تحليل المطالب الأمريكية من سوريا في ظل الإدارة الجديدة للرئيس أحمد الشرع

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
مقدمة
في أعقاب التغيير السياسي الكبير في سوريا وتولي الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر ٢٠٢٤م، تغير المشهد السياسي والإقليمي بشكل كبير. وفي هذا السياق، تجدد الحديث عن مطالب أمريكية تقدم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند مقابلته هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية. بعض من هذه المطالب كانت قد طُرحت سابقًا، لكن بعض دوائر صنع القرار في واشنطن طرحتها ضمن مقاربة جديدة تجاه سوريا. تهدف هذه الورقة إلى تحليل تلك المطالب في ضوء الواقع السياسي الجديد للبلدين، وتحديد مدى إمكانية تنفيذها ضمن شبكة التحالفات الراهنة لسوريا.
مطالب الرئيس ترامب الخمسة
١. التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل
هذا المطلب، الذي يعكس سياسة إدارة ترامب السابقة في توسيع دائرة التطبيع، يصطدم بجدار الرفض السوري الراسخ. ورغم سقوط النظام السابق، فإن الإدارة الجديدة ترفض أي تطبيع مع إسرائيل قبل استعادة الجولان وقيام حل عادل للقضية الفلسطينية. لا يوجد أي مؤشر على نية الرئيس الشرع في الدخول بهذا المسار، بل أكد مرارًا تمسكه بالثوابت القومية.
التقييم: الاعتقاد السائد هو أن القبول لهذا المطلب “مستبعد” لأسباب تتعلق بالسيادة والشرعية الوطنية. لكن التكهن بموقف الشرع هو أمر غير ممكن حاليًا.
٢. طرد الميليشيات المدعومة من إيران
أظهرت سلطة دمشق الجديدة بوادر تباعد واضح عن طهران، خاصة بعد تراجع الدور الإيراني عقب سقوط الأسد. وتتجه الحكومة السورية إلى إعادة تشكيل علاقاتها الإقليمية بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية، ما يجعل تنفيذ هذا المطلب أمرًا واردًا، خاصة إذا ترافق مع دعم عربي وغربي لإعادة الإعمار.
التقييم: “ممكن” في إطار إعادة التوازنات الاستراتيجية.
٣. ترحيل الفصائل الفلسطينية المسلحة
الفصائل المرتبطة بإيران فقدت كثيرًا من وزنها بعد انهيار نظام الأسد. وقد تتجه الإدارة السورية الجديدة لتصفية هذه الملفات كجزء من تطهير الساحة العسكرية والسياسية من التبعات الإقليمية القديمة، وفتح الباب أمام علاقة متوازنة مع الفلسطينيين عبر منظمة التحرير.
التقييم: “ممكن” ضمن إصلاح شامل للمشهد الأمني والسياسي.
٤. مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم داعش
يُعد هذا المطلب قابلًا للتطبيق في ظل وجود عدو مشترك. كما أن سوريا الجديدة تسعى لتعزيز مكانتها كطرف موثوق في الحرب على الإرهاب. ومع وجود تفاهمات أولية مع تركيا وروسيا، فإن التنسيق مع واشنطن في هذا الملف قد يُبنى على أسس مصلحية بحتة.
التقييم: “محتمل” ضمن ترتيبات أمنية متعددة الأطراف.
٥. تحمّل مسؤولية معتقلي داعش شمال شرق سوريا
ترغب الإدارة السورية في استعادة السيادة على كل أراضيها، بما فيها المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية قسد”. قد يُستخدم هذا المطلب كمدخل لتفاوض ثلاثي مع “قسد” وواشنطن، خاصة إذا ترافق مع حلول واقعية لإعادة الدمج والاستيعاب المجتمعي.
التقييم: “ممكن جزئيًا” رهين التفاهمات مع القوى الكردية والدولية.
التحليل العام
المطالب الأمريكية تعكس في جوهرها تصورًا لاستعادة التوازن في الإقليم عبر فصل سوريا عن المحور الإيراني، وتوجيهها نحو تحالفات جديدة. لكن الواقع السوري بعد عام ٢٠٢٤م يختلف كثيرًا عما قبله. فالإدارة الجديدة بقيادة الشرع تبني تحالفاتها بعقلانية، مركزة على الانفتاح تجاه تركيا والدول العربية، وإعادة صياغة العلاقة مع روسيا بشكل متوازن، مع فتور واضح في العلاقة مع إيران.
خاتمة وتوصيات
في ظل الواقع السوري الجديد، يمكن النظر إلى بعض المطالب الأمريكية كفرص لإعادة التموضع الإقليمي، لا كإملاءات. وسيتوقف نجاح الإدارة الجديدة على قدرتها في الحفاظ على السيادة، وفتح مسارات تفاهمات مع الأطراف الدولية والإقليمية دون الوقوع في فخ الاصطفاف المحوري القديم. المطلوب الآن هو بلورة استراتيجية وطنية مرنة تحفظ المصالح، وتفتح أفقًا جديدًا لسوريا المستقبل.
