اخبار السودان

تحولات ميدانية في السودان : بين الانتصارات المتسارعة والتعقيد المتزايد ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في خضم الصراع الدائر في السودان ، شهدت جبهات القتال تحولات دراماتيكية غيرت معالم المعركة ، فقد تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصارات ميدانية متتالية ، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الصراع ومآلاته ، بدأت فصول هذه المعركة الجديدة باستعادة الجيش لمنطقة جبل موية الاستراتيجية ، والتي تعتبر مفتاحاً للسيطرة على مناطق واسعة في وسط البلاد ، ثم أتبع ذلك باستعادة مدينة ود مدني ، والتي مثلت نقطة تحول حاسمة في مسار الأحداث، وقد ساهم هذا الانتصار في تعزيز زخم الجيش وحفز قواته على التقدم نحو العاصمة الخرطوم ، فقد شهدت العاصمة الخرطوم معارك ضارية ، حيث تمكن الجيش من فك الحصار عن مقره العام وعدد من المواقع الحيوية، وعلى الرغم من نفي مليشيا الدعم السريع المتمردة لهذه الانتصارات ، إلا أن الأدلة الميدانية تشير إلى تقدم ملحوظ للقوات الحكومية ، وتثير هذه التطورات العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الانتصارات المتسارعة للجيش ، هل هي نتيجة لضعف في صفوف المليشيا ، أم أنها ناجمة عن استراتيجية عسكرية جديدة اتبعها الجيش؟ . وهل يمكن اعتبار هذه الانتصارات بداية النهاية للمليشيا؟ يشير الخبراء إلى أن هذه الانتصارات تعكس قدرة الجيش على التكيف مع الظروف المتغيرة وتوظيف الموارد المتاحة بشكل فعال ، كما أنها تؤكد أهمية الدعم الشعبي الذي يتمتع به الجيش ، على الرغم من هذه الانتصارات ، لا يزال الطريق نحو تحقيق السلام والاستقرار في السودان طويلاً وشائكاً ، فالمليشيا لا تزال تشكل تهديداً ، وتنتشر الأسلحة في أيدي المدنيين ، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ، حيث يشهد السودان تحولات متسارعة ، حيث تتغير خريطة الصراع من يوم لآخر ، ورغم هذه التطورات ، يبقى السؤال الأهم : هل ستتمكن الأطراف المتصارعة من التوصل إلى حل سلمي ينهي هذا الصراع الدامي؟ أم أن السودان مقبل على مرحلة جديدة من الصراعات والاضطرابات؟ . هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي : يا لها من مفارقة عجيبة ، أن تجد نفسك حبيسًا بين جدران مبنى أمن الدولة ، وأنت تحاول الاحتفال بانتصار بلادك ، في تلك الأيام العصيبة التي شهد فيها السودان حربًا أهلية طاحنة ، كنت أتوق إلى أي شرارة أمل ، أي بصيغة فرح تقطع عتمة اليأس التي أحاطت بوطني ، وبعد أن أعلن الجيش السوداني عن تحرير ولاية الجزيرة ، انتابني شعور بالانتصار والفرح ، وشعرت برغبة عارمة في مشاركة هذا الشعور مع إخواني السودانيين المقيمين في مصر ، ولكن سرعان ما تحطمت أحلامي ، عندما علمت بأن السلطات المصرية قد قامت بمنع أي احتفالات أو مظاهرات تعبيرًا عن هذا الانتصار ، وفي اليوم التالي وجدت نفسي بالصدفة في مكتب مقدم ورائد أمن دولة مصريين ، أحاول أن أفهم سبب هذا المنع الغريب ، سألتهما بصوت مرتجف : “لماذا منعتم السودانيين من الاحتفال بالنصر في بلدكم؟ لماذا اعتقلتم بعضهم؟” أجابني المقدم بابتسامة مُرة : “سياسة البلد تمنع التجمع بدون تصريح ، حتى للأجانب”، تذكرت حينها ما حدث للسوريين قبل أشهر ، عندما منعوا من الاحتفال بسقوط نظام الأسد ، شعرت بالغربة والحزن ، وكأنني وأهلي في المنفى محرومون حتى من أبسط مظاهر الفرح ، رغم كل هذا وجدت في نظرات الضابطين تعاطفًا واضحًا مع قضية بلادي ، تحدثا عن الحرب الدائرة في السودان ، وعن المعاناة التي يتحملها الشعب السوداني ، وتمنيا أن تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن ، في لحظة من الخفة ، قلت لهما مازحًا : “سأحتفل بيوم النصر داخل مكتبكم هذا”، ابتسما وقالا : “سنشاركك الاحتفال ، بشرط أن يكون احتفالًا هادئًا بدون أي تجمع أو تحشيد”، خرجت منهما وأنا أحمل في قلبي مزيجًا من المشاعر : الفرح بالانتصار الذي حققه الجيش السوداني ، والحزن على ما يعانيه شعبي ، والغضب من القيود التي تحاصر المغتربين ، أدركت في تلك اللحظة أننا كمغتربين نعيش في المنفى ، محرومين من أبسط حقوقنا ، وأن الفرح الحقيقي لن يأتي إلا بعودة السلام والاستقرار إلى وطننا الحبيب..

True joy will only come with the return of peace and stability to our beloved country.

وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.

خروج: صرخة صامتة من علو “لحظة انهيار في فضاء رقمي” ففي مشهد مؤثر هزّ الرأي العام ، أقدم مقيم سوداني على محاولة إنهاء حياته بطريقة مأساوية ، حيث ألقى بنفسه من أحد المباني في المملكة العربية السعودية ، وقد وثّق هذا الحدث المرعب مقطع فيديو انتشر بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي ، ليفتح بذلك نافذة على عالم من المعاناة والصمت ، ففي يوم امس ، أعلن الأمن العام السعودي عن تلقي بلاغ حول واقعة محاولة انتحار لمقيم سوداني ، وبحسب البيان ، فقد تم نقل المصاب إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم ، فيما تم القبض على شخص آخر لتوثيقه ونشر المقطع المرئي المخالف ، هذا الحدث المؤلم يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت بهذا الشاب إلى اتخاذ مثل هذا القرار المصيري ، هل يعكس هذا الحادث حالة من اليأس والإحباط التي يعاني منها الكثيرون؟ أم أنه نتيجة لظروف اجتماعية أو نفسية صعبة؟ إن انتشار مقطع الفيديو لهذه الواقعة المأساوية يسلط الضوء على الجانب المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي ، حيث يتم استغلال هذه المنصات لنشر المحتوى المؤذي والعنيف ، كما يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية لمن يقوم بتصوير ونشر مثل هذه المقاطع ، إن محاولة الانتحار هي صرخة استغاثة صامتة تبحث عن آذان صاغية ، فوراء كل حالة انتحار ، هناك قصة إنسانية مؤلمة تستحق أن نستمع إليها ونحاول فهمها، علينا جميعاً أن نعمل معاً لتوفير الدعم والمساعدة لمن يعانون من الأزمات النفسية ، وأن نعمل على بناء مجتمع أكثر تعاطفاً وتفهماً ..

أوقفوا ـ الحرب

ولن أزيد،، والسلام ختام.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *