
أثار ترحيب الحركة الإسلامية السودانية، بمبادرة ولي العهد السعودي لحل أزمة الحرب بالبلاد، تساؤلات عديدة بشأن هذا الإسراع للترحيب!!
تقرير: التغيير
في تطور مفاجئ، رحبت الحركة الإسلامية السودانية بالمبادرة التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه مؤخراً بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، والتي شددت على ضرورة البدء فورًا بوقف الحرب الدائرة في السودان.
الحركة الإسلامية أعربت، في بيان ممهور بتوقيع الأمين العام علي أحمد كرتي، عن شكرها لما وصفته بـ”المسعى الحميد” للأمير محمد بن سلمان، لدعمه جهود إحلال السلام في السودان.
ولأول مرة توافق الحركة الإسلامية بزعامة كرتي علناً، على مبادرة لوقف القتال في السودان الذي تتهم بإشعال الطلقة الأولى فيه منتصف أبريل 2023، وأثار هذا الإسراع إلى الترحيب بالمبادرة تساؤلات عديدة!!
مبادرات سابقة
وسبق أن طرحت جهات إقليمية ودولية مبادرات لإيقاف الحرب في السودان منها مبادرة “الإيغاد” التي طرحت منذ عامين ووافق عليها الجيش السوداني، وتلخصت في تمديد الهدنة وصولا إلى إيقاف القتال، وإيفاد ممثلين لطرفي الصراع إلى جوبا عاصمة جنوب السودان للتفاوض حول تفاصيل المُبادرة.
كما أعلن الاتحاد الأفريقي، عن خريطة طريق لحل الصراع بالسودان، تضمنت وقفا فوريا ودائما للأعمال العدائية، حماية المدنيين، استكمال العملية السياسية الانتقالية، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية.
وتتصدر الوساطة الأمريكية السعودية مُبادرات وقف القتال في السودان، حيث استضافت مدينة جدة السعودية المفاوضات بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مطلع مايو 2023.
وتهدف المبادرة المشتركة إلى خفض مستوى التوتر، وتهيئة الأرضية اللازمة للحوار، وتمديد الهدنة وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما تتضمن مفاوضات جدة الالتزام بحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، فضلا عن إنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف النار تتكون من ممثلين من الوساطة وطرفي الصراع، إلا أن الهدنة التي تم التوصل إليها لم تصمد طويلا وانهارت في الأيام الأولى من التوقيع عليها.
وفي يناير من العام الماضي وقع عضو مجلس السيادة، نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي وقائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو اتفاق في العاصمة البحرينية “المنامة”، ووجد الاتفاق رفضاً من مجموعات محسوبة على الحركة الإسلامية، مما أدى إلى تراجع كباشي وتنصله عن الاتفاق في أول زيارة له للفرقة 18 بمدينة كوستي بولاية النيل الأبيض.
تحركات الرباعية
لم يتوقف المجتمع الدولي عن طرح المبادرات التي تهدف إلى إيقاف الحرب في السودان، وطرحت الآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات وجمهورية مصر، في 12 سبتمبر الماضي خارطة طريق لإنهاء النزاع في السودان، تنص على تأمين هدنة إنسانية يعقبها وقف إطلاق نار وعملية سياسية تفضي إلى حكم مدني.
واعترضت الحكومة بقيادة الجيش في بورتسودان على الآلية الرباعية لوجود الإمارات التي تتهمها الحكومة بدعم قوات الدعم السريع، وقال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، الأحد 23 نوفمبر الحالي، إن الإمارات إذا كانت جزءً من الرباعية الدولية فإن السودان يرى أن هذه الرباعية ليست مبرئة للذمة، خاصة وأن العالم يشهد تورطها في دعم “المتمردين” ضد الدولة السودانية.
وفي وقت لاحق قال مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس، إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع رفضتا الخطة التي تقدمت بها واشنطن لحل الصراع في السودان.
خطوة سعودية
ويعول كثيرون على المبادرة السعودية لإيقاف الحرب وعودة الأمن والاستقرار خاصة بعد أعلنت الحركة الإسلامية الموافقة عليها، ويعتقد أن الإسلاميين يسيطرون على القرار داخل الجيش وأجهزة الحكومة القائمة.
وبحسب مصادر فإن المبادرة السعودية، التي عرضت على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، تركز على التعامل بأولوية مع الملف السوداني ووقف الحرب من خلال مخاطبة مخاوف الجيش السوداني أولًا، بما في ذلك موقع الجنرال عبد الفتاح البرهان في مرحلة ما بعد الحرب.
وكان البرهان رحب بتصريحات ترامب، وسارع في ذات الليلة إلى نشر تغريدة على منصة “إكس” قال فيها “شكرًا دونالد ترامب” وأضاف “شكرًا ولي العهد السعودي”.
شق صف الرباعية
لكن هل تهدف الحركة الإسلامية من هذا الترحيب إلى تحقيق السلام في السودان، أم نكاية في المجموعة الرباعية؟، ويقول المفكر والمحلل السياسي الدكتور النور حمد في تصريح لـ(التغيير)، إن ترحيب الحركة الإسلامية بمبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو محاولة لإفساد مسعى الآلية الرباعية الرامي إلى عدم إشراك الحركة الإسلامية وواجهتها في الحل.
وأضاف أن الحركة الإسلامية تنظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها الأقرب إليها، ويمكن أن تتجه في خطها لاستمرار الحرب وفق شروطها، إلا إذا سلم الدعم السريع ووضع سلاحه وتجمع في معسكرات محددة مسبقًا. وتابع: “هذا ما ظل يردده الإسلاميون ويفرضونه على البرهان”.
وأشار حمد إلى أن الحركة الإسلامية تحاول الانتقال من خطة الآلية الرباعية إلى خط جديد مع السعودية، وأوضح أن السعودية، رغم كونها في نفس الخط مع أمريكا وجزءًا من الآلية الرباعية، تسعى لشق الصف في الرباعية، لكنه لا يعتقد أن ذلك سيحقق للحركة الإسلامية ما تهدف إليه.
قطع الطريق
وفي السياق، قال المهتم بالجماعات الإسلامية محمد ميرغني، لـ(التغيير)، إن ترحيب الحركة الإسلامية بالمبادرة السعودية يأتي لقطع الطريق أمام الآلية الرباعية التي تؤكد على ضرورة إقصاء الجماعات الإسلامية المتحالفة مع الجيش السوداني وإبعادها من أي عملية سياسية قادمة، مشيرًا إلى اتهامها بشكل أساسي بإشعال حرب أبريل 2023.
وأضاف أن الحركة الإسلامية تحاول التقرب من المملكة السعودية لخدمة حساباتها السياسية والعسكرية، وتراهن على مسار بصيغة ثنائية سعودية أمريكية لإحياء مفاوضات تمنح الجيش أفضلية في التمثيل والقرار.
منظمة إرهابية
وعلى صعيد ذي صلة، كان التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” بزعامة رئيس الوزراء السوداني السابق د. عبد الله حمدوك دعا في بيان، المجتمعين المحلي والدولي إلى تصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السودانية كمنظومة إرهابية.
وجاءت الدعوة في خضم الحرب الدائرة في السودان، وتستند إلى تاريخ طويل من الاتهامات الموجهة ضد هذه المنظومة، حيث تتهم عناصر من الجيش بإشعال الحرب بإطلاق الطلقة الأولى في المدينة الرياضية جنوب الخرطوم، ما أدى إلى انتقال الصراع إلى أجزاء واسعة من السودان وتخلف أكبر أزمة إنسانية في العالم وفقًا للأمم المتحدة.
تصعيد الصراع
لكن مراقبين يخشون من أن تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية قد يعقد الأزمة بسبب تصعيد الصراع، حيث قد ترد الحركة بتعزيز تحالفاتها وتصعيد موقفها، مما يزيد من حدة العنف. ورأوا أن التصنيف قد يقوض جهود الحوار الوطني ويقلل من فرص التوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف.
الحوار السوداني
بدوره، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي عمر أرباب، أن أي تحرك من هذا النوع يجب أن يأتي في سياق خطة شاملة لحل الأزمة وليس كإجراء منفرد، وشدد على أهمية الحوار الوطني السوداني دون تدخل خارجي.
وفي المقابل، يرى محللون أن تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية قد يكون له تأثير محدود إذا لم يترافق مع جهود دبلوماسية مكثفة لوقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق جدة.
وبالرغم من ميل معظم المحللين إلى أن ترحيب الإسلاميين ربما يكون تكتيكاً في مواجهة ضغوط الرباعية الدولية، إلا أن السؤال ويظل قائماً هل يعكس الترحيب بالمبادرة السعودية رغبة صادقة في وقف الحرب في السودان، أم أنه مجرد محاولة لتشتيت جهود الآلية الرباعية وشق صفها؟.
المصدر: صحيفة التغيير
