تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ «2»
التغيير: أمل محمد الحسن
حرب الـ 15 من أبريل أربكت دول الجوار السوداني التي تأرجحت بين دعم الجيش أو الاصطفاف إلى جانب الدعم السريع وفق مصالحها، علناً أو بصورة مستترة، فيما أجبر تطاول أمد الحرب بعض الدول على تغيير مواقفها، ويظل القلق العالمي قائماً من تمدد الصراع وآثاره في محيط جغرافي يعاني من عدم الاستقرار الأمني في عدد من الدول مثل إثيوبيا وليبيا وأفريقيا الوسطى إلى جانب وجود انفلاتات أمنية مرشحة للحدوث في دولة مثل جنوب السودان التي لم تتمكن من الاستعداد للانتخابات وتعاني انهياراً اقتصادياً كبيراً.
الحدود الشرقية
في حدود السودان الشرقية مواقف متناقضة في دولتين جارتين، إثيوبيا وإريتريا، تعانيان من توترات كبيرة بينهما، على الرغم من مشاركة أسمرا في حرب التيغراي دعماً لأديس أبابا إلا أنه حدثت تحولات إقليمية كبيرة أثرت على العلاقة بينهما قبل أن تصطف كل دولة فيهما لجانب أحد طرفي الحرب السودانية.
محرر موقع عدوليس الإخباري الإريتري: أسمرا هي العاصمة الوحيدة التي لم ترحب بحكومة حمدوك ولم تشارك في توقيع الاتفاق
موقف معلن
على الرغم من أن الدولتين لم تعلنا دعمهما لأحد طرفي الحرب في تصريحاتهما الرسمية إلا أن أفعال أسمرا تكشف عن دعم واضح للجيش السوداني يتمثل في تدريب مليشيات على أراضيها.
الدعم الإريتري للجانب العسكري لم يكن وليد الحرب فوفق محرر موقع عدوليس الإخباري الإريتري جمال همد أسمرا هي العاصمة الوحيدة التي لم ترحب بحكومة حمدوك ولم تشارك في توقيع اتفاقية الخرطوم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري آنذاك، “ومن حينها فإن العلاقة بينها والعسكر ظلت متصلة”.
مصدر سياسي من شرق السودان: وصول الحرب إلى كسلا وخشم القربة وهمشكوريب سيجبر أسمرا على خوض الحرب لجانب الجيش السوداني
تدريب المليشيات
في الوقت الذي تشير فيه تصريحات القيادة السياسية في إريتريا للوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة، يدرب الجيش الإريتري مجموعات مسلحة الأمر الذي يؤكد دعمها المباشر لصالح الجيش وفق باحث أكاديمي مختص في القرن الإفريقي، فضل حجب اسمه.
وأكد الباحث أن زحف الحرب إلى حدودها سيجعلها تتخذ مواقف مختلفة في إشارة إلى إمكانية تدخلها في القتال رسمياً!
واتفق مع الباحث الأكاديمي مصدر سياسي من شرق السودان فضل حجب اسمه حول أن وصول الحرب لمدن كسلا وخشم القربة وهمشكوريب سيجبر أسمرا على خوض الحرب إلى جانب الجيش السوداني، مؤكداً أن دعم أسياس أفورقي للجنرال عبد الفتاح برهان علني ولا لبس فيه.
من جهته، أكد الصحفي الإريتري جمال همد وجود علاقات جيدة بين رئيس بلاده والحركات المسلحة الدارفورية التي لديها أيضاً معسكرات تدريب في إريتريا، مشيراً إلى أن مصادر تمويلها تعود لقائد الجيش السوداني.
ومضى المصدر السياسي في تفصيل التدريب العسكري على الأراضي الإرتيرية، مشيراً إلى وجود 4 مجموعات من الشرق في مناطق حدودية بعلم الجيش والمخابرات.
وأضاف أن هناك نقطة خلاف بين أسمرا وبورتسودان تكمن في كون أن الجانب الإريتري يدخر هذه المليشيات لمجابهة وصول قوات الدعم السريع لحدودها في الوقت الذي يضغط البرهان لتخرج هذه القوات لقتال الدعم السريع خارج الولايات الشرقية.
خلافات غير معلنة
الدعم الإريتري لجانب الجيش لا يخلو من خلافات كانت واضحة في طرد أسمرا للسفير السوداني لديها خالد عباس في يوليو الماضي، فيما تم تداول صورا جمعت الرئيس أسياس أفورقي مع بعض رجالات الإدارات الأهلية في شرق السودان، الناظر محمد الأمين ترك والعمدة حامد طاهر أوكير، ما يشير إلى تقارب أهلي يوازي العلاقات الرسمية ويثير التساؤلات.
وبدون أن يصدر أي بيان أو توضيح رسمي من الجانب الإريتري حول إمهال السفير السوداني 72 ساعة لمغادرة أسمرا وصلت قطع بحرية خاصة بالأسطول البحري الإريتري لشواطئ بورتسودان في محاولة لصرف الأنظار عن الخلافات التي لم يعلم تفاصيلها شخص لجهة أن الرئيس الإريتري يتحكم وحده في ملف العلاقات الخارجية وفق محرر موقع عدوليس الإريتري.
وأشار جمال همد إلى القمة الثلاثية التي جمعت رئيس بلاده مع البرهان ورئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت في جوبا تأكيداً على دعمهم للجيش السوداني في مواجهة العلاقات المتنامية بين قوات الدعم السريع ودولة الإمارات العربية التي يصفها الصحفي الإريتري بـ”عدوة أسمرا”.
جمال همد: أفورقي تحالفاته تتغير بشكل سريع ودراماتيكي ولا يمكن الركون إلى استمرار مواقفه
صراعات القرن الأفريقي
وقال همد في مقابلة مع (التغيير)، إن الصراعات في القرن الأفريقي انعكست في الساحة السودانية، مشيراً إلى سعي قوات الدعم السريع للوصول إلى الحدود الإثيوبية لضمان التدفق السلس للمساعدات الإماراتية التي تأتي عبر أديس أبابا!
وأكد أن اللقاء الذي تم بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد لم يكن مريحاً لرئيس بلاده “أمريكا تفضل أن تلعب إثيوبيا الدور الأكبر في الحلول بدلاً عن أسمرا”.
ووصف همد رئيس بلاده بـ”البراغماتي”.. “تتغير تحالفاته بشكل سريع ودراماتيكي ولا يمكن الركون إلى استمرار مواقفه وهذا ملاحظ في تعامله مع الأزمة الإثيوبية التي تحول فيها من النقيض للنقيض”.
الصحفي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد: وساطة آبي أحمد بين البرهان وأبو ظبي لم تؤت أكلها
وساطة إثيوبيا
لعبت أديس أبابا من جانبها دور الوسيط ليس بين طرفي الحرب لكن بين الجيش ودولة الإمارات التي تتهمها حكومة بورتسودان بتمويل الدعم السريع حيث زار الرئيس الإثيوبي آبي أحمد بورتسودان في أواخر يوليو المنصرم من أجل وساطة وصفها الصحفي والمحلل السياسي الاثيوبي عبد الشكور عبد الصمد حسن بأنها لم تؤت أكلها لجهة تأثير “جهات” لم يسمها لا ترغب بأن يكون لأديس أبابا دور في السودان.
وقال حسن في مقابلة مع (التغيير)، إن موقف بلاده من طرفي النزاع “محايد” ويسعى في الوقت نفسه للحفاظ على وحدة الدولة السودانية، واصفاً الحديث عن دعم أديس أبابا للدعم السريع بـ”المزايدات” يدعمها إعلام محسوب على “بعض الجهات الإقليمية”.
“إثيوبيا علاقتها متميزة مع الإمارات لكن ليس على حساب مصالحها ومواقفها المعلنة والواضحة”.
ونفى الصحفي الإثيوبي ما قاله الصحفي الإريتري همد حول وصول دعم إثيوبي للدعم السريع عبر أديس أبابا “لا يصل عن طريق إثيوبيا أو حدودها أي دعم لقوات الدعم السريع وهذا دليل على أن الموقف الإثيوبي يرفض دعمهم على حساب الجيش والدولة السودانية”.
حياد ولكن…
لم تنظر حكومة بورتسودان إلى مواقف إثيوبيا باعتبارها محايدة، واعترضت على ما قاله الرئيس آبي أحمد في اجتماع للإيغاد في العاشر من يوليو من العام 2023م تحدث فيه عن ضرورة حظر الطيران والمدفعية الثقيلة، واصفاً الوضع السياسي في السودان بأنه يعاني من “فراغ في القيادة”! وضم صوته لصوت الرئيس الكيني بضرورة نشر قوات شرق أفريقيا العسكرية “إيساف” في السودان لحماية المدنيين الأمر الذي رفضته الخارجية السودانية في بيان وقالت إنها ستعتبر أي قوات تدخل للبلاد قوة معادية!.
مخرجات هذه القمة التي انسحب منها وفد السودان ممثلاً في سفيره بأديس أبابا فيما حضره مستشار لقائد الدعم السريع إلى جانب وفد من قوى الحرية والتغيير لجلسته الختامية، جعلت السودان يعيد حسابات انضمامه للإيغاد.
استقبال حميدتي
في نهايات ديسمبر أغضبت أديس أبابا حكومة بورتسودان مرة أخرى باستقبالها لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو على أراضيها، في ثاني زيارة له بعد كمبالا في أول مغادرة له للبلاد بعد اندلاع الحرب، وعلى الرغم من أن البساط لم يكن أحمر ولم يتم وضع علم السودان خلفه إلا أن مظاهر الاحتفاء لم تكن غائبة حيث استقبله وزير الخارجية ووزيرة الدولة بالخارجية ونشر رئيس الوزراء تغريدات على منصة (إكس) فيها صور جمعته مع حميدتي، مشيراً إلى أنه تباحث معه حول إحلال السلام في السودان.
لم يعتبر الباحث في شأن القرن الأفريقي تدخلات أديس أبابا “مؤثرة” طوال فترة اندلاع الحرب لكنه أكد وجود عاملين سيجعلناها تتدخل بصورة أوضح في السودان الأول اقتراب القتال لحدودها خاصة بعد وصول قوات الدعم السريع لولايتي النيل الأزرق وسنار واقترابها من ولاية القضارف والثاني هو التدخل المصري الكبير حيث حجزت القاهرة مقعداً لها في طاولة مفاوضات سويسرا وقبلها مباحثات المنامة السرية!.
مغازلة الجيش
الخوف من النفوذ المصري بالإضافة للمصالح الإقليمية ربما تكون هي السبب الرئيس خلف مغازلة رئيس الوزراء الإثيوبي للجيش السوداني في خطابه أمام برلمانه في يوليو من العام الحالي، حيث أكد أنهم لم يسعوا لاستعادة الأراضي المتنازع عليها أثناء انشغال الجيش بالحرب تقديراً لدور السودان الذي دائماً ما استقبل اللاجئين الإثيوبيين في أراضيه، ونوه إلى أنهم لم يتوقفوا عن تصدير الكهرباء على الرغم من توقف السودان عن السداد طوال عامين.
سبقت هذه التصريحات حضوره شخصياً لبورتسودان في التاسع من يوليو، فيما أكد مراقبون أنها زيارة بالوكالة لدولة الإمارات، وصدق ذلك التحليل محادثة جرت لأول مرة منذ اندلاع الصراع بين قائد الجيش ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في 18 يوليو الماضي.
همد: وصول الدعم السريع إلى أي منفذ حدودي مع إثيوبيا سيؤمن له خط امداد مستمر
مقر لحميدتي
وعلى الرغم من التصريحات المعلنة التي تقول بحيادية أديس أبابا إلا أنه لا يمكن التغاضي عن العلاقة الحميمة بين قائد قوات الدعم السريع وآبي أحمد والاستثمارات الضخمة التي لا يعلم تفاصيلها أحد، وما يؤكد عمق هذه العلاقات عدم انخراط قوات الدعم السريع في مواجهة إثيوبيا خلال المعارك الحدودية التي حدثت مع الجيش السوداني في أواخر العام 2020م.
فيما تشير مصادر إلى أن “حميدتي” يتخذ من الأراضي الإثيوبية مقراً له بينما تسعى أديس أبابا إلى عمل وساطات سرية بين قوات الدعم السريع ودولة جنوب السودان.
وكشف مصدر مطلع لـ(التغيير)، عن زيارة سرية لقائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو رفقة مسؤول رفيع في الجيش الإثيوبي إلى جوبا خلال العام الحالي للتباحث حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك مرتبطة بتوصيل نفط الجنوب وحصول الدعم السريع على منفذ عبر الحدود بين جنوب السودان ودارفور.
وأكد مصدر فضل حجب اسمه سيطرة قوات الدعم السريع على بعض النقاط الحدودية من داخل الأراضي الجنوبية، مشيرا إلى أنه أحد أسباب زيارة البرهان للقاء الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير ميارديت.
ووفق الصحفي الإريتري جمال همد فإن وصول الدعم السريع إلى أي منفذ حدودي مع إثيوبيا سيؤمن له خط امداد مستمر، في حين أشار الصحفي المصري سيد مصطفى إلى ظهور العلم الإثيوبي بالفعل في يد جنود يقاتلون مع الدعم السريع!.
تقاطعات إقليمية دولية
الاصطفاف المعلن وغير المعلن لأسمرا في صف الجيش السوداني من جهة ولأديس أبابا إلى جهة الدعم السريع من جهة أخرى يزيد التوتر بين الدولتين الجارتين، توترات تؤثر على كافة منطقة القرن الأفريقي وهي لا تخلو من تقاطعات إقليمية ودولية حيث تقف خلف إثيوبيا دولة الإمارات التي تعتبر علاقاتها الدبلوماسية ليست في أفضل أحوالها مع إريتريا، فيما تزاحم روسيا لإيجاد موطئ لطراداتها وفرقاطاتها على شواطئ أسمرا التي تمتد لألف كيلومتر على البحر الأحمر!.
تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (1)
المصدر: صحيفة التغيير