اخبار السودان

تحت زخات الرصاص وزيارات الدعامة (7)

ما أحدثه واظهره الدعم السريع من احداث وأفعال يمثل نوع من الكوميديا السوداء، ولكنها كوميديا مأخوذة من هذا الواقع، مترعة بمآسيه ومتشربة بطعم العلقم الذي ينضح به. إن ما فعلته الماسى العمياء التي أحدثها وليد القوات المسلحة  على مدار عام كامل أدت إلى سحق هذا المواطن وتغييبه وإهدار كرامته، وتفريغ عالمه الروحى وتجويفه وجعله هائما على ارصدة المنافى وتجمعات اللجوء .

مع بداية الشهر الرابع بدأت قوات الدعم فعليا الارتكاز بالمنطقة المحيطة بتقاطع البيبسى حتى مسجد ود الحسين لتنفيذ مخططها لتشديد الخناق على المدرعات ومهاجمتها بإعداد كبيرة ومن
 هنا بدأت رحلات زيارتهم الى منزلنا التى قاربت الى الخمسة عشر اطلالة لاجبار المواطنين للمغادرة .

 اول مباغتة كانت عند العصر وكان الخناق قد وصل ذروته على المنازل وادركت حينها انهم قادمون قادمون ، سمعت وقع ضرب على الباب فنهضت نحوه ،فوجدت فى فناء الحوش حوالى اثنى عشر شابا ، فتحوا الباب فى ثوانى فى عملية احترافية، اعمارهم ما بين بداية العشرينات حتى منتصفها فبادرت برد التحية التى لم يطلقوها ، فكانوا فى قمة الهيجان لتخويفك وارهابك لسلبك كل ما يبغون ، اسرتك معاك فاجبتهم بالنفى ، طيب انت قاعد لشنو معناها انت كوز او عسكرى ، كنت ابتسم لحديثهم واربت على اكتافهم فى محاولة لكسر الحواجز معهم وكسب ودهم .

 يا ابنائى انا مواطن ولا مقدرة لى بالسفر ….يا عمك انت بتستهتر بينا ولا شنو تضحك كده ، يا اولادى حاشا وكلا فقط اريد ان تتعاملوا بهدوء وكل شى سوف يسير على مرام ، فطالبوا بالدخول إلى داخل حرمة المنزل للتفتيش عن السلاح المخبأ بالداخل ، وفى رحلة بحثهم كانوا ياخذون كل ما يقابلهم ،ففقدت ساعتى القيمة ، وطبنجة كانت تحت السرير لزوار الليل كنت احتفظ بها  ، وجدوا مسدس صغير جدا ستة ملى يخص الوالد عليه الرحمة لديه ترخيص من منتصف الثمانينات ، فحاولت اثناءهم على عدم اخذه لاحتفاظى به كذكرى فرفضوا ذلك ، حتى الضابط الذى قادونى اليه حاولت أن افهمه بأن السلاح لا يستدعي الاخذ وبانه قديم وقيمته معنوية وهو فى حجمه لا يقتل حمامة ، رفض ذلك رغما عن اشهارى له ترخيص السلاح الموثق منذ الثمانينات ، وجدوا بطاقة دفاع شعبى قديمة تخصنى محتفظ بها من بداية التسعينات من اثر فرض التدريب على طلاب الجامعات فبدوا حفلتهم فى الاحتفاء باننى عسكرى ومجند سابق مما دعانى فيما بعد لتمزيقها .

تم اخذ لابتوب خاص بى قديم للبحث عنه اذا به معلومات عسكرية لم اناطحهم فى ذلك ، لأنه كان قديما ، أن لم يصبح من التراث اثر سيطرة الجوال على كل المعاملات ، بالاضافة إلى مفتاح سيارة غير موجودة ومعها مفتاح دراجة نارية جديدة لاخى الاصغر تم اخذه لاحقا بعد مغادرتى المنزل قسرا  .

تم بعثرة كل اثاث المنزل واخذى لضابط الارتكاز بالبيبسى معى اثنين من الجنود والبقية ظلت  بالمنزل ، وفى تلك الاثناء كسروا غرفة مغلقة مفتاحها كان مع ابنى الغير موجود .

أخطر لحظة عند اقتيادى للضابط هى إطلاق نار كثيف بالقرب منى فى اتجاه سيارة رفضت الوقوف على متنها دعامى ، كان فى  دعابة معهم مع لحظة دخولى الشارع ومن خلفى الدعامة ، فرجعت سريعا لمدخل الشارع خلف كونتينر يقبع هنالك مع توتر وقلق بالغين اعترونى لهذا المشهد الماسوى .

