تبديل العملة أداة اقتصادية أم معاناة للمواطنين ..؟
هلال وظلال
عبد المنعم هلال
شهد السودان في الآونة الأخيرة أزمة اقتصادية مركبة نتيجة الصراعات المسلحة والحرب الدائرة ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرارات حاسمة مثل تبديل العملة الوطنية وعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو كبح التضخم والسيطرة على الاقتصاد إلا أن هذا الإجراء أثار تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة أثرت على حياة المواطنين.
الصراع العسكري الدائر جعل من الضروري تفكيك الأنظمة الاقتصادية المرتبطة بالمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع حيث استخدمت العملة القديمة لتمويل العمليات العسكرية في بعض المناطق بعد عمليات النهب التي قامت بها مليشيا الدعم السريع لكميات مهولة من أموال البنوك والشركات والمواطنين.
التضخم المتزايد نتيجة طباعة العملة بشكل عشوائي أدى إلى تآكل قيمة الجنيه السوداني مما جعل من الضروري طرح عملة جديدة ذات ضوابط صارمة.
استبدال العملة يُعتبر وسيلة لإعادة المواطنين إلى النظام المصرفي وتقليل الاعتماد على السوق السوداء.
ـ من آثار تبديل العملة على الاقتصاد تخفيف التضخم
ففي النظريات الاقتصادية يساعد تبديل العملة على امتصاص السيولة النقدية غير المشروعة وتقليل حجم العملة المتداولة ما يؤدي إلى استقرار الأسعار على المدى البعيد.
فترة استبدال قصيرة للغاية لم تتجاوز أسابيع مما أربك المواطنين الذين يعيشون في مناطق نائية أو في المناطق التي تحت سيطرة الدعم السريع حيث تعذر عليهم الوصول إلى البنوك أو نقاط الاستبدال كما تسببت هذه السياسة في حدوث طوابير طويلة وصراعات يومية أمام البنوك في المدن الآمنة مما أدى إلى تنامي المعاملات الربوية من أصحب النفوس الضعيفة حيث يتم إستبدال مليون جنيه من العملة القديمة مقابل800 ألف جنيه من العملة الجديدة وهكذا.
الآن يتم استخدام عملتين لأن الوضع الراهن في السودان نتج عنه استخدام العملة الجديدة في مناطق سيطرة الجيش بينما تظل العملة القديمة قيد الاستخدام في مناطق قوات الدعم السريع وهذا الانقسام أضر بتوحيد النظام الاقتصادي وأدى إلى تعقيد التعاملات التجارية بين المناطق المختلفة.
التحديات الناتجة عن استخدام عملتين تتمثل في تعطيل التجارة الداخلية وصعوبة إجراء المعاملات بين مناطق العملتين ما أثّر على تدفق البضائع والسلع الأساسية وهذا الوضع أدى إلى ارتفاع الأسعار وفرض رسوم إضافية على تحويل العملتين ما يثقل كاهل المواطنين.
وجود عملتين شجع المضاربين على استغلال الوضع مما أدى إلى ازدهار السوق السوداء.
من الآثار الاجتماعية والإنسانية لهذا الوضع الكارثي أن المواطن البسيط يعاني من ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى النقود الجديدة مما فاقم من معاناته اليومية.
بعض المواطنين اضطروا للانتقال إلى مناطق العملة الجديدة لتسهيل معاملاتهم المالية ما أدى إلى تفاقم النزوح الداخلي.
لتخفيف هذه الآثار السلبية يجب إطالة فترة الاستبدال
ومنح المواطنين وقتاً كافياً لتبديل العملة لتجنب الضغط والازدحام والسوق السوداء.
تنسيق الجهود بين الأطراف المتنازعة بإنشاء آلية مشتركة لضمان تداول موحد للعملة في جميع أنحاء السودان.
تعزيز التكنولوجيا المالية والتوسع في استخدام المحافظ الإلكترونية وأنظمة الدفع الرقمي لتسهيل التداول وتقليل الاعتماد على النقد.
تحفيز القطاع المصرفي وتقديم حوافز للمواطنين لفتح حسابات مصرفية لتشجيع الادخار واستخدام العملة الجديدة.
تبديل العملة في السودان يمثل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً عميقاً في ظل الأوضاع الحالية.
هذه الخطوة في مثل هكذا ظروف تسببت في معاناة حقيقية للمواطنين ويتطلب النجاح في هذه العملية تنسيقاً أكبر بين الأطراف المعنية وحلولاً مبتكرة للتخفيف من الآثار السلبية لضمان تحقيق أهداف التبديل دون تعريض المواطنين لمزيد من الضغوط ويكفي المواطن ما عاناه وكابده جراء الحرب العبثية اللعينة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة