبية موثقة، أثار موجة من التساؤلات حول دقته، وسر توقيته، والهدف منه، في ظل التوترات السياسية المتصاعدة بين السودان وليبيا، ووسط مخاوف من أن يتحول ملف الهجرة إلى مادة للدعاية السياسية أو لتبرير انتهاكات بحق المهاجرين واللاجئين.
تساؤلات حول الهوية
تُعيد هذه الحادثة إلى الأذهان حوادث مماثلة جرى فيها ترحيل مهاجرين من الأراضي الليبية على أنهم سودانيون، ليتضح لاحقًا أنهم ينتمون إلى جنسيات أخرى، أو لا يحملون أي أوراق ثبوتية. ويؤكد ناشطون حقوقيون أن كثيرًا من المهاجرين الذين يُعادون قسرًا إلى السودان لا يُجري لهم فحص دقيق للهوية، بل تُعتمد أقوال أولية أو مظاهر شكلية، ما يعرّض آلاف الأبرياء لخطر الترحيل التعسفي، بل وربما للملاحقة أو الاعتقال بمجرد وصولهم إلى السودان.
وفي هذا السياق، يقول أحمد إدريس، وهو محامٍ متخصص في قضايا الهجرة ويتابع حالات السودانيين في ليبيا، إن “الحديث عن أعداد ضخمة من المرحلين دون تدقيق في الهويات، خاصة في ظل التدهور الأمني والمؤسسي، يفتح الباب لانتهاكات جسيمة”، مشيرًا إلى أن “بعض المرحلين الذين وصلوا السودان أخيرًا أفادوا بأنهم تعرضوا لسوء معاملة ولم يُمنحوا حق الطعن في قرار الترحيل”.
التوقيت… والرسائل السياسية
جاء هذا الإعلان في وقت تشهد فيه العلاقات السودانية الليبية فتورًا شديدًا، لا سيما بعد أن طفت على السطح اتهامات من أطراف سودانية بأن مجموعات ليبية مسلحة دعمت طرفًا على حساب الآخر في الحرب الأهلية المستمرة. ويرى مراقبون أن توقيت نشر مثل هذا البيان، وبهذه الصياغة المثيرة، ليس بريئًا.
ويقول الصحفي الليبي أسامة البرعصي إن “القضية تجاوزت بعدها الإنساني وتحولت إلى مادة تستغلها الأطراف السياسية”، موضحًا أن الإعلام الليبي بات يعيد تدوير بعض الأخبار المرتبطة بالمهاجرين كوسيلة لصرف النظر عن أزمات داخلية أو للتأثير على الرأي العام الخارجي.
في المقابل، يرى الخبير السوداني في العلاقات الدولية، د. عبدالعزيز بابكر، أن البيان الليبي يفتقر إلى المهنية الدبلوماسية، ويُظهر نوعًا من “التشهير الممنهج” ضد السودانيين، وقال: “في الوقت الذي يُنتظر فيه تضامن دولي لمعالجة أوضاع اللاجئين الفارين من الحروب، يتم تقديمهم كخطر صحي وأمني، وهذا أمر غير مقبول أخلاقيًا ولا إنسانيًا”.
أوضاع مأساوية للمهاجرين
تشير تقارير دولية إلى أن المهاجرين السودانيين، خاصة بعد حرب أبريل 2023، باتوا يشكلون نسبة متزايدة من طالبي اللجوء في دول شمال إفريقيا، وعلى رأسها ليبيا. ويواجه هؤلاء ظروفًا قاسية، من بينها الاحتجاز غير القانوني، وانتهاكات جسدية، والابتزاز من قبل الميليشيات المسلحة، بالإضافة إلى مخاطر صحية ونفسية جسيمة.
وأفاد محمد النور، وهو مهاجر سوداني سابق احتُجز في أحد مراكز الإيواء الليبية لمدة 6 أشهر، أن “الفحوصات الطبية كانت سطحية إن وُجدت، وغالبًا ما تُستخدم كذريعة لحرماننا من الحقوق أو لترحيلنا دون مراعاة وضعنا القانوني أو الإنساني”.
دعوات للتحقيق والمساءلة
أمام هذه المعطيات، تطالب منظمات حقوقية محلية ودولية بفتح تحقيق عاجل في صحة مزاعم إصابة المهاجرين بالأمراض المعدية، والتثبت من إجراءات ترحيلهم، لا سيما فيما يخص التحقق من هوياتهم، ومدى توافق الترحيل مع القوانين الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين والمهاجرين.
كما ناشدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات الليبية بالكف عن ترحيل المهاجرين دون ضمانات قانونية وصحية، مشددة على أن “الترحيل الجماعي للمهاجرين على أساس الجنسية أو الحالة الصحية المزعومة قد يشكل انتهاكًا للقانون الدولي”.
تداخل معقد
تبقى قضية ترحيل المهاجرين السودانيين من ليبيا لا سيما تحت ادعاءات الإصابة بأمراض معدية مرآة تعكس التداخل المعقد بين السياسة، والأمن، والهجرة، وحقوق الإنسان. وبينما تتواصل معاناة الآلاف على طرق الهجرة غير النظامية، يظل التساؤل قائمًا: من يحمي المهاجرين من أن يصبحوا أدوات في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
المصدر: صحيفة التغيير