اخبار السودان

تجربة الجبهة المعادية للاستعمار السودانية , اخبار السودان

تجربة الجبهة المعادية للاستعمار

تاج السر عثمان بابو

1

نتناول في هذا المقال بمناسبة الذكري 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني تجربة الجبهة المعادية للاستعمار، وكما هو معلوم، ساهم الحزب في قيام أوسع التحالفات والجبهات ضد الاستعمار حتى خروجه، وضد ديكتاتوريات “عبود والنميري والبشير” حتى سقوطها في ثورة اكتوبر 1964، وانتفاضة مارس ابريل 1985م، وثورة ديسمبر 2018، ويواصل الحزب حالياً النضال من أجل أوسع جبهة قاعدية لوقف الحرب، ومواصلة استكمال مهام ثورة ديسمبر.

إضافة لهذه التحالفات الواسعة، كانت هناك تجربة تستحق الوقوف عندها، وهي مساهمة الحزب الشيوعي في قيام الجبهة المعادية للاستعمار، التي يخلط كثير من المؤرخين بينها وبين الحركة السودانية للتحرر الوطني “حستو” الحزب الشيوعي فيما بعد التي تأسست في 16 أغسطس 1946، أي قامت قبلها.

الواقع أن الجبهة المعادية للاستعمار كانت تنظيماً جماهيرياً ضم الشيوعيين والقوى الديمقراطية والوطنية، والتي تكونت أثناء معركة أول انتخابات برلمانية في نوفمبر 1953، وفازت بدائرة عن الخريجين نالها مرشحها حسن الطاهر زروق، وكما أشار عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات من تاريخ الحزب أن “الجبهة المعادية للاستعمار لم تكن حزباً شيوعياً على مبادئ الماركسية اللينينية، بل كانت حزباً ديمقراطياً يتصل بالجماهير في أكثر من افق، ويحتل فيه الشيوعيون مركز الصدارة”، “وكانت محاولة لبناء الجبهة الوطنية الديمقراطية في شكل حزب”، وكان هدفها “نشر الفكر الديمقراطي المناهض للاستعمار.

(للمزيد من التفاصيل عن تجربة الجبهة المعادية للاستعمار: راجع عبد الخالق محجوب: لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، طبعة دار الوسيلة، 1987، ص 100 101).

برنامج الجبهة المعادية للاستعمار (1954)

2

كما أشرنا سابقاً، لم يكتفِ الحزب الشيوعي مع القوى الديمقراطية بعد الاستقلال في برنامجه بشعار التحرير بل طالب أيضاً بالتعمير على أساس “لا تحرير بدون تعمير”، أي استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وتحسين أوضاع الجماهير المعيشية، في هذا الاتجاه ،كان برنامج الجبهة المعادية للاستعمار عام 1954 من أوائل البرامج التي ركزت على مطالب الشعب التاريخية في مستوى المعيشة والتعليم والصحة والضمانات الاجتماعية الحريات الديمقراطية التي لازالت تنتظر الحل بعد أكثر من 67 عاما من الاستقلال..

ويمكن أن نلخص أركان هذا البرنامج في الآتي:

سياسة خارجية مستقلة.

نظام جمهوري برلماني ديمقراطي.

الحريات الديمقراطية: حرية الصحافة، العقيدة، التعبير، الخطاب، الاجتماع، التظاهر، الإضراب، تكوين الأحزاب، كفالة الحريات النقابية، إلغاء القوانين المقيدة للحريات.

حماية التجمعات القومية من القهر القومي واعطائها حق الحكم الذاتي وتنظيم قوانينها المحلية وفق إرادتها في نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العامة وتصفية الحكم القبلي.

تحسين أحوال العاملين، زيادة الأجور، تحديد ساعات العمل، التأمين ضد التشريد، الضمان الاجتماعي، تحريم تشغيل الأطفال دون الثانية عشرة.

المزارعون: تعديل لوائح المياه لمصلحة المزارعين واعتبارهم شركاء في جميع المشاريع الزراعية وتحريم الربا وإلغاء الضرائب المجحفة بهم وتأمين الأرض والمياه لكل مزارع، ورفع المستوى الصحي والثقافي وتحسين كل مظاهر الحياة في القرية.

تخفيض الضرائب عن جميع الفئات الشعبية ورفعها على الشركات الأجنبية وأصحاب الأملاك الأغنياء وإلغاء ضريبة الدقتية

بناء اقتصاد وطني مستقل: صناعة وطنية ، إنتاج زراعي ، بنك للتسليف الزراعي ، تنشيط العلاقات التجارية مع كل دول العالم على قدم المساواة.

الشباب: الاهتمام بالحركة الرياضية، الأندية الثقافية والرياضية وتشجيع حملات محو الأمية وقيام مكتبات وطنية.

حماية وتطوير تراث البلاد الفكري ومكافحة الخرافة والثقافة الاستعمارية وثقافة الانحلال وسط الشباب.

المرأة: الأجر المتساوي للعمل المتساوي، حماية الأم والطفل، ا يجاد الوسائل اللازمة لتأمين ذلك، دور توليد، حضانة، علاج مجاني،. الخ.

توسيع الخدمات الصحية والتعليمية.

تحسين أوضاع ومرتبات الجنود والبوليس.

(برنامج الجبهة المعادية للاستعمار، 1956)

3

برنامج “سبيل السودان نحو تعزير الاستقلال والديمقراطية والسلم 1956”

بينما كانت الجبهة المعادية للاستعمار مستمرة في نشاطها، انعقد المؤتمر الثالث للحزب في فبراير عام 1956، مما يؤكد استقلاله عن الجبهة المعادية للاستعمار، وتم تعديل اسم الحزب إلى الحزب الشيوعي السوداني، وصدر برنامج (سبيل السودان نحو تعزيز الاستقلال والديمقراطية والسلم)، أشار البرنامج إلى قضايا حية ذات ارتباط واشتباك بالواقع السوداني مثل:

جهاز الدولة القمعي الذي شيده الاستعمار لقهر الشعب السوداني وتأمين مصالحه.

الاقتصاد السوداني يعتمد على محصول نقدي واحد (القطن)، ويستوجب إصلاح هذا الخلل.

تخلف الصناعة والزراعة وعبء الضرائب على الكادحين.

أشار البرنامج إلى ضرورة قيام دولة ديمقراطية شعبية، يتم فيها تجديد الحياة ووضع الأساس للاشتراكية.

كما أشار البرنامج إلى حق تقرير المصير للقوميات السودانية وهي إشارة مبكرة إلى حق تقرير المصير في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني.

طالب البرنامج بتصنيع البلاد وقيام بنك لتمويل الصناعة وتوسيع الجامعة السودانية والمعهد الصناعي.

أشار البرنامج إلى الإصلاح الزراعي.

كما أشار البرنامج إلى تجديد حياة الكادحين ورفع مستوى المعيشة وتأمين الخدمات الصحية والأجر المتساوي لعمل المتساوي دون تمييز بين الجنس والعرق.

تعميم التعليم الإلزامي.

(سبيل السودان،. الخ، البرنامج المجاز في المؤتمر الثالث، فبراير 1956).

ونلاحظ أن الحزب الشيوعي مع الجبهة المعادية للاستعمار طور خطوط هذا البرنامج، كما جاء في برنامج الجبهة المعادية للاستعمار الانتخابي للوحدة الوطنية، المنشور في مجلة الفجر الجديد الصادر في أول ديسمبر 1957، جاء في البرنامج:

سياسة خارجية لتعزيز الاستقلال الوطني والسلم وتلتزم بالحياد الإيجابي وروح مؤتمر باندونج.

في ديمقراطية الحكم أشار البرنامج إلى وضع دستور وطني ديمقراطي يؤكد المبادئ التالية: السودان جمهورية برلمانية تكون السيادة فيها للشعب وهى جزء من الوطن العربي والكيان الأفريقي. رئاسة الدولة تتكون من خمسة أعضاء. كفالة الحريات العامة (تنفيذ قرارات البرلمان السابق بإلغاء القوانين المقيدة للحريات).

الاحتفاظ للتجمعات القومية المختلفة بحق التطور وحق إنشاء وحدات ذات حكم ذاتي مستقل في نطاق السودان الموحد.

كما أشار البرنامج إلى زيادة الخدمات والعلاج المجاني، والتوسع في التعليم الصناعي والزراعي بما يناسب خطة منظمة للتصنيع والزراعة، وكفالة التعليم الأولى للبنين والبنات وجعله إجباريا وقبول كل التلاميذ الذين اجتازوا الامتحان في المدارس الوسطي والثانوية والجامعة وتقليل المصاريف المدرسية، وتوسيع حركة محو الأمية ، وفي التعليم الجامعي أشار البرنامج إلى إعادة النظر في قانون الجامعة الأساسي حتى يكفل: أ مراجعة جميع برامج التعليم الحالية حتى تتمشى مع احتياجات البلاد الوطنية. ب تخليص الجامعة من قبضة الإدارة البريطانية . ج تعميم اللغة العربية في التدريس.

كما أشار البرنامج إلى التنمية الاقتصادية وتطوير الزراعة والصناعة وتعديل قانون الشركات لعام 1925 وتحسين أوضاع العاملين. (برنامج الجبهة المعادية للاستعمار، 1957).

وأخيراً، كانت تجربة الجبهة المعادية للاستعمار فريدة في مخاطبتها لقضايا الشعب السوداني الملحة في ذلك الوقت، كما أوضحنا سابقاً.

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *