تباً للتعصب! صوم الأحد ٣٠ مارس معصية .. لأنه يوم الشك

محمد الصادق
فالنبي نهي
عن صيام (يوم الشك من رمضان)
اي اليوم الذي يشكّونه في آخر رمضان
لأن العرب كانت تكبس يوما
في كل شهر فردي
فهم يعدّون شعبان ٢٩ ورمضان ٣٠
لكن العلم اثبت اليوم
أن دورة القمر هي ٢٩ يوم ونصف وبضع دقائق
فلا يمكن للمشرّع أن يكملها ٣٠
بل خففها إلي ٢٩
مثلما يفعل في (الأوقاص)
في أمر الزكاة
ولذلك القرآن ذكر {شهر رمضان}
لكنه لم يقل أن الصيام شهر
وإنما قال {اياما معدودات}
يعني أقل من شهر
فعندما ذكر بيع النبي يوسف بثمن زهيد، قال:
{دراهم معدودة}
يعني [فَكَّة]: أقل من ٤٠
لأنها لو بلغت أربعين لصارت دينارا
توضع في كيس وتكون [صُرّة]
وحينها بالطبع لا تكون معدودة
لكن لو أقل من ذلك
لا بدّ من عدّها ولذا قيل أن النبي يوسف بِيعَ بعشرين أو ثلاثين درهم.
راجع مقالنا:
“حلّ إشكال رؤية الهلال”]
▪▪▪▪▪
إذن فالإسلام جعل الشهر الشرعي ٢٩ يوما وهذا من تخفيفات الإسلام
(الشهر تسع وعشرون …)
(إنما الشهر تسع وعشرون …)
[من أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم]
وإنما كان إكمال الصوم احيانا إلي ٣٠
هو فقط بسبب اغمام الهلال
فيُتحفظ بصوم (٣٠ شعبان)
فقط من باب الاحتياط ولا يُعدّ من رمضان الا اذا ظهر هلال شوال
بعد ٢٨ يوما من الدخول في رمضان
ففي هذه الحالة يكون يوم الاغمام الذي صيم احتياطا هو في الحقيقة اليوم الأول من رمضان ففي هذه الحالة فقط يتم حساب يوم الاغمام من رمضان لأن الشهر لا يمكن أن يكون ٢٨ يوما
اما في حال صوم ٢٩ يوما بعد دخول رمضان لا يعدّ يوم الإغمام ويكون الشهر ٢٩ يوما رغم صيام ٣٠ يوما في المجمل
(.. فإن غم عليكم فأقدروا له/فأكملوا العدة)
فالإكمال يكون بصوم يوم الإغمام في البداية
قبل التيقن من دخول رمضان
علي سبيل الاحتياط كما قلنا
▪▪▪▪▪
بالأمس اصدر المشروع الإسلامي لرصد الأهلة
التابع لمركز الفلك الدولي
تقريرا فلكيا حول ظروف رؤية هلال شوال
يوم التحري ٢٩ رمضان 1446 هـ الذي يوافق يوم السبت 29 مارس/آذار 2025م،
وأكدوا أن الرؤية في ذلك اليوم مستحيلة من شرق العالم، وهي غير ممكنة من باقي مناطق العالم العربي والإسلامي .
باستخدام جميع وسائل الرصد بما في ذلك العين المجردة والتلسكوب
وكذلك تقنية التصوير الفلكي.
وجاء في التقرير :
“وبناء على ما سبق من الشواهد العلمية والحسية المشاهدة بالعين المجردة يوم السبت، فإنه لا بد من التنبه للشهادات الواهمة التي قد ترد في ذلك اليوم، فإنها في حالة ورودها
تؤكد بشكل قطعي على الخطأ
الذي قد يقع فيه بعض الأشخاص في توهم رؤية أهلة غير موجودة في السماء”.
▪▪▪▪▪
نود أن نلفت نظر أهل الفلك
إلي أن الرؤية البصرية
لها ميزة ربانية:
وهي ما جاء في حديث أبي البَختريَ:
(خرَجنا للعُمرةِ فلمّا نزلنا ببطنِ نَخلةَ
رأينا الهلالَ فقالَ بعضُ القومِ هوَ ابنُ ثلاثٍ
وقالَ بعضُهُم: هوَ ابنُ ليلَتينِ،
قالَ: فلقيَنا ابنُ عبّاسٍ، فقُلنا:
رأينا الهلالَ فقالَ بعضُ القومِ: هوَ ابنُ ثلاثٍ
وقالَ بعضُهُم: هوَ ابنُ ليلَتينِ
فقالَ: أيَّ ليلةٍ رأيتُموهُ؟
قُلنا: ليلةَ كذا وَكَذا فقالَ:
إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ:
إنَّ اللَّهَ مدَّهُ لرُؤيتِهِ
فَهوَ لِلَيلةِ رأيتُموهُ)
…
والعلوم الطبيعية تفسر هذا
بظاهرة تسمى superior mirage
او السراب المتفوق “Fanta Morga”
و هي رؤية الاجسام البعيدة
والسفن والمباني
اعلى ارتفاعا بكثير مما هو في الواقع ..
ويحدث هذا في نطاق ضيق
فوق الأفق مباشرة
مثلما تُري السفن في أفق المحيطات
وكأنها تسبح في السماء
قبل أن تظهر حقيقة في الأفق
حيث تتكون لها صورة (سرابية)
نتيجة لظاهرة انكسار الضوء وانحناء الأرض
وعوامل هذه الظاهرة
هي اختلاف حرارة الهواء الدافئة
التي تكون فوق ماء بارد وايضا الرطوبة
بالإضافة الي عدة معطيات
تسمي في مجملها:
(معامل الانكسار)
…
فكذلك الهلال..
فحتي بعد مغيب الهلال تحت الأفق
يمكن أن تتكون له صورة في السماء
نتيجة الخداع البصري الناتج عن انكسار الضوء
والمهم أن الرؤية تكون قد حدثت
فالصورة لا تتكون من فراغ
وهذا بالطبع يعتمد علي ظروف الطقس
في وقت التحري بُعيد مغيب الشمس
وعليه من الخطأ اتهام الرائين بالتوهم
…
ولكن كل هذا .. مؤسف حقا
عندما نعلم المنهج الصحيح
فهلال رمضان قد تمت رؤيته
قبل الدخول في الصوم
وعندما يُري هلال رمضان
لا يُصام بعده أكثر من ٢٩ يوما
فكان يجب عندما أعلن عن رؤية هلال رمضان
ليلة الأول من مارس
أن يبيّنوا معها أن ٣٠ مارس عيد الفطر
فعند رؤية هلال رمضان
لا حاجة اصلا لترائي شوال
تبعا لقاعدة: (الشهر تسع وعشرون)
وهي حتي في الحديث
جاء ذكرها قبل الرؤية:
(الشهر تسع وعشرون،
فإذا رأيتم الهلال فصوموا…)
و الرسول يستنكر
علي من يصوم ٣٠ رمضان
(كيوم متمم)
بحجة اغمام هلال شوال
إذ يقول:
(فإن غم عليكم الهلال، فإنها ليست تُغمى عليكم العدَّةُ)
والمعني أنه ينبغي
عدّ ٢٩ يوما
بعد رؤية هلال رمضان
وقد أرشد ذات مرة رجلا
أن يصوم غرة شوال
لأن عيد الفطر
صادف يوم الشك (٣٠ رمضان):
فعن عمران بن الحصين
أنَّ النَّبيَّ قال له أو لرجلٍ:
(أصُمْتَ مِن سَرَرِ هذا الشَّهرِ شيئًا)؟ قال: لا،
قال: (فإذا أفطَرْتَ فصُمْ يومًا)
▪▪▪▪▪
ونأتي هنا إلي توضيح خطير
إجابة علي سؤال خطير:
فلقد رأينا أن طريقة ابتداء وانتهاء صوم رمضان
هي في منتهي السهولة والوضوح:
أنه عند رؤية هلال رمضان
يصام ٢٩ يوما
وعند اغمام هلال رمضان
يصام ٣٠ يوما
(اي يوم ليلة الإغمام
بالإضافة الي ٢٩ يوما بعده)
فإذا كانت المسألة بهذه البساطة
لماذا لم يدركها أسلافنا من العلماء؟!
