خالد فضل

بالطبع ليس هناك سعة للتهاني , تحمل عبء المسؤولية , والتصدي لخدمة الناس أمر جلل , ونشاط يستحق المؤازرة ,المتابعة والمراقبة ثم التنويه و التشجيع  في حالة النجاح مقابل النقد والتقويم في حالة الفشل وتنكب الطريق  , وهذان من باب المساندة الفعلية , خاصة من كاتب الرأي . أوضاع بلادنا وحال شعوبنا المنكوبة لم تجعل للاحتفالات طعم , إلا ما يشبه الضحك في بيت البكا_كما يقولون_ فقد ولدت سلطة  مشروع التأسيس في لجج ألم عظيم وأتون حرب طاحنة , ونقص في الأنفس والثمرات , وملامح تشظي وأفعال تقسيم .

المشروع هو البوصلة الهادية , ومرجعية النظر وحساب الخطوات , فإنْ إلتزم القائمون على الوظائف العامة سلما وحربا , مدنيون وعسكريون , سياسيون ومهنيون , منظمات مجتمع وقيادات أهلية , بما تعاهدوا عليه , ساروا على بصيرة من مبادئ تواطوء عليها مسبقا ؛ كان ذلك دليلا على سلامة الطريق , حافزا للسير المستقيم , ودافعا لكسب الرضا واتساع التأييد . وسيصير ذاك المولود من رحم المعاناة ولهيب الحروب بمثابة طوق النجاة , ونهاية لعقود الكرب والماساة , فما أضرّ ببلادنا وشعبنا شئ أكثر من تنكّب الطريق الصحيح , وتمزيق المواثيق والتعهدات والتخلي عن الشعارات في لحظات تصور بلوغ الغايات , حدث هذا منذ لحظة الاستقلال ومن بعد في مختلف الفترات . لذلك يبدو التحدي الأول أمام سلطة التأسيس هو الوفاء بما أعلن , والإلتزام الصارم بما أدى عليه المسؤولون القسم الدستوري , فذاك عهدهم مع شعوبهم أولا وأخيرا .

إنّ ما يميز سلطة التأسيس هو استنادها إلى مشروع سياسي مميز , وطيف إجتماعي واسع ومعبّر عن التعدديات الوطنية , إذ ليس هناك وجه غريب , لا تمييز بسبب المنحدر الجهوي أو العرقي أو المعتقد الروحي , الناس عند التأسيس كلهم سواء , وتلك نقطة جوهرية لأي بناء وطني سليم الركائز , يستمد قوته من تعبيره عن مختلف القطاعات في دولة علمانية لا تسمح بالتلاعب بالدين ولا تستغله كرافعة سياسية وكسب التاييد , فالدين لله وهو اعتقاد فردي , والدولة لجميع المواطنين , ذاك ببساطة مفهوم العلمانية في بيئة وطنية يجب أن تتساوى فيها اقدار الناس .

اللامركزية في الإدارة , هي اساس الوحدة الطوعية القائمة على تكامل الأقاليم لا تبعيتها , القضاء على دواعي التهميش ومسبباته بجعل السلطة الفعلية في يد الشعب لا الحكومة المركزية القابضة , المنحازة لجهات أو أعراق أو أديان , وفوق هذا الديمقراطية الكاملة بكل محمولاتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية , بدون البناء على الحريات وكفالة ورعاية حقوق الإنسان لن يصلح بنيان أو تاسيس . وتلك لعمري مهمة عسيرة في مجتمعات نشأت وعاشت في بيئة القهر والقمع الطويل . مجتمعات سادها عنف الدولة وقمعها واستبدادها وتحيزها المقيت , طغى فيها لأربعة عقود ونيّف أوهام جماعة الإسلام السياسي وتجارتهم بالعواطف الدينية كأسوأ استغلال .

ثمّ مسؤوليات الأمن , والسلام , والمعيشة وتحدي الفقر والإفقار , والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وعلاج ومياه وكهرباء وغيرها من مقومات الحياة الكريمة للناس , وهي التي صارت على يدي تجار الدين سلعا تشترى بها الولاءات وليست حقوقا طبيعية لكل فرد من المواطنين .

مواجهة كوارث الحرب ومخلفاتها البائسة من نزوح ولجوء ودمار , وكوارث الطبيعة والأوبئة والأمراض , كل ذلك مما يعظّم المسؤولية ويضع على عاتق المسؤولين مزيدا من الأعباء , ولذلك لا يبدو للتهنئة من معنى لمن تكون همته في الوظيفة العامة هذه الأعباء , فقط تبقى الدعوات بالتوفيق , والأمل في العمل بروح الفريق , والتنازل عن الأنا بما تشمل من معطيات الجهة والمنحدر , فقد انبرى التأسييسيون لمهام جسام , سيكونون قدرها إن تحسسوا مواقع خطوهم عند كل مسار , هاديهم ودليلهم الميثاق , فهل نأمل في فجر جديد يكون قدوة ومنار لبقية الشعوب السودانية فتنضم طوعا لمسيرة البناء والتعمير أم تنهار الآمال وتزوي الطموحات ونواصل سكة الفشل الطويل .. الناس ثلاثة في النظر إلى تأسيس , مشفق مؤيد بوعي أوحماس , شامت متربص منتظر الجثة على الساحل , وقسم غير عابئ بكل ما يدور . العمل الجاد والمخلص هو ما يغير الموازين من التقييم السائد والمصطلح الرائج (سلطة موازية ) إلى منصة تأسيس حقيقية تحوز الريادة , لتترك الآخرين يلهثون خلف السراب , يدورون عناصر العهد المباد ويعاودون السير في ذات الطريق المسدود وهم حتما إلى محاق .

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.