تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (1)
ماهر أبو الجوخ: تغير الموقف المصري من دعم الجيش بعد انهيار فرضية أنها ستكون حربا خاطفة محسومة لصالح الجيش
حرب الـ 15 من أبريل أربكت دول الجوار السوداني التي تأرجحت بين دعم الجيش أو الإصطفاف إلى جانب الدعم السريع وفق مصالحها، علنا أو بصورة مستترة، فيما أجبرت استطالة أمد الحرب بعض الدول على تغيير مواقفها، ويظل القلق العالمي قائما من تمدد الصراع وآثاره في محيط جغرافي يعاني من عدم الاستقرار الأمني في عدد من الدول مثل اثيوبيا وليبيا وإفريقيا الوسطى إلى جانب وجود انفلاتات أمنية مرشحة الحدوث في دولة مثل جنوب السودان التي لم تتمكن من الاستعداد للانتخابات وتعاني انهيارا اقتصاديا كبيرا.
التغيير: أمل محمد الحسن
كل دول الجوار دون استثناء غض النظر عن مواقفها من طرفي الحرب عانت من آثاره المتعلقة بدخول اللاجئين السودانيين الفارين من الموت وتبعات الانفلاتات الأمنية التي تنتشر بالترافق مع تجارة السلاح والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية و ألقت بأعباء اقتصادية وأمنية على اقتصادات غير مستقرة ومرافق صحية وتعليمية هشة ليست مستعدة لاستيعاب أكبر أزمة لجوء على مستوى العالم وفق منظمات الأمم المتحدة.
الجارة الشمالية
وجود قوات مصرية في قاعدة مروي الجوية شمالي السودان كانت أحد أسباب التسريع بإندلاع الصراع؛ لجهة أن قائد الدعم السريع “حميدتي” اعتبرها تهديدا مباشرا وطالب قائد الجيش الفريق “البرهان” بسحبها في لقاء تصالحي، سعى لخفض التوتر، جمعهما في مزرعة أحد رجال الأعمال بحي كافوري بتاريخ 8 أبريل 2023، أيام قليلة سبقت اندلاع الحرب!
فشل المساعي التصالحية جعلت “حميدتي” يرسل قواته لتحاصر قاعدة مروي ومع انطلاق الرصاصة الأولى في المدينة الرياضية بالعاصمة ارتد صداها في شمال البلاد ووقع في أسر قوات الدعم السريع عدد من الضباط والجنود المصريين الذين تمت إعادتهم لاحقا لبلادهم.
أسباب الوجود المصري العسكري في السودان تعود للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين “حماة النيل” تم فيها استبعاد قوات الدعم السريع وفق ما كشف ضابط رفيع لـ “التغيير” رفضت مصر مشاركتهم وبعدها لم تغادر القوات المصرية الأراضي السودانية كما هو متعارف عليه بعد نهاية التدريبات المشتركة.
مشاركة الجيش المصري في الحرب لصالح الجيش لم تخف على أحد وأكد شهود عيان من شمال السودان رؤية الطيران الحربي المصري في سماء البلاد، وعلى الرغم من سعيها مؤخرا للحل التفاوضي إلا أنها غازلت الجيش عبر مطالبة امريكا عدم مساواته مع “أي أطراف أخرى” في لقاء جمع وزيري الخارجية الامريكي والمصري في سبتمبر الجاري.
“مصر ساندت الجيش السوداني لإنهاء التمرد” هذا ما أكده الصحفي المصري المهتم بالشأن السوداني سيد مصطفى الذي أكد تغير مواقف بلاده في الوقت الراهن.
سيد مصطفى: القاهرة دعمت الجيش ليقضي على التمرد لكن سلوك الحكومة وعلاقتها مع إيران وتركيا وظهور الكتائب الإسلامية حولها لأحد الجالسين على طاولة التفاوض
تكتيك مصري قديم
هذا الدعم السياسي واللوجستي والعسكري الذي لا يعلم أحد تفاصيله مدفوعا برغبة القاهرة في انفراد الجيش بالسلطة وفق المفكر والأكاديمي النور حمد مؤكدا أن قائد الجيش مقابل هذا الدعم أتاح لمصر نهب موارد البلاد من الذهب والثروات الزراعية والغابية بصورة لم تتحقق لها طيلة تاريخ علاقتها مع السودان.
وقال حمد في مقابلة مع “التغيير” إن مصر قبل الحرب شهد سفيرها بالخرطوم تدشين حاضنة “زائفة” للجيش حد وصفه، فيما استضافت على اراضيها لقائين لهذه الحاضنة بعد الحرب “كل هذا لم يؤت بثمار” لجهة أن القاهرة اكتشفت أن قائد الجيش قراره تحت قبضة الإسلاميين!، و أضاف “تعنت البرهان أجهض كافة دعوات التفاوض في جنيف ولقاء القاهرة مع المبعوث الأمريكي الخاص”.
النور حمد: القاهرة دعمت الجيش السوداني لتسمح له بالإنفراد بالسلطة ليتيح لها نهب موارد البلاد
تحول جذري
من داعمة للجيش واستمرار الحرب لباحثة عن التفاوض، تغير موقف القاهرة بصورة جذرية منذ مطلع العام الجاري عندما عقدت القيادات فيها لقاءات مباشرة مع قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في اراضيها، وفق مصدر سياسي فضل حجب اسمه، تمهيدا لمفاوضات المنامة التي تمت برعاية مصرية إماراتية.
التحول الكبير في الموقف المصري جاء لعدة أسباب على رأسها انهيار فرضية أنها ستكون حربا خاطفة محسومة لصالح الجيش بحسب القيادي في حزب التحالف الوطني السوداني ماهر أبو الجوخ الذي أكد أنه بعد مرور أكثر من خمسمائة وانتشار الحرب في معظم ولايات السودان وتقف على تخوم حواضر ولايتي النيل الأبيض ونهر النيل “لم يتبق سوى ولايتين فقط هما البحر الأحمر وكسلا” اتضح عدم صحة تلك الفرضية!
وأشار أبو الجوخ إلى أن مصر باتت محاطة بدول ملتهبة غير مستقرة على طول حدودها من غزة شرقاً وليبيا غرباً والان السودان جنوباً.
وقال أبو الجوخ لــ “التغيير” إن الواقع يؤكد أن الحسم العسكري لصالح أي طرف لن يكون أمرا سريعا وعاجلا وخلال الوقت الذي ستستغرقه هذه العملية ستحدث تحولات كبيرة في أبنية وتركيبة الأطراف المتقاتلة قد تفرز أطرافا جديدة تتشظى من الأطراف الرئيسة أو تنتج جراء استمرار الحرب ما سيعقد الحلول “هذا ما ظهر بعد نهاية العام الأول اذ تعتقد قوات الحركات التي تحالفت مع الجيش أنها طرف أساسي يجب استصحابه في أي مفاوضات مستقبلية”.
وأضاف: الخيار الأفضل لكافة الأطراف الإقليمية وخاصة مصر ضمان إيقاف الحرب الآن قبل الغد لجهة أن التعقيدات ستكون أكبر مستقبلا وقد تحول الحدود المصرية السودانية لبؤرة حرب غير مستقرة.
ويبدو أن من ضمن أسباب التحولات أن مصر بدأت تشكك في “رجلها القوي” بحسب الصحفي المختص في الشأن الإفريقي سيد مصطفى بعد الضربات الموجعة التي تلقاها الجيش في الجزيرة وسنار مشيرا إلى تخوف بلاده من وصول الدعم السريع إلى حدودها وإلى الحدود الاثيوبية ليصبح لاعبا بالوكالة في مقابل حصوله على العتاد منها “رأينا بالفعل فيديوهات للدعم السريع يظهر فيها العلم الاثيوبي!”
وقال مصطفى في مقابلة مع “التغيير” إن سلوك الجيش السوداني أحد أسباب تغيير مواقف القاهرة منها استعانته بايران وتركيا وتزامن ذلك مع ظهور الكتائب الإسلامية مثل البراء بن مالك ولواء المعتصم الأمر الذي يثير سؤالا حول دور تلك المليشيات بعد الحرب.
وأضاف: عملية اعتقال قائد البراء في السعودية يرسل رسائل قوية تدل على رفض المحور المصري السعودي لوجود “هذه الأشكال” في السودان
وأشار الصحفي المهتم بالشأن الإفريقي إلى الضغوط الدولية الكبيرة في اتجاه وقف الحرب لا سيما من الجانب الأمريكي الذي لا يريد خروج الصراع عن السيطرة خوفا من أن يصب في مصلحة الروس الذين تحولت مواقفهم من دعم مطلق للدعم السريع عبر فاغنر في بداية الحرب إلى أداة ضغط على النظام السوداني “لتعديل سلوكه” مع موسكو “السودان يستمر في تقديم القرابين لروسيا من أجل رفع يدها عن دعم حميدتي”
الضغوطات الإنسانية
وتحدث الصحفي المصري عن القلق الرسمي مما موصفه بموجات النزوح والهجرة من السودان لمصر التي تشكل عبئا كبيرا لجهة أن بوابات الهجرة غير الشرعية مفتوحة على مصراعيها وأشار مصطفى إلى تسبب اللاجئين في مشاكل أمنية كبيرة بسبب عدم وجود بيانات وملفات أمنية خاصة مع فتح السجون السودانية.
وقال إن اللاجئين السودانيين يتكدسون في مناطق معينة يؤثرون فيها على ارتفاع الأسعار وغياب فرص العمل مما يؤدي إلى تذمر واسع من الجهات الرسمية والمواطنين على حد سواء.
وأشار مصطفى إلى أن طاولة المفاوضات الأخيرة في جنيف لم تضم مصر فقط “هناك رغبة في أن يجلس الداعمان الرئيسان لطرفي الحرب مصر والإمارات في الطاولة واعطاء ضمانات لانهاء الحرب وايصال المساعدات”.
وأشار إلى أن القيادة الرسمية لا تظهر تذمرها من اللاجئين على الرغم من قيامها بإجراءات حادة وصلت لترحيلهم لكنها من جهة ثانية سمحت بشكل غير رسمي بإطلاق يد أصوات تطالب بتقليص وجودهم وعدم الترحيب بوفود أعداد أكبر من اللاجئين وابراز مساوئ هذا التدفق.
مع التقسيم أم الوحدة؟
مصر تراقب دعوة جزء من التيار الاسلامي الذي بدأ يروج لما يسمى “دولة النهر والبحر”، ويعني ذلك انفصال كردفان ودارفور كما انفصل الجنوب، ليحكم الإسلاميون الجزء الشمالي والشرقي من السودان، ومن وجهة نظر الأكاديمي النور حمد إن هذا يخدم الاستراتيجية المصرية.
ومضى حمد يقول إن قيام تلك الدولة سيجعلها مهددة بزحف دولة الغرب الأقوى عسكريا عليها مما يضطرها للجوء للحماية المصرية. “وهذا ما ظلت تحلم به مصر من العصور القديمة” مضيفا أن المعادلة ستتلخص في الحماية المصرية للدويلة الضعيفة نظير الموارد ولاحقا الاستتباع الكامل، وربما الدمج النهائي في الدولة المصرية في مراحل لاحقة “وهو مخطط لابد ان تكون خطواته الوئيدة جاهزة لدى جهاز المخابرات المصرية”.
اختلف الصحفي المهتم بالشأن السوداني سيد مصطفى جذريا مع ما ذهب إليه النور حمد قاطعا بأن بلاده تسعى بكل الطرق للمحافظة على السودان موحدا مشيرا إلى استضافة القاهرة احتفالية تتحدث عن تنوع السودان مؤكدا انها طريقة جديدة في التفكير لدى صانع القرار المصري الذي أدرك أن مبدأ “الباب الواحد” تغير وباتت هناك ضرورة للتحدث عن السودان المتنوع.
وقال مصطفى لـ “التغيير” القيادة المصرية تعد نفسها لواقع السودان لما بعد الحرب التي دون شك ستغير من بنية السودان ديمغرافيا مشيرا إلى أن مصر تسعى للضغط بقوة للعودة للمفاوضات من أجل ضمان السودان الموحد معربا عن مخاوفه في الوقت نفسه من أن تؤدي سيطرة الدعم السريع على جزء كبير من إقليم دارفور مع وجود الحركات المسلحة والتجييش القبلي إلى منع الحكومة المركزية من أن تكون صاحبة القرار الأول والأخير!
الجارة الجنوبية
الحرب الطويلة في السودان خنقت دولة جنوب السودان اقتصاديا، فقد أثر توقف تصدير النفط لوقت طويل على خزينة الدولة وتوقفت مرتبات العاملين بالدولة لعام كامل بحسب الصحفي والمحلل السياسي اتيم سايمون.
وقالت مصادر في الجنوب لـ”التغيير” إن العملة انهارت مقابل الدولار للحد الذي توقفت عدد من الجهات التجارية عن التعامل بالعملة الوطنية واصبح تحصيل الايجارات وكافة العمليات يتم عبر الدولار الأمريكي فقد فاق سعر الجنيه 500 مقابل الدولار الواحد وهو تقريبا ضعف التدهور في قيمة الجنيه السوداني.
الصحفي والمحلل السياسي أتيم سايمون: الإرتزاق في حرب السودان بات أحد وسائل كسب العيش في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده جوبا
وقال سايمون في مقابلة مع “التغيير” إن التدفق الإنساني الكبير للاجئين الجنوبيين الذين عادوا من السودان لوطنهم إلى جانب تدفق اللاجئين السودانيين قام بالضغط على الموارد المحدودة للبلاد والخدمات في ظل عجز الحكومة عن تقديم الخدمات الضرورية.
تقلب في المواقف
الموقف الرسمي لجوبا يصطف في الحياد وفق سايمون الذي أكد أن بلاده ليست لديها مصلحة في أن تكون طرفا في النزاع وتسعى للتسوية والتوصل لحل سلمي لارتباطها بمصالح اقتصادية كبيرة مع السودان خاصة انبوب النفط الذي تؤثر الحرب سلبا على تدفقه مما أثر سلبا على الخزينة العامة للدولة.
لكن جوبا غير الرسمية تنخرط في القتال إلى جانب طرفي الحرب، حيث تقاتل مع الجيش مليشيات جنوبية مسلحة كانت وفق الصحفي الجنوب سوداني اتيم سايمون تحت حماية المخابرات السودانية مثلت المعارضة المسلحة لحكومة الجنوب فيما تقاتل مجموعات أخرى إلى جانب الدعم السريع.
وقطع سايمون بأن الارتزاق في حرب السودان بات أحد وسائل كسب العيش في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده بلاده.
من جهة ثانية كشفت تقارير عن تدفق الدعم اللوجستي للدعم السريع عبر حدود الجنوب من جهة واو إلى دارفور على رأسه الوقود ووفق مصادر فضلت حجب اسمها ينخرط مسؤولون جنوبيون في هذه التجارة بعيدا عن الموقف الرسمي!
وكانت زيارة قائد الجيش الأخيرة لجوبا في إطار بحث إغلاق الحدود لتجفيف منابع الدعم الذي تتلقاه قوات حميدتي وفق مصادر جنوبية مطلعة فضلت حجب اسمها مؤكدة حدوث تفاهمات مع حكومة الجنوب من أجل تأمين الحدود من الجانب الجنوبي الأمر الذي أكد المصدر تأثيره على قوات الدعم السريع في اقليم دارفور سلبا!
لكن العلاقة بين حكومة الجنوب والجيش السوداني لا تخلو من توترات خاصة بعد اختراق الطيران الحربي للمجال الجوي الجنوب سوداني وضربه لمنطقة خور تمباك في المابان في ديسمبر الماضي.
وهو الأمر الذي احتجت عليه القيادة في جوبا بصورة غير رسمية لحكومة السودان وأشار مصدر ل”التغيير” إلى صدمة الحكومة بهذا الاختراق في الوقت الذي استقبلت فيه جوبا رسميا منسوبي الجيش السوداني الذين فروا إلى اراضيها من اقليم النيل الأزرق!
المواقف السياسية
كان هناك تنسيقا سياسيا كبيرا بين جوبا والقاهرة في دعم تكوين حاضنة بديلة للجيش موازية لتنسيقية القوى الديمقراطية تقدم، تتكون من الحركات المسلحة التي انحازت للجيش السوداني إلى جانب بعض الأحزاب السياسية التي تشكل الكتلة الديمقراطية وبدأت المؤتمرات بجنوب السودان قبل أن تنتقل للقاهرة في الوقت الذي رفضت جوبا استقبال الحرية والتغيير في الشهور الاولى للحرب وتعنت بعض القيادات السياسية في السماح لوفد تقدم الذي زار جوبا في فبراير من العام الجاري.
لكن بعد مصادقة جنوب السودان رسميا على اتفاقية عنتبي الإطارية لدول حوض النيل يتوقع المراقبون أن يقل التنسيق سياسيا بين جوبا والقاهرة خاصة مع المعارضة الشديدة لمصر لتلك الاتفاقية التي ربما تعيد توزيع حصص مياه النيل بصورة تهدد الأمن المائي لها.
ومع التطورات المتعلقة بملف المياه بالنسبة للقاهرة والتردي الاقتصادي في جوبا؛ يبدو أن أهم دولتين توجه إليهما البرهان في بادرة زياراته الخارجية بالترتيب أعلاه تحولا من ملف دعمه للضغط من أجل التوصل لحلول سلمية لحماية مصالحهما التي لن تتحقق في ظل استمرار الحرب!ل
المصدر: صحيفة التغيير