ما بعد الأسد: ملامح النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع
انتهى نظام بشار الأسد فعليًا مع سقوط العاصمة دمشق في ديسمبر ٢٠٢٤م، بعد سنوات من الحرب والانهيار السياسي والاقتصادي، وانتقال الحكم إلى الرئيس أحمد الشرع الذي أُعلن رئيسًا مؤقتًا في إطار تسوية وطنية شاملة مدعومة دوليًا. يمثل النظام الجديد قطيعة واضحة مع ممارسات النظام السابق، من حيث الشكل والمضمون، سواء في البنية الأمنية أو الدستورية أو في توجهاته الإقليمية.
يرتكز عهد الشرع على ثلاثة محاور أساسية:
١. إعادة بناء الدولة على أسس دستورية ديمقراطية عبر مؤتمر وطني جامع.
٢. تفكيك شبكات الولاء الأمنية والميليشياوية التي حكمت سوريا لعقود، وإعادة هيكلة الجيش الوطني.
٣. انتهاج سياسة خارجية متوازنة تعيد سوريا إلى الفضاء العربي دون الدخول في محاور إقليمية متنافرة.
وقد حصلت الحكومة الجديدة على اعتراف تدريجي من العديد من العواصم الغربية والعربية، وتم استئناف بعض أشكال التعاون الدبلوماسي والدعم الإنساني. إلا أن الطريق لا يزال طويلًا أمام استعادة سوريا لعافيتها، حيث ما تزال ملفات العدالة الانتقالية، والنازحين، والتنمية الاقتصادية، والتعافي النفسي والاجتماعي تنتظر حلولًا جذرية.
صوت من الداخل السوري
كتب صديقي السوري، المقيم في سوريا، تعليقًا على هذه المطالب:
ملخص التعليق: “نحن لا نرفض الحوار مع أي طرف، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكننا تعبنا من زمن الإملاءات. سوريا الجديدة يجب أن تُسمَع لا أن تُؤمر. نريد استقلالًا في القرار، وسيادة تحميها التضحيات لا الاتفاقات المفروضة. هذه ليست سوريا ما قبل ٢٠٢٤م، نحن أمام شعب يبحث عن شراكة لا تبعية، وعن كرامة لا وصاية.”
التعليق الكامل:
مطالب أمريكا من الإدارة الجديدة ما هي إلا مطالب الشعب السوري في أغلبها، وهذا جيد ويسهل على الإدارة الجديدة إدارة الحكم. لقد أصبحنا أكثر من أي وقت مضى نشعر بأننا بشر، لا عبيد. المطالب جلّها محقة، وقد نسيت أن تذكر أن أمريكا طلبت أيضًا مغادرة جميع الفصائل غير السورية، أو كفّ يدها عن استلام أي منصب حكومي أو خدمي، وكذلك الحفاظ على حقوق الجميع من أقليات وإثنيات وغيرهم، وإخلاء سوريا من السلاح الكيماوي، وحبوب الكبتاغون والحشيش وغيرها. كل مطالب أمريكا هي ذاتها مطالب الشعب السوري بالإجماع، وأهمها عدم التشدد الديني والالتزام بالوسطية، فهذا مطلب مهم بالنسبة لنا كسوريين، إذ إن ثقافتنا الدينية غير متشددة.
أما التطبيع مع أبناء العم، فهو تحصيل حاصل، لا حيلة لنا ولا لأحد أن ينكر ذلك. خدعونا أكثر من ستين عامًا بشعارات التحرير والممانعة، لكن كلها هراء وكذب. تحرير فلسطين لن يتم على أيدي أمثال الأسد والبشير والقذافي ومبارك. كانت حقبة سوداء ألقت بشرّها على كل العرب، وخدعتنا بشعارات كاذبة. نهبوا أعمارنا، وأذلونا أمام الروس والإيرانيين وغيرهم، بينما كان من الممكن أن نركب مركب الخليج مبكرًا. سوريا كانت منارة، ولو أننا التحقنا بركب الغرب، لكنا اليوم أجمل من سنغافورة، ولكنا يابان الشرق.
لكن قادتنا الخونة أرادونا كلاب حراسة، نُستخدم فقط في مشاريعهم. نحن الآن تحررنا على الأرض، ونكافح لتحرير عقولنا مما زرعوه فينا. لا أحقر من آل الأسد، بنوا دولة مافيا وإذلال، حين كان بإمكانهم بناء دولة علم وتعليم. نحن كنا عبيدًا، وأصبحنا أحرارًا. كنا نعبد أصنامهم، والآن نرى النور.
لا رفاه بدون أمن، ولا أمن بدون حزم، ولا حزم بدون عدل. كما قال صقر الأموية، الذي بنى حضارة إسلامية معتدلة في قلب أوروبا. لقد آن لنا أن نتحرر من قيد العبودية إلى فضاء الكرامة التي أحلها الله لنا.
سامحني إن أطلت، لكن لدي حروفًا تكتب فيها صفحات من الألم والقهر والحزن. حياكم الله دكتور أحمد، وأسأل الله أن تتكلل جهودكم في السودان العظيم وتفطروا على طبق الكرامة كما أنعم الله علينا في سوريا.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة