الرباعية الدولية


 

في خطوة هي الثانية خلال أقل من أسبوعين، عقدت الدول الأعضاء في «الرباعية الدولية» اجتماعًا وزاريًا في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. جاء الاجتماع بهدف مناقشة السبل الكفيلة بوقف إطلاق النار في السودان، في ظل تزايد التساؤلات حول إمكانية إنهاء النزاع المستمر. «الرباعية»، التي تتألف من الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، أكدت مجددًا على التزامها بدعم جهود التهدئة، وذلك في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية وتزداد تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في البلاد.

التغيير ــ وكالات
خلال الاجتماع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، على الموقف الثابت للقاهرة تجاه وحدة السودان، وسلامة أراضيه، ومؤسساته الوطنية. وشدد على أن أي ترتيبات سياسية لا يمكن فرضها على الشعب السوداني دون توافق داخلي. وفي بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أعرب عبد العاطي عن قلقه البالغ إزاء الحصار المفروض على مدينة الفاشر، وتدهور الأوضاع الإنسانية فيها، وطالب بفك الحصار بشكل فوري، وضرورة التحرك العاجل لوقف معاناة المدنيين.

جاء الاجتماع الوزاري في سياق متابعة لخريطة الطريق التي أعلنتها «الرباعية الدولية» قبل أقل من أسبوعين، والتي تتضمن هدنة إنسانية تمتد لثلاثة أشهر، تُطوّر لاحقًا إلى وقف دائم لإطلاق النار. هذه الهدنة هي تمهيد لبدء حوار سياسي بين الأطراف السودانية، يهدف إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة تحظى بشرعية واسعة، ضمن إطار زمني لا يتجاوز تسعة أشهر. يرى مراقبون أن هذه الخريطة تمثل محاولة جدية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وتأسيس مسار سياسي قابل للتنفيذ.

تحديات

وفي تعليقها على تطورات الملف السوداني، أشارت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات، إلى أن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها «الرباعية» تشير إلى إمكانية نجاح خريطة الطريق، على الرغم من الصعوبات التي تعترض طريق التهدئة. وأوضحت أن قبول طرفي النزاع بالهدنة الإنسانية يُعد نقطة انطلاق مهمة. إلا أنها حذرت من وجود عدة عراقيل، أبرزها الانقسامات داخل التيارات الإسلامية، وطبيعة المكون المدني، والتساؤلات حول مَن يمكنه قيادة المرحلة الانتقالية. وأكدت أن هذه التفاصيل قد تعرقل التقدم إذا لم تُعالج بحكمة وتوافق.

تفاوتت آراء الخبراء والمحللين حول فرص نجاح هذه المساعي، لكنهم أجمعوا على أهمية الدور الذي تلعبه «الرباعية».

توافق

أشار السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، إلى أن التوافق بين الدول الأعضاء في «الرباعية» حول شكل المرحلة الانتقالية لا يزال محدودًا. لكنه أكد أن المبادئ الأساسية المتعلقة بإدارة السودانيين لشؤونهم الداخلية، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، تمثل أهدافًا مشتركة قابلة للتحقيق في حال توفر الإرادة السياسية لدى طرفي النزاع. وأضاف أن التحدي الجوهري يكمن في إيجاد صيغة متوازنة بين المجلس العسكري، الذي يحظى باعتراف دولي، و«قوات الدعم السريع»، التي لا تزال محل جدل سياسي وأمني.من جانبه، اعتبر المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة «التيار»، أن الاجتماع الوزاري ومخرجاته تعكس تقدمًا ملموسًا، خاصة في ظل التصريحات الأخيرة الصادرة عن مستشار الرئيس الأميركي، والتي حملت إشارات إيجابية بعد فترة من الصمت الدولي. وأكد ميرغني أن استئناف المباحثات المباشرة بين طرفي النزاع سيكون العامل الحاسم في دفع العملية السياسية إلى الأمام. ورجح أن يكون منبر جدة هو المسار الأكثر واقعية لتحقيق نتائج ملموسة، بعد أن أثبتت المباحثات غير المباشرة محدودية تأثيرها.

 قنوات

دعت أماني الطويل إلى ضرورة استمرار قنوات التواصل مع مختلف الأطراف السودانية، سواء كانت معلنة أم غير معلنة، بهدف بلورة اتفاق شامل يدعم جهود التهدئة. وأكدت أن العقبات ستظل قائمة، لكنها شددت على أن النقاشات الجارية والتحركات الإقليمية والدولية تشكل دعمًا حقيقيًا للمسار السياسي، إذا ما تم استثماره بشكل فعال. هذا الرأي يتقاطع مع رؤية كل من حليمة وميرغني، اللذين اعتبرا أن المبادئ المشتركة التي تجمع «الرباعية الدولية» حول وقف القتال وبدء مسار سياسي سلمي، تمثل أساسًا يمكن البناء عليه خلال فترة الهدنة الإنسانية، التي وصفها ميرغني بأنها «أقرب من أي وقت مضى».

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.