كشفت أسرة المعتقل عن تعرضها لابتزاز ومساومات من قبل السلطات الأمنية في ولاية الجزيرة على مدى الشهرين الماضيين، حيث ربطت هذه السلطات إطلاق سراح بحيري بتخليه عن “مواقفه الثورية” وانخراطه في ما أسموه “مسيرة بناء الوطن..

التغيير: ود مدني

ناشدت أسرة المؤرخ والإعلامي، خالد بحيري الرأي العام والمنظمات الحقوقية للتدخل من أجل الإفراج الفوري وغير المشروط عنه، وذلك بعد أن أمضى نصف عام في معتقلات الجيش السوداني بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة. وأكدت الأسرة أن احتجاز بحيري تعسفي وكيدي، ولا يستند إلى أي أساس قانوني.

وأفادت أسرة المعتقل في بيان  الثلاثاء، أن بحيري، البالغ من العمر 70 عاماً، يتعرض لتعذيب نفسي شديد وتدهور في حالته الصحية جراء ظروف الاحتجاز القاسية.

وكشفت الأسرة عن تعرضها لابتزاز ومساومات من قبل السلطات الأمنية في ولاية الجزيرة على مدى الشهرين الماضيين، حيث ربطت هذه السلطات إطلاق سراح بحيري بتخليه عن “مواقفه الثورية” وانخراطه في ما أسموه “مسيرة بناء الوطن”.

وأضافت الأسرة أن خالد يتعرض لترهيب ممنهج، يتضمن إحضار معتقلين آخرين إلى زنزانته وتعذيبهم جسدياً أمامه بهدف إرهابه.

وتشدد الأسرة على أن هذه الممارسات تعكس عدم وجود أي سند قانوني لاعتقال بحيري، وأنها محاولة للانتقام منه بسبب مواقفه النضالية.

وكان خالد بحيري قد اعتُقل في 14 يناير 2025 من منزله في ود مدني بواسطة جهاز المخابرات السوداني، واُقتِيد إلى جهة مجهولة دون أمر قضائي أو توجيه تهمة، في انتهاك صارخ للحقوق الدستورية والقانون الدولي، وفقاً لما أكده بيان سابق لـ “محامو الطوارئ”. وظل بحيري رهن الاحتجاز التعسفي، محرومًا من التواصل مع محاميه أو أسرته لعدة أشهر.

دور إنساني تحول إلى تهمة

يُعرف بحيري بنشاطه المدني السلمي، حيث أدى دوراً محورياً في قيادة المبادرات الإغاثية بمدينة ود مدني خلال فترات النزاع، فقد أسهم في توفير العلاج والمياه للمدنيين العالقين، ووثّق هذه الأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعتقد أنه جعله هدفاً للاستهداف، خاصة بعد مغادرة حكومة ولاية الجزيرة والأجهزة الأمنية للمدينة إثر دخول قوات الدعم السريع.

وبعد مرور ثلاثة أشهر على اعتقاله، ظهر بحيري للمرة الأولى في مدينة المناقل، وبدت عليه آثار الإعياء الشديد، وتدهورت حالته الصحية بشكل ملحوظ نتيجة ظروف الاحتجاز المتردية.

سجل مرعب من الاعتقالات التعسفية

قضية خالد بحيري ليست معزولة، بل تندرج ضمن نمط أوسع من الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب التي يشهدها السودان، والتي طالت عدداً كبيراً من النشطاء والمدنيين والصحفيين والأطباء، وحتى الأجانب، منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.

وقد وثقت تقارير أممية ومنظمات حقوقية محلية ودولية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المعتقلات التابعة للطرفين.

تؤكد تقارير الأمم المتحدة، بما في ذلك تقرير صادر في مارس 2025 عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وجود نمط مستشرٍ لحالات الاحتجاز التعسفي والتعذيب الممنهج وسوء المعاملة للمعتقلين من قبل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. وتشمل الشهادات تفاصيل مروعة عن ظروف الاحتجاز المزرية والاكتظاظ، والحرمان من التواصل مع العائلات والمحامين.

كما سجلت اللجنة الوطنية السودانية لحقوق الإنسان ما يقرب من 14,506 حالات إخفاء واحتجاز قسري، هذا بالإضافة إلى تصفية الأسرى.

العديد من الأفراد اختفوا بعد اعتقالهم، وبقي مصيرهم مجهولاً، مما يثير مخاوف جدية على سلامتهم.

على غرار حالة خالد بحيري، تعرض العديد من المدنيين الذين حاولوا تقديم المساعدة الإنسانية أو توثيق الأحداث للاستهداف والاعتقال أو التهديد.

ويشير تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2024 إلى استهداف قوات الدعم السريع للأشخاص داخل منازلهم، وفي الأسواق والشوارع، بينما وثقت هيومن رايتس ووتش أيضاً هجمات على البنية التحتية المدنية والمدنيين من قبل الطرفين.

وفي بعض الولايات، خاصة تلك التي يسيطر عليها الجيش مثل البحر الأحمر ونهر النيل والولايات الشمالية، صدرت أحكام بالإعدام أو السجن المطول بتهم تتعلق بالتعاون مع “الدعم السريع”، حتى في غياب أدلة قاطعة، مما يثير تساؤلات حول عدالة الإجراءات القضائية في ظل النزاع.

وبالإضافة إلى الاعتقالات والتعذيب، وثقت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان استخدام العنف الجنسي الواسع النطاق، خاصة من قبل قوات الدعم السريع، وتجنيد آلاف الأطفال قسرياً وإقحامهم في ساحات القتال.

وأشار خبراء الأمم المتحدة إلى أن مستوى انتهاكات حقوق الإنسان في السودان “مرعب”، ودعوا الأطراف المتحاربة إلى الوقف الفوري لهذه الممارسات وتحسين ظروف الاحتجاز، وضمان المساءلة عن جميع الانتهاكات، بغض النظر عن هوية مرتكبيها.

وقال ناشطون إن استمرار الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب يمثل انتهاكاً خطيراً للقوانين الدولية والمحلية، ويقوض أي جهود لإحلال السلام والاستقرار في البلاد. ودعت أسرة خالد بحيري، ومعها المنظمات الحقوقية، المجتمع الدولي للضغط على السلطات السودانية للإفراج الفوري عن بحيري وجميع المعتقلين التعسفيين وضمان حقهم في العيش بكرامة وحرية، وللكشف عن مصير المفقودين وتقديم مرتكبي هذه الانتهاكات للعدالة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.