عمر الحويج

عمر الحويج

في خطوة سياسية متقدمة صدر بيان “تحالف صمود” الذي طالبت فيه بتصنيف كل من حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلاموية السودانية كمنظومة إرهابية. ” من رائي ملتحقاً بهم مستشارية حميدتي وتوابعها الأخوانية ” أصل مفاصلة القصر منشية ، كمنظمة إرهابية على المستويين الدولي والمحلي. وفي ظني أن هذا البيان جاء في وقته وزمانه ، وهذه الخطوة الأولى التي تخطوها “صمود” بقوة فيها رائحة وطعم ثورة ديسمبر العظيمة ، فلو كانت في مثل هكذا مواقف ، لكانت مانعت بالثورية الشرعية في يدها ، ذالك الحين التوقيع على الوثيقة الدستورية المعيوبة ، ولما كانت قبلت بشراكتها مع اللجنة الأمنية وهي لتنظيمهم منسوبة، وما كانت أرتكبت كل تلك الأخطاء الفادحة ، التي لا نقول أنها أدت إلى الحرب، ولكنها ساعدت في تأجيج طمع صراع الإخوة الأعداء ، للإستئثار بالسلطة ، أيهما منفرداً كمنتصر ، دون الآخر المندحر ” هكذا كان تصورهما معاً “، بضمان إنتصار أحد الأخوين عسكرياً على الآخر في دواخل طموحاتهم ، وبالضرورة نهاية مايسمى بثورة ديسمبر المصنوعة كما يصفونها من مكمن تعاليهم وغرورهم الأجوف.

وحتى نبحث في مسوغات هذا البيان الذي قامت “صمود” بإصداره في المكان والزمان المناسبين ، وهل كان فعلاً هذا التنظيم الظلامي يستحق العزل المجتمعي والدولي ، أم مجرد تجني ضده ، يحق لنا إذن النظر ملئياُ في منبته ومنشئه التآمري الدموي، رغم ترعرعه في كنف التسامح المجتمعي المدني الديمقراطي السوداني، وسط أحزاب وجماهير شعب السودان، في حين ظل من جانبه، يحكمه الخبث والتآمر منذ المنشأ والتكوين، ولنعد منذ البدايات.

أولاً علينا أن نصنفه طبقياً بناءاً على موقعه وخياره وهو موقع اليمين المتطرف ، كما تصنفه العلوم السياسية ، وعلم طبقات المجتمع ، وهذا الموقع جعله أداة طيعة لليمين الخارجي ، وفيما بعد المحيط الإقليمي ، الذي أصلاً ليس مستعدًا للتعايش ، لا مع موجات حركات التحرر الوطني ونضالات الشعوب المُستَّعمرة في زمانها ، ولا مع أي تجربة انتقال ديمقراطي ، لا تضمن له السيطرة على موارد البلاد الغنية بمواردها ، إنما المقبول ما يسمح له ترتيب المشهد وفق مصالحه الجيوسياسية والاقتصادية. ومنذ الاستقلال ، ظل يبحث عن وكلاء محليين ، فوجد ضالته في اليمين المتطرف الإسلاموي ، الذي استخدمه كمخلب قط لتخريب التحولات السياسية ، وتوجيهها لخدمة أجنداته الخاصة ، كما يمكن تتبع هذه العلاقة منذ نشأة تنظيم الأخوان المسلمين بقيادة “حسن البنا” في عشرينيات القرن الماضي ، وعلاقاته المبكرة بالدوائر البريطانية ، والتي تطورت لاحقًا ، خلال الحرب الباردة ، إلى التنسيق مع واشنطن/أمريكا.

تلقّى هذا المشروع بفكرته الإقصائية التكفيرية منذ خروجه إلى العلن ، دفعة قوية في السودان ، فيما بعد على يد الشيخ حسن الترابي ، الذي أعاد إنتاج الخطاب الإخواني بطبعة سودانية ، أكثر تكيّفًا مع البيئة المحلية ، وأكثر استعدادًا لاختراق الدولة من الداخل ، لقد بدا ذلك جليًا منذ ثورة أكتوبر عام 1964م ، يوم ظهر باسم جبهة الميثاق الإسلامي ، حينها وقف هذا اليمين المتطرف “رغم تظاهره بالمشاركة في مسيرة الثورة ” ولكنه ظل في موقع العداء لها ، تلك الثورة التي شاركت فيها كل أطراف الشعب السوداني ، تتصدرها قوى اليسار وجماهير قوى الوسط (الحزب الوطني الاتحادي) واليمين المعتدل (حزب الأمة) ، وكانت أولى محاولاته لإجهاض الثورة والاجهاز عليها تتمثل في إدخال الدين إلى ميدان السياسة، لا كمبدأ أو رؤية أو عقيدة ، بل كأداة للاستقطاب والإقصاء ، تمهيدًا لنشر مشروعه غير الديني غير الوطني ، وغير الأخلاقي ، والذي اعتمد عليه في كل مسيرته السياسية المتسمة دائماً بالعنف الدموي الإقصائي التكفيري ، وتواصل نشاطه في إجهاض ثورات الشعب السوداني بعضها بالدم ، وبعضها بالمال ، في أبرل / مارس وديسمبر ، وفي ثلاثينيته المبادة ، بما فيها حرب الكرامة التي أشعلها لاستعادة سلطته المبادة ، ما يكفي مسوغاً مقنعاً ومنطقياً لوصمه بصفة الإرهاب ، والمطالبة محليًا ودولياً بإعلانه تنظيماً إرهابياً ولن نكون ظلمناه ولكنه لنفسه ظلم ، فقد كان دوماً من الظالمين الفاتكين.

وقبل أن أختم أقول لرفاق الثورة في”صمود” أن كانت مركزية الحرية والتغيير في مرحلة حكومة الشراكة الانتقالية ، في مثل هذا الموقف المصادم منذ يومها الأول ، لما كانت لتحتاج تسميتها ب “صمود” في معركة حرب دمار وخراب ، وإنما حاجتها كانت ستكون لصمود فعلي بصمود تنزيل شعارات الثورة حرية سلام وعدالة إلى أرض الواقع ، ولما كنا سنعاني الآن جحيم هذه الحرب الدموية المدمرة . ولا للحرب نعم للسلام والثورة مستمرة لدولة مدنية علمانية.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.