صباح محمد الحسن
طيف أول:
كل الحكايات التي بدأت
انتهت بأخرى،
وبقي على شواهدها
صوتٌ سكن الألم حنجرته!!
ولا بد أن تُؤخذ التصريحات التي أدلى بها مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، على محمل الحذر والمسؤولية.
فالسؤال لا يقف عند الاستفهام التقليدي لماذا صرّح مناوي بهذه التصريحات الآن وصمت طوال فترة الحرب؟
فبهذا تأتي الإجابة تقليدية أيضًا: أن ذلك يعود إلى تقديراته السياسية والعسكرية، طالما أنه جزء من سلطة الدولة، فلكل سلطة وحكومة أسرارها ومعلوماتها الخاصة التي تحرص على ألّا تخرج للعلن، بالرغم من أن ذلك الصمت له آثار كارثية، سيما على ميدان الصراع.
ولكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: ما هو الهدف الذي يريد أن يصل إليه مناوي بهذه التصريحات، والذي دفعه الآن للخروج إلى الضوء؟ فهل ما كان يمنعه سابقًا من إفشاء أسرار الدولة تلاشى الآن؟
فالرجل من قبل لوّح بأنه ربما يضطر إلى كشف كثير من الأسرار، إن واصلت بعض الشخصيات في الدولة تسريب الاجتماعات الخاصة بالحكومة.
فهل بدأ مناوي الرد بالمثل؟
أم أن الصراع المكتوم بينه والسلطة الانقلابية بدأ يخرج إلى العلن؟
فالرجل قال إن السودان لا يمكن أن يُقسّم وفق التصورات التي تسعى إليها قوات الدعم السريع، ولكنه جاء بحديث أخطر عندما قال إن أحد كبار المسؤولين السودانيين يرى أن المعارك الدائرة خارج العاصمة الخرطوم لا تحمل أهمية تُذكر.
وهنا يلخّص مناوي حديثنا في 23 يونيو الماضي، تحت عنوان “التسريب الثاني”، تعقيبًا على تسريب الاجتماعات، ذكرنا نصًا:
(ستبدأ فتنة التخوين التي اتبعتها الأجهزة الأمنية الكيزانية في التشكيك في القوات المشتركة، في محاولة لإبعادها من المشهد السياسي، لأنها بضرارة عينها، ترى أن الحرب انتهت بانسحاب الدعم السريع من ولايتي الخرطوم والجزيرة، وتتعمد إشعال نيران الفتنة بين المشتركة والجيش، في محاولة لفصل القوات الميدانية، وتعمل على استفزازها بتسريب الاجتماعات).
واليوم أكد مناوي أنه استجاب فعلاً لاستفزاز الطرف الثالث الذي سعى لإيقاع القطيعة بين المشتركة والجيش، وهو ما وصفه في حديثه الآن بأن الاعتقاد بأن نهاية الحرب هي تحرير الخرطوم والجزيرة، يعكس قصورًا في فهم الأبعاد الجغرافية والسياسية للصراع الراهن.
والأخطر أن مناوي لم يقل إن هناك من يظن ذلك أو يعتقد من عامة الناس، ولكنه نسب الحديث لشخصية قال إنها من كبار المسؤولين. وهنا يكشف مناوي عن ضحالة العقلية التي تدير الحرب، وهي العقلية القديمة المريضة، التي أشعلت الحرب من قبل في دارفور وقتلت الآلاف، والآن تمارس ذات النهج لجعل إقليم دارفور بؤرة صراع إلى الأبد.
والغريب أن كثيرًا من الناس أصابهم القلق مما كشفه مناوي، أن سفيرًا تابعًا لدولة عظمى تواصل معه في بداية الحرب بهدف استطلاع رأيه بشأن إمكانية تشكيل ثلاث حكومات سودانية منفصلة، في إشارة إلى وجود تصورات دولية مبكرة حول سيناريوهات التقسيم.
فالمقلق ليس في الأطماع الخارجية لتقسيم السودان، المخيف هو سعي أطماع الداخل إلى هذا التقسيم!!
فالمسؤول الكبير عندما يرى أن الحرب انتهت، وهو الذي حرم أهل دارفور من حقوقهم وحصولهم على الجواز السوداني، وقام بتقليص الإمداد العسكري للإقليم، ومنع المساعدات وسحب قواته من الميدان هناك، والآن يقول إن الحرب في دارفور ليست ذات أهمية، فهذا هو الفاعل الحقيقي الذي يرسم الآن خريطة التقسيم، وبلا تدخل خارجي!!
فمناوي رفض فكرة السفير، وقطع الطريق أمام التدخل الرامي لتقسيم البلاد على حد قوله، ولكن يبدو أنه لم يستطع أن يوقف خطر مفهوم التقسيم في عقلية شركائه، لهذا خرج إلى العلن. فما يزعج مناوي الآن ليس حديث سفير الدولة، ولكن حديث المسؤول بالدولة السودانية.
لهذا، فإن كانت السلطة الانقلابية قالت إنها تلافَت حدوث الصراع بينها وبين الحركات عندما حافظت على إبقاء اتفاقية جوبا، فلا بد لها الآن من توقيف عملية الخطر القادم قبل فوات الأوان، ولن يفيد بعدها الندم.
فعندما كنا نحذر البرهان من خطر الصراع العسكري بينه وبين الدعم السريع قبل الحرب، قال إنهم يريدون التفرقة بيننا، واليوم نحذّره مما أراد أن يرسله إليه مناوي في بريده.
مع العلم أن الطرف الثالث الذي تسبب في الفتنة بين الدعم السريع والجيش، هو نفسه الذي يتسبب الآن في الفتنة بين الجيش والحركات.
فالخطر ليس فيما قاله مناوي، الخطر فيما لم يقله!!
طيف أخير:
#لا_للحرب
أطلق تحالف “صمود” نداءً طالب فيه بتصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية “جماعة إرهابية”، لإصرارهم على استمرار الحرب ووقوفهم ضد الحل السلمي.
وهي خطوة مهمة تحتاج دعمها من أجل الدفع بها إلى الأمام.
غمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍ غباءُ
نقلا عن صحيفة الجريدة السودانية
المصدر: صحيفة التغيير