تحرير كسلا أم احتلالها ..؟!!..عبث الكيزان في شرق السودان !

آمنة أحمد مختار إيرا
حقيقة لقد حار الشعب فيما يجري على الساحة السودانية منذ بدء الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع الخارجة من رحمه ..
وهذه الحيرة لا تقتصر على هذا الاشتباك الذي كان متوقعا لكل مراقب حصيف ..
فمن أهم أسباب حيرتنا هو استمرار رحم الجيش الولود في تفريخ المليشيات ، هذه العادة الذميمة التي تسببت في الحرب الطاحنة الحالية كما نعلم جميعاً.
ومن ضمن المليشيات هذه مليشيات تم تفريخها في دولة إريتريا المجاورة، وبتدريب وتسليح من النظام الإريتري( كما صرح قادتهم في مؤتمرهم الصحفي وكذلك في حفلات تخريج دفعاتهم في إريتريا). وثم سمحت لهم قيادة الجيش السوداني بالانتشار في شرق السودان !!
وبالأمس قامت إحدى هذه المليشيات الإريترية المسماة ب(حركة تحرير شرق السودان) بالهتاف في تخريج إحدى دفعاتها ب( تأسيس دولة التقري) في شرق السودان وغرب إريتريا!!
وقبل ثلاثة أيام قام مسلحون بمهاجمة قسم مكافحة المخدرات بمدينة كسلا وحرقه، وسمتهم السلطات ب( مسلحون مجهولون).. !!
وأمس قامت مليشيا أفورقي المسماة ب( الأورطة الشرقية) بالدخول مدجحة بالسلاح إلى مدينة كسلا عاصمة ولاية كسلا، وثم الطواف والاستعراض أمام المقار الحكومية، وذلك أمام سمع وبصر قيادات الجيش وحكومة ولاية كسلا المتواطئة !!
وثم اليوم كذلك دخلت إلى مدينة كسلا مليشيا ( كيكل) السودانية المسماة بدرع السودان، وشاهدنا فيديوهاتهم وهم يهتفون بتحرير مدينة كسلا..!!
ثم تغزل قائدهم كيكل في قائد فلول الجهاد الإريتري المدعو ( الأمين داويد) . !!
والجدير بالذكر أن هذه الممارسات الاستفزازية تمر مرور الكرام ، ولكن عندها يقوم البجا أصحاب الأرض بالتظاهر للمطالبة بأقل حقوقهم ..يتم تحشيد الإعلام والرأي العام ضدهم، وثم شتمهم والإساءة اليهم !!
لم يغفر الاستعمار (الثنائي) للبجا تصديهم البطولي له والذي استمر حتى بعد هزيمة جيش الدولة المهدية في معركة كرري المجيدة. فقام بممارسة التهميش الممنهج عليهم، وكسر شوكتهم بإغراقهم في حبائل أسرة المراغنة التي إستغلت وجدانهم الديني أسوأ استغلال .
وكذلك قام المستعمر بضرب نشاط البجا التجاري البحري في ميناء سواكن، وقتل الميناء التاريخي، وحظر التجارة البحرية التاريخية لرواد البحار من أسلاف البجا ، وإحالة المراسي التاريخية على طول ساحل البحر الأحمر إلى التقاعد.
وفي عامر ١٩٥١م تنبه مثقفو البجا لهذه المؤآمرة ، فقاموا بإنشاء نادي البجا بمدينة بورتسودان، الذي كان ولا يزال منارة إشعاع ثقافي .
وفي عام ١٩٥٨م بعيد الاستقلال بعامين أسس البجا مؤتمر البجا كحزب سياسي مخضرم ينادي بالنظام الفيدرالي . وشارك حزب مؤتمر البجا في البرلمانات الديمقراطية باستحقاق انتخابي ، هذا رغم توزع ولاءات مثقفو البجا بين الأحزاب التقليدية مثل الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني.
الإتفاقية الثلاثية لتجنيس اللاجئين الإريتريين:
كما ذكرت في عدة مقالات سابقة، تمت في عهد الإنقاذ جريمة مكتملة الأركان قام بها الإسلامويين بزعامة شيخهم حسن الترابي ،وذلك بإجراء عملية تجنيس وتوطين للاجئين الإريتريين المسلمين وذلك عبر اتفاقية ثلاثية عقدت بين نظام (الإنقاذ) ونظام إسياس أفورقي رئيس دولة إريتريا والجهة الثالثة مفوضية شؤون اللاجئين الأممية، وكان لكل طرف من هذه الأطراف أهدافه الخبيثة التي أضرت بشرق السودان حتى اليوم.
فبالنسبة لإسياس أفورقي فقد كان يسعده التخلص من معارضيه مثل الجهاد الإريتري والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا ، ومعهم ثلاثة أرباع الشعب الإريتري من المسلمين الذين فروا من اضطهاد نظام أفورقي وقومه لهم، وكذلك التجنيد الإجباري مفتوح المدة الزمنية لأبنائهم وبناتهم، وما يتعرضون له من تعذيب وعنف وتحرشات في معسكرات التجنيد( كل هذا وثقوه بأنفسهم راجع قوقل وأكتب إسم إسياس أفورقي).
إضافة إلى اعتياد فرار الإرتريون والأحباش عموما إلى شرق السودان عبر تواريخ حروباتهم الأهلية، وكذلك فرار بعضهم من عسف النظام الطبقي الاقطاعي المسمى ب(شماقلي،تقري).
راجع معلومات عن هذا النظام في مصادر مختلفة، منها كتاب (الفلاحون والقومية في إريتريا) (Peasants and Nationalism in Eritrea) للكاتب الإنجليزي إريتري الأصل(جوردان جبريمدحين) (Jordan GebreMedhin)
فبتجنيس مسلمي إريتريا في السودان ،تصير إريتريا دولة مسيحية شبه خالصة لإسياس أفورقي وقومه وحلفائه من القوميات الأخرى. دولة تجد دعما من الغرب وإسرائيل كونها على خاصرة سواحل البحر الأحمر ومواجهة للأراضي المقدسة الإسلامية.
أما مفوضية شؤون اللاجئين،فلقد كان دافعهم بالطبع التخلص من عبء من أعبائها وذلك بإحالة ملفهم إلى نظام حكم سوداني يرغب في تجنيس وتوطين هؤلاء اللاجئين على جزء من أراضي دولته.
إضافة إلى دعم الاتحاد الأوروبي في مشروع الحد من هجرة الأفارقة إلى العالم الغربي.
أما نظام الترابي ثم البشير فكان ولا يزال هدفهم من تجنيس هؤلاء اللاجئين إجراء تغيير ديمغرافي في شرق السودان والاستمرار في التهميش الممنهج لشعب البجا والاستمرار في جريمة اقتطاع أراضيه ونهب موارده لصالح دول مجاورة، وذلك لإضعاف مكون البجا البداويت الذي طالب منذ الاستقلال بالحكم الفيدرالي، وثم في عهد حكم الإنقاذ شن مؤتمر البجا/ الجناح العسكري حربا تحررية في جبهة شرق السودان منذ عام ١٩.٣م وحتى ٢٠٠٥م عندما إنتهى النضال المسلح وتحول إلى سلمي بعد توقيع إتفاقية الشرق التي أعقبت إتفاقية نيفاشا.
ومن ضمن أهم أهداف التجنيس والتوطين محاولة اختطاف صوت البجا الانتخابي الذي تتوزع ولاءاته التاريخية بين أحزاب (مؤتمر البجا ،الاتحادي الديمقراطي ، حزب الأمة القومي).
وكذلك محاولة اختطاف التمثيل السياسي للبجا واستبدالهم بالموالين من فلول المعارضة الإريترية المسلمة ( الجهاد الإريتري وجبهة التحرير الإريترية وغيرهم ) ،وذلك عبر تعيين هؤلاء اللاجئين المجنسين في مناصب سيادية حساسة ، وذلك كالجريمة التي تمت بحق الوطن كله عندما تم تعيين إبراهيم محمود حامد واليا على ولاية كسلا
في عام 2006 حتى عام 2008م، وثم تعيينه في منصب وزير لداخلية حكومة الإنقاذ ،وهو أرفع منصب في العالم على الإطلاق يمنح لشخص أجنبي ،خاصة أن إبراهيم محمود حامد معروف بولائه لوطنه الأصل منذ أن كان طالبا بجمهورية مصر ورئيسا لرابطة الطلاب الإريتريين بالإسكندرية .
كذلك كان من أهداف التجنيس والتوطين تجنيد الجهاديين الإريتريين المتحمسين لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان باعتبارهم مسيحيين و( وكفار) وكذلك التجنيد والتجسس ضد التجمع الوطني الديموقراطي السوداني الذي كان يقاتل الإنقاذ من الجبهة الشرقية، وذلك مقابل التمويل من البنوك الإسلامية لهؤلاء اللاجئين لفتح مشاريع تجارية في شرق السودان وإنشاء منظمات تدعمهم.
هذا إضافة إلى التمويل الذي وجدوه من قبل المنظمات الوهابية السلفية السعودية والقطرية وغيرها التي كانت قد انتشرت في شرق السودان منذ بداية عهد الإنقاذ.
والجدير بالذكر أن إبراهيم محمود حامد وزير داخلية الإنقاذ متهما بالقمع الوحشي لانتفاضة سبتمبر 2013 السودانية، التي قتل فيها المئات من الشعب السوداني بينهم أطفال، مع إصابة المئات واعتقال العشرات .
…..
* رجاء مراجعة( فيديو شهير على يوتيوب للمعارض الإريتري الراحل عمر جابر، من ندوة في مدينة ملبورن باستراليا في دار الكومنيوتي الإريتري، وعمر جابر رحمه الله من جيل رواد حركة التحرير الأريترية، وكان معارضا لنظام إسياس أفورقي. في الفيديو الشهير قام بقرع أجراس الخطر حول ضياع القضية الإريترية بتجنيس اللاجئين الإريتريين في السودان، وذكر الأصل الإريتري لوزير داخلية الإنقاذ آنذاك إبراهيم محمود).
*كذلك راجع( مقال لأحد النشطاء الإريتريين نشر في الألكترونية بتاريخ ١٦ أبريل ٢٠١٣م بعنوان : الجنسية السودانية وتأثيراتها على واقعنا الإرترى).
آمنة أحمد مختار إيرا
26 fab 2025
المصدر: صحيفة الراكوبة