 شعرت باننى نجوت من الطلقات التى عبرت من امامى على نحو مسافة اقل من متر ، وعند الذهاب إلى الضابط المشغول مع الجرحى القادمون من جهة الشهيد طه الماحى، جات عربة تحمل جرحى الدعم السريع وهم فى حالة حرجة من الاصابات مع انين لجراحهم فى منظر موثر  ، ما ادهشنى انشغال الضابط بالحديث مع سائق العربة كأنه يحمل بضاعة وليس جرحى يحتاجون لاغاثة عاجلة لانقاذ حياتهم من الموت .

بعد ذهاب مركبة الجرحى انتبه الضابط لى ، فاوضحت له ما جرى فذهب معى إلى البيت ولكنه ما لبث أن عاد سريعا اثر مناداته لوقوع أحداث اخرى بالخارج فبدات اتفقد فيما اخذ من المنزل . فيما أصبح
أصحاب الزيارة الأولى مقيمين بالمربع  ومتجولين فى الحى وبداوا ينادونى يا عمك كيف الحال كلما صادفتهم بالشارع .

فى جولة اخرى جديدة من جولاتهم المتعددة  سمعت صوت هزه على الباب فاتجهت نحوه وكان شخصا لوحده  ، واحسبه اعتقد المنزل فارغا من السكان  ، كان لرجل فى نهاية الأربعينات يرتدى زى مدنى ويحمل سلاح فالقيت عليه التحية ، فابتسم واعتذر فى ادب لما بدر منه اعتقد من مظهره وسلوكه انه من مجندى الخرطوم  ، دعوته للدخول فشكرنى وذهب لحال سبيله مع حالة استغراب شديدة اعترتنى لحاله .

وفى زيارة أخرى لهم ضمن هجماتهم الماكوكية لمنزلنا وجدت أحدهم معتلى باب الشارع فكان سلاحى الوحيد هو إلقاء التحية عليهم ، فخرجت لهم فوجدت حوالى خمسة أشخاص
اهل بادية من لغتهم بالله البيت ده فيهو ناس نحن قايلنو فااااااضى ، قلته ليهم انا قاااااعد هنا نجيب ليكم مويه يا أهلنا ، فشربوا مع الشكر والطلب بانهم موجودين اذا اعترانى اى شخص بسوء حيث كانت تختلف درجات المعاملة من مجموعة لأخرى  .
 

ذات مره عدت إلى المنزل نهارا بعد شرائى لبعض الأغراض ، فعند دخولى سمعت طرقا لاصوات تكسير بالداخل فى فترة بسيطة لغيابى من المنزل ، فوجدت ثلاثة أحدهم يتحدث بالجوال كنت قد قابلته برفقة جارى لدى استجوابه لنا عبر الأسئلة المكررة والمعروفة فى الشارع الرئيسى واعلامه بأننا من سكان الحى ، فلم يرد على التحية على الرغم من تكريرى لها عدة مرات .

 جاء من كان يكسر فى الباب الداخلى للمنزل فبادر انت منو ، وانا فى داخل بيتنا  يا لعجب الزمان من يسأل من ، انا صاحب البيت ده وبدأ سيل الاتهامات المترادفه وامر بجلوسى على الارض ، ترددت فى تنفيذ الامر لشدة استفزازه ومع اصراره جلست ، فيا سبحان الله ويا محن الزمان  ، وعند اخباره بحقيقة هويتى ، بداء فى الهجوم انتو كذابين ومنافقين وغير شريفين ، فاغتظت من هذه الكلمات فقلت له والله انا اشرف من الشرف زاتو  ، فحدرنى بنظرة غاضبة .

 انتهى الضابط من مكالمته وبدأت اذكره باننى من قابلته قبل يومين واستفساره عنا ، فذكر لى بانهم فى عملية بحث عن سلاح مخبأ ، فاوضحت له بان هذا البيت تم تفتيشه عدة مرات ، فدخلوا إلى داخل المنزل فوجد قائد المجموعة مصحف على الطاولة وبدأ يقراء فيه واولئك يبحثون فيما يمكن سرقته ، فواصل تلاوته حتى خارج المنزل ، وعند مغادرته ارجع المصحف لى وسط دهشة واستغراب لما يجرى ، كأنه جاء لمسجد لالقاء محاضرة عن حقوق الآخرين،  فذكر لى أن هنالك مجموعة تسلحت بالحى من قبل الجيش فكيف لجيش عمره قرابة المائة عام يسلح مواطنيبن من غير تعليمهم الفك والتركيب فصمت مع حيره اعترتنى من أمره وامر الجيش الذى صنعه والان يستهتر به .

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *