تجربة نهب الأراضي في فترة الإنقاذ
بقلم: تاج السر عثمان بابو
1
تناولنا في مقال سابق “تجربة التوطين والاستيلاء على الأراضي في المهدية” ، ونتعرض في هذا المقال لتجربة مماثلة مع اختلاف الظروف التاريخية ، وهي تجربة نهب الأراضي في فترة حكم الانقاذ ( يونيو 1989 أبريل 2019 )، وما نتج عن ذلك من صراعات وحروب حول الأرض والحواكير.
في بداية فترة حكم الانقاذ بعد انقلاب الجبهة القومية الإسلامية صدر قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 الذي أشار في المادة (13) ” يجوز نزع ملكية الأرض للمصلحة العامة بموجب أحكام قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930 عند ممارسة الوزير لسلطاته بموجب أحكام المادة 9(ج) ، (ه) ، (و)، كما أشار في المادة (14) الي نزع ملكية الأرض التي لم تُعمر.
هذا القانون مع الإجراءات الأخري بعد انقلاب الانقاذ في 30 يونيو 1989، واستيلاء الإسلامويين علي السلطة، مكن لهم في نهب الأراضي:
كما تقلصت اراضي السودان ، وكان من اكبر الخسائر في هذه الفترة انفصال جنوب السودان ، وتقلص مساحة أراضي السودان بفقدان 28% منها ،وفقدان 70% من الغطاء الغابي ، 75% من ثروة النفط ، وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة من 200 مليون فدان الي 160 مليون فدان،اضافة لفقدان ثروات معدنية ،ومياة عذبة وثروة حيوانية ووحشية وسمكية.
كذلك تمّ احتلال مصر لحلايب وشلاتين وابورماد ونتوءات وادي حلفا الأخيرة . الخ، واحتلال اثيوبيا للفشقة، وتأجير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة لدول الخليج وغيرها لمدة تتراوح بين ( 33 99 عاما) دون مراعاة مصالح الأجيال القادمة، والحفاظ علي المياه الجوفية الناضبة.
ايضا صدر قانون الاستثمار بتاريخ 31 يناير 2013 الذي ضمن للمستثمر استئجار الأرض لمدة تصل الي 99عاما، كما ضمن القانون للمستثمر تصدير كل منتجاته بلا رسوم جمركية أو اجراءات إدارية كتفتيش البضائع المراد تصديرها.
تمّ تجاوز ما كان ساريا حول قوانين تنظيم ملكية الأرض في فترة الحكم الانجليزي من تحريم تمليك الأرض في السودان للاجانب، ومن حماية لاصحاب الأرض الاصليين.
2
في هذا الفترة تمت أكبر هجمة علي اراضي السودان الزراعية أدت لصراعات طبقية وقبلية وحروب، كما في الآتي:
انتزاع الأراضي أو الحواكير في دارفور علي أساس أن ” الأرض لله” ، وتمت الابادة الجماعية في دارفور وحرق آلاف القري والتي أدت في العام 2003 حسب احصائية الأمم المتحدة الي مقتل 300 ألف مواطن ” حاليا وصلت الي أكثر من 500 الف” ونزوح أكثر من2,5 مليون ” حاليا تجاوز 3 مليون نازح”، واحلال مستوطنين من الدول المجاورة في اراضيهم، والاستيلاء علي اراضي قبائل الفور، الخ الخصبة، ومناجم الذهب كما في جبل عامر وغيره، مما أدي ليكون البشير ومن معه مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية.
3
في الفترة:” 2008 2018 ” ، وبعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008 ، وخاصة بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد ل 75% من عائد النفط ، واحتياج حكومة البشيرلنهب موارد جديدة ، منح السودان ملايين الأفدانة لمستثمرين من السعودية ،الامارات ،تركيا ، الصين ،الأردن، قطر،مصر ،لبنان، الكويت ، وسوريا، الخ ،التي استحوذت على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم ، والوقود الحيوي، فضلا عن تقلص مواردنا المائية.
وهي في الواقع عملية نهب للاراضي لأنها تستنزف خصوبة التربة والمياه الجوفية في سلب واضح لحقوق المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض في الرعي الزراعة للاكتفاء من الغذاء، رغم طلب الحكومة بتخصيص 25% من أراضي الاستثمار للمجتمعات المحلية الا أن ذلك لم يتم بالشكل المطلوب ، واستمر نهب أراضي السكان المحليين وطردهم من اراضيهم.
4
كما واصلت السلطة في السياسة نفسها بعد انقلاب اللجنة الأمنية لنظام الانقاذ في 11 أبريل 2019 ، كما في إعلان البرهان منح تركيا 100 الف هكتار للاستثمار في السودان، وبقية المشاريع مثل : مشروع الهواد، مشروع ابوحمد الذي مساحته 500 الف فدان لربطه بالميناء الاماراتي المقترح في “ابوعمامة ” علي ساحل البحر الأحمر، مخطط وزير المالية جبريل لضم مشروع الحزيرة لوزارة المالية، .الخ..
لم يكتف نظام الانقاذ بنهب الأراضي الزراعية، بل امتد النهب لما في باطن الأرض من بترول ومعادن ، ومارس الإبادة الجماعية وتدمير بقطع الاشجار والغابات والتعدين العشوائي باستخدام المواد السامة مثل السيانيد.الخ الضارة بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والتربة، والملوثة لمياه الشرب، وانهيار المناجم علي المعدنين ،مما يؤدي لموتهم، وما نتج عن ذلك من أمراض السرطان والفشل الكلوي، الخ.
5
في فترة إنتاج البترول وتصديره في عهد الانقاذ لم يتم الاستفادة من عائدات النفط في دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني والبنيات الأساسية لأن النفط ثروة ناضبة ، بل تم نهب عائدات البترول من الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ، وتهريبها للخارج ، اضافة لنهب ثروات السودان وصب الزيت علي لهب الصراع في الجنوب، بعد اكتشاف شركة شيفرون الأمريكية للنفط ، وتفاقم مشكلة الجنوب بعد أن الغي الديكتاتور نميري عام 1983 اتفاقية اديس أبابا وتقسيم الجنوب، واندلاع الحرب الأهلية من جديد ، حتى الانفصال بعد اتفاقية نيفاشا ، وكان من اسباب التعجيل به اكتشاف النفط الذي فتح شهية الانفصال بالاستحواذ علي كل عائداته بدلا من اقتسامه، هذا اضافة لتدمير البيئة والغابات ، والموارد المائية، وطرد أعداد كبيرة من سكان الجنوب و النوبة من أراضيهم لمرور أنابيب النفط لميناء بورتسودان بواسطة الشركات الصينية وغيرها من المؤسسات التي كانت عاملة في النفط.
كما استمرت الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان ، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج، علي سبيل المثال : متوسط إنتاج الذهب بين 100 250 طن (صحيفة الشرق الأوسط :11 يناير 2020)، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82 93 طن ( موقع الجزيرة 5/1/ 2017)، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان، وفقدان الدولة لثروة كبيرة، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب لمصلحة تقدم وتنمية البلاد، حتى لايتم تبديدها كما حدث للنفط.
مما يتطلب استكمال مهام ثورة ديسمبر يتحسين شروط الاستثمار، وتخصيص جزء من العائدات لتنمية المجتمعات المحلية ، ومراجعة كل العقود التي تصل مدة ايجارها 99 عاما بالنسبة للاراضي ، وعقود شركات التعدين التي تصل فيها نسبة الشركات الي 70%، مع تدمير البيئة، وعدم تطوير مناطق التعدين بتسبة من عائدات الذهب وبقية المعادن..
المصدر: صحيفة التغيير