وايّ علماء ؟؟!!
هم ممن لم تنجب الأمة أمثالهم
بل لم ينل أحد
عُشر ما نالوا من العلم.
خذ مثلا العلماء الذين تنازعوا
في هذه المسألة:
ابو يعلي بن الفراء، ابو بكر الخطيب (البغدادي)،
ابن الجوزي، الأصبهاني،
ابن تيمية، ابن القيم، ابن عبد الهادي ،
ابن المبرد، مرعي الكرمي،
الشوكاني..الخ ..الخ
هذه أسماء كبيرة .. كبيرة..
ولكن أنظر كيف كان الخلاف:
الجمهور وعلي رأسهم الخطيب
قالوا أن المقصود بإكمال العدة
هو إكمال عدة شعبان
فلا يصام يوم الإغمام
وأما الحنابلة وعلي رأسهم
ابن الفراء وابن الجوزي
فقالوا أنه يمكن صوم يوم الإغمام
لأن إكمال العدة مقصود به
إكمال عدة رمضان عند اغمام شوال
والأغرب من ذلك
أنه بعد جدال دام أكثر من ثلاثة قرون
جاء ابن عبد الهادي
الذي اقترح حلا وسطا
من أجل إنهاء التنازع
وهو أن تكمل عدة شعبان اذا غم هلال رمضان (ارضاءا للطرف الاول)
وأن تكمل عدة رمضان إذا غم هلال شوال (ارضاءا للطرف الثاني) !!
أنظر كيف أعمي الله بصائرهم عن الحق بما تنازعوا وتعصبوا
والمصيبة أن ذلك (الحلّ الوسط)
هو ما يعمل به الآن
في كل العالم الإسلامي!!
فالفهم ..
في النهاية منحة ربانية
{ففهمناها سليمان}
فالسبب في حرمانهم من الفهم
هو التعصب المذهبي
الذي وقع فيه تلاميذ الأئمة ومن جاء بعدهم
والذي أنتج خلافات فقهية لا نهاية لها،
حتي تصور الناس أن الخلافات رحمة !!
وهذا عكس ما جاء في القرآن:
{وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخۡتَلَفُوا۟
مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُۚ}
{وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا
وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ}
{وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ} … الخ
فأئمة المذاهب الأربعة أنفسهم
كان مذهبهم واحدا !
لكن تلاميذهم تعصبوا
كل الي مذهب
حتي صارت إتجاهات الكعبة الأربعة
لكل مذهب اتجاه !!
واخذت النزاعات الفقهية
ووصل الأمر حد الاقتتال
حتي زالت مناطق من علي الخريطة
بسبب الصراعات المذهبية
كما ذُكر في معجم البلدان
▪▪▪▪▪
ونقتبس هنا من كتاب ابن الجوزي:
(درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم)
لنوضح ما كان العلماء
يحملونه في قلوبهم
علي بعضهم البعض
لكي يعرف الناس
لماذا أعمي الله بصائرهم عن الحق
رغم غزارة علمهم.
فابو الفرج يبدأ كتابه
متحدثا عن الحقد الكبير
الذي يكنه الخطيب البغدادي لأصحاب الإمام أحمد،
ولذلك خصص ثلاث فصول
في مقدمة الكتاب
للحديث عن ذلك !!
ويبدأ مقدمته:
“أما بعد،
فإن الميل إلى الهوى والعصبية شأن السفهاء،
وقد تلبس به جماعة يعدون في العلماء،
فلا ما عرفوه من العلم راضهم،
ولا بلغوا لافتضاح باطلهم أغراضهم.
ومذهبنا بحمد الله محفوف بالنقل محشود،
فهو لمكان فضله وفضائله محسود …”
“ومنهم: من يسمينا: (الحشوية)
إشارة إلى رواية الحديث،
وما يصدر هذا
إلا عن حقد خبيث …
ومنهم من يتعرض لذم تابعيه وصحابته،
ثم يقول عند الموت:
احملوني إلى تربته!..
وممن له قصد لهذا المذهب طريف عجيب:
أبو بكر أحمد بن علي الخطيب،
فإنه ملأ بعلم أحمد جميع كتبه،
ثم تحامل عليه وعلى أهل مذهبه”
“قال في ترجمة أحمد بن حنبل: (إمام المحدثين)،
وفي ترجمة الشافعي: (زين الفقهاء)،
فلم يذكر أحمد بالفقه،
وما ضره ذلك
فقد شهد له بالفقه الشافعي…”
“أفلا يستحيي الخطيب
أن يقابل قول الدارقطني في مهنى ومدحه بقول هذا!!
وإن هذا يدل على قوة عصبية وقلة دين”
“ومال الخطيب على أبي الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي، …
فتعصب عليه الخطيب:
فحكى عن أبي القاسم عبد الواحد بن علي العكبري أن التميمي وضع حديثا…
وقد ذكر الخطيب أن هذا العكبري لم يكن من أهل الحديث والعلم، …”
“غير أن الخطيب يبهرج بعصبية باردة في ذم أصحابنا،
وإذا ذكر المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم
فخّم أمرهم وذكر من فضائلهم ما يقارب الاستحالة …”
“ومال الخطيب على أبي عبد الله بن بطة ميلا
لا يخفى على من له أدنى فهم
بعد أن ذكر عن الفضلاء مدحه…
فغمزه الخطيب وقدح فيه بقول عبد الواحد بن علي الأسدي الذي قدح في التميمي…”
فواعجبا للخطيب!
كيف يحكي عن أشياخه الفضلاء مدح هذا الرجل،
ويعلم كثرة رواياته،
ثم ينسبه إلى تعمد الخطأ في حديث واحد، … هذا التعصب القبيح
الذي لا يخفى على الصبيان…
ومال الخطيب على أبي علي بن المذهب
لأجل روايته (المسند) …
قلت: وهذا قلة فقه من الخطيب”
“فصل: واعلم أن تعصب الخطيب وميله
قد بان لأكثر العلماء:
فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه،
قال: سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي
وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول:
ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم
لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم:
الحاكم أبو عبد الله،
وأبو نعيم الأصبهاني،
وأبو بكر الخطيب”
“فصل: وما زال أبو بكر الخطيب
يميل على مذهبنا
في تصانيفه ميلا ظاهرا
ينبئ عن حقد.
ومن أعجب ما رأيت له:
مسألة صوم يوم الغيم،
فإنه أظهر فيها تعصبا زائدا في الحد،
وتكلم فيها بكلام العوام
الذين يقصدون التشفي من الأعداء،
وقبح قول من يقول بها،
كأنه ما قالها إلا أحمد بن حنبل وحده،
وهو يروي أنه قد قال بها جماعة من الصحابة والتابعين،
ثم قال: (أجمع علماء السلف
على أن صوم يوم الشك غير واجب،
وهو إذا كانت السماء متغيمة) …
وهذا ضد ما علمه ورواه!
ثم نسي أن جماعة من الفقهاء الأعلام
انفردوا بمسائل وما شنعت عليهم،
وأحمد لم ينفرد.
وأخذ هو يشنع بالمحال،
ويقول: (خالف تعرف)،
ويقول: (هذا خلاف الأحاديث الصحاح)،
ويحتج بأحاديث ليس فيها حجة،
وأحاديث يعلم هو بطلانها،
وينكر أن يحمل الحديث على شيء
فتبين بذلك قلة فقهه،
وما زال الفقهاء يحملون الحديث على صور،
ثم يحمل أحاديثنا وينسى ما قال،
وما علم أنه يأتي بعده أحد يظهر عوار كلامه،
ويبين تعصبه البارد،
فرأيت أن أحرر هذه المسألة،
وأذكر دليل المذهب فيها،
وأبين فساد كلامه …”
□■□■□■
نذكّر بالدعاء علي الظالمين
فهو دعاء لا شك مستجاب
الذين أخرجوا الناس من ديارهم
بغير حق
وسفكوا دماءهم
وانتهكو أعراضهم
وأخذوا حقوقهم
وساموهم سوء العذاب
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة